معا نخدم لغة القرآن

11 /9/ 2017

سلبيات استعمال الترجمة وإيجابياته في تعليم العربية لغة أجنبية

تعد الترجمة في التعليم التقليدي للغة العربية لغة أجنبية من أفضل الأساليب التي كاد المعلمون لا يعرفون غيرها. وشاع يومها استعمال ما يسمى بطريقة النحو والترجمة التي من أهم ملامحها ترجمة النصوص العربية إلى لغة الدارسين مع بيان ما فيها من التراكيب النحوية.

وكان التعليم على هذه الطريقة يسير بشكل سلبي بحيث ينحصر دور الدارسين على الاستماع إلى ترجمة المعلم للنصوص وشرحه لما فيها من التراكيب النحوية ثم تسجيلها في كراساتهم ولا يتدربون على أقل قدر من الاتصال اللغوي الشفهي. ونتيجة مثل هذا التعليم انحصار كفاءة الدارسين في الإلمام بالنحو والقدرة على الترجمة وذلك على حساب المهارات الاتصالية اللغوية الأخرى وهي الاستماع والكلام والكتابة. 

ولما تغيرت اتجاهات تعليم اللغات الأجنبية إلى المهام الاتصالية ظهرت طرائق تعليمية كثيرة ردا على طريقة النحو والترجمة واتجاهاتها الترجماتية. ولعل أبرز تلك الطرائق الطريقة المباشرة والطريقة السمعية الشفوية اللتين دعا أنصارهما في المقام الأول إلى تحرير عملية تعليم اللغات الأجنبية من قيد الترجمة. ورأى هولاء أن طريقة النحو والترجمة لا تتماشى مع أبرز طبيعة للغة وأهم مبادئ تعليمها وهو أن اللغة اتصال ويجب أن يكون تعليمها وتعلمها لأجل الاتصال ولمآرب اتصالية.

فعلى ذلك دعا المعنيون بتعليم العربية لغة أجنبية والمنشغلون فيه إلى الاستغناء التام عن الترجمة واللغة الوسيطة وشجعوا على تدريب الدارسين الأجانب على التفكير باللغة العربية وإكسابهم مهاراتها الاتصالية. فبدلا من الترجمة يتكلم المعلمون باللغة العربية ويستعملون من الوسائل والأساليب ما يساعدهم على توضيح المعنى وإيصاله للدارسين. وأهم ثمار مثل هذا التعليم أن يعيش الدارسون أثناء تعلمهم اللغة العربية جوا لغويا يساعدهم على إجادتها سياقيا واستعمالها اتصاليا.

ولكن مع ذلك وعلى الرغم من شيوع هذه الاتجاهات الاتصالية الحديثة وإشارة نتائج الدراسات العلمية إلى ضعف فعالية تعليم اللغة من خلال الترجمة والشرح النحوي فإن طريقة النحو والترجمة لم تزل لها مكانها في تعليم اللغة العربية حيث يلجأ إليها غير قليل من المعلمين وتتبناها المناهج التعليمية في كثير من برامج تعليم اللغة العربية في الدول الأجنبية. ولعل أهم ما يختفي وراء ذلك هو عامل تدني الكفاءات الاتصالية للمعلمين الذين كان معظمهم قد نشؤوا وتدربوا في تعلم اللغة العربية على التعليم اللغوي المركز على معالجة النصوص من خلال الشرح النحوي المترجم. وذلك إلى جانب الاتجاه السلبي في عموم برامج تعليم اللغة العربية ذاتها وهو الاتجاه الذي يركز على مهارة قراءة النصوص دون العناية بالمهارات الشفوية الاتصالية.

وأهم ما يترتب على ذلك أن يعجز دارسو اللغة العربية عموما عن إجادتها اتصاليا وتنحصر حصيلتهم اللغوية في المعرفة اللغوية وهي الإلمام بالنحو والصرف. وعليه تنحصر معاملتهم مع اللغة العربية على قراءة النصوص وترجمتها ولا تتجاوز ذلك إلى مرحلة التكلم بها والكتابة بها وهذا مما يكوّن الانطباع بأن العربية لغة صعبة لا تربو إجادتها على فهم نصوصها والإلمام بقواعدها وأنها ليست لغة اتصالية يمكن التواصل الشفوي بها في الحياة اليومية.

