وسائل التواصل.. وموضة الاكتئاب

لغة الإعلام | المتقدم الأدنى
في عالم أصبح فيه الافتراضي جزءًا من العالم الحقيقي، والعالم الحقيقي بات يشغل حيزا كبيرا من العالم الافتراضي، صارت حيوات الناس متقاربة ومذاعة؛ فيمكنك من خلال صفحتك على أي من وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية أن تقرأ أصوات كثير من الناس وتعلم ما يشعرون به وما يفضلونه وما يتابعونه. فهل الحياة فعلا تحوي هذا الكم الهائل من البشر المكتئبين والحزانى والمطعونين بخنجر أوجاع الحياة، حتى صار المكتئبون طبقة بذاتها لها خطاب خاص مُنَاقضٌ لخطاب التفاؤل وقوالبه الجاهزة.

لكن ورغم هذا الجانب البائس الذي يظهره هؤلاء على العالم الافتراضي، وإذا كنت تعرف واحدا منهم معرفة حقيقية، ستجده ربما يحيا حياة عادية، يبتسم أحيانا، ويضحك أحيانا، يقاوم حينا ويستسلم نهاية النهار، يعاني في الليل لكنه يركب شاحنة الحياة في الصباح الباكر، يأخذ لنفسه صورا ويستمتع بهواية أو أكلة شهية. فهل يكذب علينا هؤلاء؟ هل يظهرون التعاسة خوفا من الحسد مثلا؟ أم أن الاكتئاب والبؤس أصبحا موضة وسلعة رائجة للادعاء.

يبدو الحكم على هؤلاء البائسين واتهامهم بالكذب والادعاء تسرعا وظلما كبيرا، فبينما كان يقوم مفهوم الصداقة سابقا -وقبل ظهور العوالم الافتراضية- على تصادق شخصين، أي يعلم كل شخص بأغلب أحوال صديقه ويصدق الأخر أمام الأول بكل ما يدور في قلبه، أضحى مفهوم الصداقة الحديث -وبعد ظهور الصداقة الافتراضية- يقوم على المتابعة فقط وتبادل الآراء الجافة والإعجاب والتعليقات، فتم تفريغ مفهوم الصداقة من معناه الأصلي الحقيقي وصار صورة مشوهة من شيء كان وجوده يشكل فارقا كبيرا عند البشر.

 وعلاوة على ذلك، دمرت وسائل التواصل مشاعر الإنسان الحقيقية، فالشخص الذي يتابع الأخبار وما يكتبه أصدقاؤه الافتراضيون يوميا وينفعل معه، يستهلك كما هائلا من طاقته الشعورية يوميا بين الفرح والحزن والضحك والألم والفزع والخوف، وكل ذلك في دقائق معدودة، وبشكل مجهد شديد التقلب، فيفقد الإنسان فاعليته الشعورية وتصبح مشاعره باردة، تتحرك الأحداث وصور الدماء والمذابح مختلطة بتهاني الأفراح، والأدعية، وكل ذلك يتحرك أمامه صعودا وهبوطا، فيما أصبح ذلك شيئا عاديا قلما يتأثر به.

من هنا وفي ظل هذا الازدحام الشديد لعرض حالات الناس ، صار الإنسان يواكب الأحداث، فيكتب حالته الشعورية بما يتواكب مع الشعور السائد من متابعة خط الأحداث في صفحته، ولأن هناك فئة كبيرة فعلا من الناس حولنا مصابون بالاكتئاب، فهذا الجو الافتراضي العام يساعدهم على تقمص دور البؤس وإخراج أسوأ ما لديهم من مشاعر في تلك المساحات الافتراضية الضيقة، ولأن هذا المساحات لا تستطيع أن تعبر عن الشخص بالكامل، ولا يمكنها إظهار الإنسان بحالته المركبة وشكله الحقيقي، فيظن المتابعون الافتراضيون أن الأمر كله ادعاء أو مواكبة للموضة وطلبا للشهرة.

 يظن الأصدقاء الافتراضيون ذلك لأنهم يرون الشخص نفسه على موقع تواصل آخر بحالة مختلفة تماما، فالناس يهاجرون من موقع افتراضي لآخر وينتقلون من منصة اجتماعية لأخرى ويغيرون حالتهم النفسية بمنتهى السلاسة وهكذا تتعدد أوجه الإنسان، ورغم كل تلك المنصات المختلفة، ما زلت لا تستطيع التعبير الكامل عن الإنسان بصورته الحقيقية. فتبينوا قبل أن تظلموا شخصا أو تجرحوه وتتهموه بالادعاء، وقد يكون على حافة الانهيار ولا ينقصه إلا دفعتك التي نفذتها بمنتهى الأنانية والجهل.

المقال الأصلي

 

Grammarقواعد

كان وأخواتها

كان وأخواتها أفعال ناقصة ناسخة تدخل على الجملة الاسمية، وهي:

كان - أصبح – أضحى - ظلّ - أمسى – بات – صار- ليس – ما زال – ما برح - ما انفك - ما فتئ - ما دام.

* عملها النحوي

تدخل هذه الأفعال على الجملة الاسمية فترفع المبتدأ و يسمى اسمها،  وتنصب الخبر و يسمى خبرها، ومن أمثلة ذلك في هذا النص:

في عالم أصبح فيه الافتراضيُّ جزءًا من العالم الحقيقي... صارت حيواتُ الناس متقاربةً.

وقد يأتي خبر هذه الأفعال أحيانا جملةمثل:  صار الإنسانُ (يواكب الأحداث)، أو شبه جملة مثل: قد يكون الشخص (على حافة الانهيار).

معانيها

تستخدم هذه الأفعال لأداء معان معينة، فمثلا تستخدم:

"كان" للدلالة على وقوع الأمر أو الاتصاف به في الماضي.

و"أصبح" للدلالة على وقوع الأمر أو الاتصاف به في الصباح.

و"أضحى" للدلالة على وقوع الأمر أو الاتصاف به في الضحى.

و"أمسى" للدلالة على وقوع الأمر أو الاتصاف به في المساء.

و"ظل" للدلالة على وقوع الأمر أو الاتصاف به طول النهار.

و"بات" للدلالة على وقوع الأمر أو الاتصاف به طول الليل.

و"صار" و"أصبح" للدلالة على التحول من حال إلى حال.

و"ما زال، ما فتئ، ما انفك، ما برح" للدلالة على الدوام والملازمة.

و"ما دام" للدلالة على المدة الزمنية.

و"ليس" للدلالة على النفي.