هل يستطيع الفن الإسلامي مواجهة الإسلاموفوبيا؟

لغة الإعلام | المتقدم الأعلى

(1)

"المسلمون إرهابيّون". تلك العبارة صارت لصيقة بكل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين. وبنفس المنطلق، برر الرئيسي الأمريكي دونالد ترامب منع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة بحجة الخوف من تكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر.  وما أثار الغرابة هو أنه ألا أحد من تلك الدول السبع -وفقا لدراسة أجراها معهد كاتو الأمريكي للحريات- كان سببا لموت أمريكي واحد منذ عام 1975 وحتى عام 2015، بأي هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة.

(2)

الأسوأ، أن مساواة المسلمين بالإرهابيين صارت ذات عواقب وخيمة. فوفقا لتقرير لمكتب التحقيقات الفدرالي، فإن عدد الاعتداءات والهجمات، على المساجد وغيرها من المؤسسات الإسلامية داخل الولايات المتحدة، بسبب جرائم الكراهية في عام 2015 كان أعلى مما كان عليه في أي وقت آخر بعد 11 سبتمبر.

وهذه ليست حوادث فردية، فوفقا لتقرير المكتب هناك نمو مُخيف للجماعات المناهضة للمسلمين، حيث ارتفع عددها من 34 عام 2015 إلى 101 عام 2016، أي بزيادة 197%. كما زادت الهجمات على المسلمين عام 2016 فأدت إلى 6100 جريمة. ووفقا لدراسة أجرتها الجمعية الأمريكية لطب النفس في أبريل 2017 يقول كيفن نادال أستاذ علم النفس في كلية جون جاي للعدالة الجنائية في جامعة نيويورك، إن خطاب الكراهية يُرخّص للناس ارتكاب جرائم تمييز عنصري ضد المسلمين.

(3)

وترى الدراسة أن معالجة مشكلة الإسلاموفوبيا تحتاج لخطة منهجية طويلة الأمد لما وصفته بـ"البلطجة " ضد المسلمين. كما ترى أن تلك الخطة لا ينبغي أن تهمل وسائل التواصل الإعلامي خاصة الأخبار التي يصور فيها المسلمون على أنهم إرهابيون؛ حيث ارتبطت تلك الأخبار بدعم التدخلات العسكرية في البلدان الإسلامية، فضلا عن دعم المقترحات السياسة غير الدستورية مثل عدم السماح للأميركيين المسلمين بالتصويت أو امتلاك السلاح. وفي المقابل وجدت الدراسة أن التركيز على التصوير الإيجابي للمسلمين، مثل مقطع إخباري عن الأميركيين المسلمين المتطوعين في العمل العام، حسّن بنسبة كبيرة نظرة الأمريكيين غير المسلمين إلى الأمريكيين المسلمين.

(4)

وحسب الجمعية الأمريكية لطب النفس أيضًا في دراسة أجرتها بعنوان "الفن يلعب دورًا"، يأتي الفن ضمن أبرز الأدوات التي تساعد الناس على الصمود في مواجهة تقلبات الحياة. وقد وصفت الدراسة الفن بأنه أحد أيسر وأسهل أدوات التحفيز الوجداني.

وترى الباحثة التونسية المتخصصة في فلسفة الجمال أم الزين بنشيخة المسكيني، أن اللقاء بين التجربة الدينية والتجربة الجمالية ممكن بسبب اشتراكهما في نسج خيوط الحياة المشتركة ضمن أفق الألفة مع العالم. وتقول إن الفنّ صار جسرا في عصر عسُر فيه التفاهم بين أبناء العالم الواحد حول شكل الحياة وشكل التعايش في ظلّ صدام الهويات وصدام الأجندات وغموض الخرائط. وتضيف أن "الفن ينزع النقاب عن الحقيقة المحجوبة وراء أحكامنا المسبقة وأسئلتنا السيئة وفهمنا المتحجر".