لماذا أدت الترجمة بالتعليم إلى هذه السلبيات وكيف؟ هناك نظريات كثيرة تجيب عن هذا السؤال لعل أهمها كون الترجمة تغلق باب المحاكاة التي هي أساس اكتساب اللغة وتعلمها. النظريات النفسية اللغوية تؤكد أن المتعلم يمارس اللغة التي يتعلمها على أساس ما يرى ويسمع ممن حوله. كلما يرى أحدا يقوم بالأداء اللغوي ويستمع إلى ما يصدر منه من كلام يفترض من ذلك افتراضا لغويا يقوم به في موقف لغوي مماثل في وقت آخر. أي بكلمة أدق فإن أداء المتعلم اللغوي عبارة عن محاكاته لأداء غيره. كل هذا يعني أن المعلم المترجم الذي يفضل تعليم العربية باللغة الوسيطة يغلق باب المحاكاة ويحرم المتعلم من إجادتها كما ينبغي.

إلى جانب ذلك فإن الترجمة تقلل ما يستحقه المتعلم من التعرض اللغوي وما يحتاج إليه من فرص ممارسة اللغة. اللغة سلوك وتستحيل إجادتها إلا بكثرة الممارسة ودوامها. إذا أتيح للمتعلم ما يكفي من الفرص ليعيش مع اللغة العربية ويتعرض لها في حجرة الدراسة فسيجيدها بكل تأكيد. أما إذا تكلم المعلم باللغة الوسيطة وترجم المحتوى العربي المراد تعليمه فستضيع فرصة التعرض للغة العربية في حجرة الدراسة ويتعذر على المتعلم إجادتها.

والترجمة كذلك تؤدي إلى التعليم غير الدقيق ولا تعوّد المتعلم على التفكير باللغة والانفعال بها. إنه من سنة الله تعالى أن تكون اللغات تختلف فيما بينها لما تتميز به كل منها من خصائص اجتماعية وثقافية فلا يمكن ترجمة كل المعانى أو الأفكار التي تحملها لغة إلى لغات أخرى بصورة سليمة ودقيقة. فإذا أصر المعلم على ترجمة تلك المعاني والأفكار تعذر على المتعلمين التفكير باللغة الهدف ومالوا إلى فهمها على نظام المعنى والقيم الثقافية الاجتماعية في لغتهم.     

 ولكن مع تلك السلبيات فإن الترجمة لها مكانها وفعاليتها في مواقف معينىة ومحددة من عملية تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها منها في قياس فهم المقروء. فلأجل معرفة مدى فهم المتعلمين للنصوص العربية المقروءة يمكن للمعلم أن يدربهم على ترجمتها إلى لغتهم على أن يكون الهدف من ذلك اكتشاف مدى نقل الأفكار في ترجمة المتعلم وليس دقة لغته وصحة تعبير ه في الترجمة.

ومن إيجابيات الترجمة أنها أيضا تصلح الاستعانة بها كخيار بديل في شرح معاني الكلمات أو العبارات العربية الصعبة التي إذا أصر المعلم على شرحها باللغة العربية استغرق ذلك كثيرا من زمن الحصة التعليمية. إن اللجوء إلى الترجمة في مثل هذه المواقف ليس عيبا تعليميا بل يزيد التعليم فعالية.

 

خادم لغة القرآن الكريم

نصر الدين إدريس جوهر

الجامعة الإسلامية الحكومية سونن أمبيل بإندونيسيا

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 /7/ 2017

فن التصحيح التوجيهي للأخطاء الكلامية

عملية التكلم باللغة العربية أثناء تعلمها ليست عملية لغوية فقط، إنما هي أيضا عملية نفسية. فإذا تكلم طالب أجنبي باللغة العربية في حجرة الدراسة أمام معلمه وزملائه مثلا فذلك لا يعني أنه قد تمكن من إصغاء أفكاره في أصوات العربية وكلماتها وتراكيبها فحسب، وإنما يعني أيضا أنه قد تمكن من تجاوز حواجز نفسية تعوق كل عملية الكلام مثل الخوف والتردد والقلق وغيرها من المعوقات النفسية. كم من متعلم للعربية أجاد العربية وألم بفنونها لكنه استسلم أمام هذه المعوقات فلم يشارك في الممارسة اللغوية الصفية مما يؤدي إلى تدني مستواه الاتصالي الشفهي.  

هذه المشكلات النفسية قد تؤدي بمتعلمي اللغة العربية إلى ارتكاب أخطاء في كلامهم يمكن وصفها بأنها "أخطاء سطحية" وليست "أخطاء تحتية"، وهي الأخطاء التى تحدث بسبب تعرض المتعلم للمواقف النفسية أثناء التكلم مثل التردد والاستعجال وعدم التركيز، لا بسبب عدم معرفته لقيود القواعد العربية.

ودور المعلم هنا أن يحسن المعاملة مع هذه الأخطاء، ومن ذلك أن يصححها تصحيحا توجيهيا يثير به انتباه الطالب ليدرك الأخطاء التي تقع في كلامه ويوفر له ما يساعده على تصحيحها بنفسه مع تقدير جهوده الكلامية وعدم التقليل من رغبته التعلمية. وفي المقابل ينبغي ألا يصحح المعلم تلك الأخطاء تصحيحا مقاطعا مليما يؤخذ به المتعلم ويقلل من جهوده الكلامية ورغبته التعلمية.

ومن أشكال التصحيح التوجيهي أن يذر المعلم الطالب الذي يرتكب خطأ لغويا في كلامه بدون مقاطعة حتى يكمل كلامه. ثم بعد أن ينتهي من كلامه يعيد المعلم الجملة التي قالها مع تصحيح ما فيها من خطأ ليدرك من خلالها الطالب خطأه ويستفيد منها كيف يصححه.

وفيما يلي مواقف صفية وردت في دروس مهارة الكلام يمارس فيها المعلم التصحيح التوجيهي لأخطاء الطالب الكلامية:

المعلم: تكلم عن مهنة والدك.

الطالب: سبق أن يعمل والدي في وزارة التعليم.

(ثم قال المعلم للطلاب "قال أخوكم إن والده سبق أن عمل في وزارة التعليم").

المعلم: كم سنة عمل والدك في الوزارة؟

الطلب: ثلاثة سنوات.

(ثم قال المعلم: قال إن والده عمل في الوزارة ثلاث سنوات).

ومن الجدير بالتنبيه هنا أن ينطق المعلم الكلمة التي أخطأ فيها الطالب بصوت فيه نوع من التركيز والتأكيد والنبر البارز تصاحبه حركات أو إيماءات تثير انتباه الطالب لما فيه من التصحيح.    

ومن التصحيح التوجيهي أيضا أن يقترح المعلم على الطالب الذي يرتكب خطأ لغويا في كلامه ما يصحح به الخطأ من أسئلة استفسارية توجيهية، كما يتضح من الموقف التالي:

المعلم: لماذا تتعلم اللغة العربية؟

الطالب: لأنها أجمل اللغات في الدنيا.       

المعلم: هل تريد أن تقول "لأنها أجمل اللغات في العالم؟".

الطالب: نعم.

المعلم: الآن قل ما تقصد مرة أخرى.

الطالب: لأنها أجمل اللغات في العالم.

(ثم واصل المعلم) 

المعلم: كم سنة تعلمت اللغة العربية؟

الطلب: تعلمت اللغة العربية ثلاثة سنوات.

المعلم: هل تريد أن تقول تعلمت اللغة العربية ثلاث سنوات؟

الطالب: نعم.

المعلم: إذن، الآن قل ما تقصد مرة أخرى.

الطالب: تعلمت اللغة العربية ثلاث سنوات.

ويجدر التنبيه هنا أن يطرح المعلم هذه الأسئلة التصحيحية التوجيهية (خاصة ما فيها من التصحيح) بنطق فيه نوع من التركيز والتأكيد تصاحبه حركات أو إيماءات تثير انتباه الطالب لما يصحح أخطاءه.   

ومن التصحيح التوجيهي أيضا أن يناقش المعلم أخطاء الطالب مع زملائه عن طريق طرح الجملة التي أخطأ فيها ويطلب من أحدهم أن يكررها مع ما يلزم تصحيحه كما في الموقف الآتي:

المعلم: ماذا ستفعل بعد تخرجك من هذه المدرسة.

الطالب 1: أريد أن أستمر دراستي في جامعة الأزهر بالقاهرة.

المعلم: (مشيرا إلى طالب آخر) كرِّرْ ما قال.

الطالب 2: هو يريد أن يواصل دراسته في جامعة الأزهر بالقاهرة.

المعلم: نعم، هو يريد أن يواصل دراسته في جامعة الأزهر بالقاهرة.

ومن الجدير بالتنبيه هنا أن الطالب الثاني الذي كلفه المعلم بأن يكرر جملة الطالب الأول مع تصحيح ما فيه من الأخطاء هو من يعتقد المعلم أنه يعرف الخطأ وكيف يصححه. والمعلم عندما يكرر الجملة المصححة يكررها بنوع من التأكيد من خلال النبر والحركات والإيماءات المشيرة إلى ما وقع من التصحيح.