فهل تستطيع الفنون العربية والإسلامية فتح القلوب والعقول المناهضة لها وأن تمسح على جُرح الإسلاموفوبيا البغيض فيلتئم؟

(5)

يتم الآن التعويل على الفنون الإسلامية في تحدي القوالب النمطية والمفاهيم الخاطئة التي تغذي الإسلاموفوبيا. ومؤخرًا سلطت عدّة صحف فنيّة الضوء على مشروع رائد من شأنه مدّ جسور التواصل بين العالمين الشرقي والغربي، فقد احتفت جريدة الغارديان بمتحف الفن الإسلامي والعربي القطري الجديد في مانهاتن، بمقال للناقد الفني البريطاني جوناثان جونس عنوانه "جمال الفن يستطيع أن يواجه الإسلاموفوبيا، لكن الأمر لن يكون سهلا".

وحسب جونس، فقد يستطيع الفن سد الفجوة الثقافية بين الشعوب؛ فالفن يفرد مساحة للخيال وتجاوز الزمان والمكان. وبالنظر إلى الفن الإسلامي، فسيسمح ذلك لغير المسلمين باستشعار جمال المعتقدات الدينية والثقافات العربية والشرقية. ويرى جونس أن سد تلك الفجوة لا يكون ببناء متحف للفن الإسلامي فقط، بل بزيارة المعالم الإسلامية الأكثر شهرة في التاريخ، مثل قصر الحمراء في غرناطة أو قضاء أسبوع في مراكش، ويقول إن ذلك سيمحو أي إسلاموفوبيا.

ويبيّن القائمون على المتحف في الصفحة التعريفية به أن الهدف منه هو درء المفاهيم الخاطئة حول العالمين العربي والإسلامي، وأن المتحف سيكون بمثابة منصّة لخلق جسور تواصل ومنارة تجذب كل الفنانين والمبدعين.

 (6)

في الخطاب الذي ألقته في الدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في 17 مارس 2014، تقول مندوبة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الفنانة والناشطة في مجال حقوق الإنسان ليديا كنعان، إن الإسلاموفوبيا هي في واقعها رهاب ديني يتغذى ويكتسب فعاليته من الجهل والعزلة، وإن الفن هو الأداة التي تستطيع محاربة هذا الرهاب على نحو ثابت. وتُشير ليديا كنعان إلى أن الإسلام تعرض لوابل من المفاهيم الخاطئة وسوء الفهم وصار مثقلا بالعديد من الوصوم الكاذبة. وتؤكد أن الفن الذي يعد لغة عالمية تحتضن كل المعتقدات والثقافات هو وحده القادر على خلق أرضية مشتركة للحوار والتفاهم.

وحسبما ترى الصحفية أنيسة مهدي -الحاصلة على جائزة إيمي في الصحافة- في دورية "إسلامك مانثلي"، فإن الفنون تتسلل في اللاشعور عند جميع الناس. والفنانون هم أداة لا تقدر بثمن في معركة الإسلام ضد التعصب.  ويمكن التعويل على الفنون في دفع القوالب النمطية والتهديدات والهجمات على المسلمين لتتحول إلى نظرة عقلانية ترنو للتعايش السلمي. فمعارض الفنون والعروض المسرحية والغنائية تدفع الناس لفحص أفكارهم حول رهاب المسلمين.

هذا التصور يؤكده أيضا زيبا رحمان مدير البرامج في مؤسسة دوريس ديوك للفنون الإسلامية حيث يرى أنه على المجتمع إيجاد مسارات مبتكرة للتواصل. ويقول إن "التجارب الفنية الإيجابية تبني الإحساس بالأخوة، وتلهم الناس التفكير. فالفنون تساعد الناس على التحول الداخلي. ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة الآن، حيث يتزايد قلق الناس بشأن التهديدات المحتملة من المسلمين".

وهكذا يعوّل كثيرون على الفن بوصفه أداة لكسر الوصم مُسلطين الضوء على المواهب الفنية والإبداعية الموجودة في العالم العربي. فإذا احتدم الصراع بين العالمين الشرقي والغربي على المستوى السياسي، فإن الفنّ يستطيع أنسنة الأفكار التي ننظر بموجبها إلى الآخر.

المقال الأصلي