هذه الأساليب التصحيحة التوجيهية الثلاثة تمثل عملية تعليمية إيجابية تساعد الطلاب على تنمية مهارتهم الكلامية عن طريق تذليل المشكلة النفسية التي تصاحب أخطاءهم الكلامية وتوفير ما يصححونها به من خلال السياق التعليمي الاتصالي والتفاعل اللغوي الطبيعي. وهذا التصحيح التوجيهي إن حسن تطبيقه سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى جو تعليمي تعلمي مشوق يتعلم من خلاله الطلاب اللغة العربية بصورة أفضل.  

 

خادم لغة القرآن

نصر الدين إدريس جوهر

الجامعة الإسلامية الحكومية
سونن أمبيل بإندونيسيا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

23 /5/ 2017
 
مبدأ التدرج والمنهجية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها

 إن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها كشأن أي عملية تعليمية عموما يجب أن يتسم بالتدرج والمنهجية. التدرج يضمن له حسن القبول والاستمرارية، والمنهجية تؤكد أنه عملية غير عشوائية. وإلى جانب ذلك فإن أهم ما يؤكد ضرورة مراعاة مبدأ التدرج والمنهجية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها كون اللغة العربية متنوعة العناصر والمهارات التي لا يمكن تعليمها دفعة واحدة، وكون متعلمي العربية الأجانب لديهم خصائص لغوية ونفسية تتطلب المعاملة التعليمية معهم بصورة منهجية.

وأهم مبادئ التدرج والمنهجية في تعليم الغة العربية للناطقين بغيرها يتمثل في عبارة "تعليم السهل قبل الصعب". وهو ببساطة أن يقدم المعلم لطلابه ما يراه سهلا قبل ما يراه صعبا. وتحديد السهولة والصعوبة هنا يستند إلى معايير منها مدى تشابه المواد المدروسة بلغة الطلاب ومدى اختلافها عنها. فالمواد التي لها تشابه بلغة الطلاب تعد سهلة والعكس صحيح. ففي تعليم الأصوات مثلا، تعد أصوات الباء، والتاء، والدال، والراء، والكاف، واللام، والميم، والنون، تعد من الأصوات السهلة لما بينها وبين أصوات عموم اللغات الأجنبية من تشابه، ومن ثم يجب تقديمها قبل أصوات الثاء، والذاء، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والعين، والغين، والقاف، التي تعد من الأصوات العربية الصعبة لغياب المقابل لها في أصوات معظم اللغات الأجنبية.

أما في تعليم المفردات فيمكن أن يتم تطبيق مبدأ السهل قبل الصعب من خلال تعليم المفردات المحسوسة قبل المجردة. وعلى هذا فمفردات مثل الكتاب، والمدرسة، والسيارة، والبيت، والأستاذ، وغيرها من المفردات المحسوسة، يجب تقديمها قبل المفردات المجردة مثل ماهر، ونشيط، ومريح، وحزن، وفرح، وما شابه ذلك. 

كما يمكن أن يتم هذا المبدأ من خلال تعليم المفردات النشيطة قبل المفردات الخاملة. وعليه يقدم المعلم للطلاب المبتدئين مثلا مفردات بيئتهم التي يحتاجون إلى الاتصال بها مثل الكتاب، والقلم، والسبورة، وغيرها، قبل المفردات التي ليسوا في حاجة إليها مثل المنهج، والدراسة، والمناقشة وغيرها من المفردات التي لا تنتمي إلى بيئتهم. 

أما في تعليم التراكيب فتتمثل مراعاة مبدأ السهل قبل الصعب في تعليم التراكيب العربية التي تشابه ما يتعود عليها الطلاب في لغتهم الأم قبل الأخرى التي لم يتعودوا عليها. وعلى هذا فالتركيب العربي الاسمي الذي لا يخالف تراكيب معظم اللغات الأجنبية يجب تقديمه للطلاب الأجانب قبل نظيره الفعلي الذي يخالف تراكيب جمل اللغات الأجنبية عموما. كما تتمثل مراعاته في تقديم التراكيب البسيطة قبل الأخرى المركبة، فيقدم المعلم الجملة البسيطة "درس الطلاب النحو" قبل الجملة المركبة "درس الطلاب النحو ولكن لم يحسنوا تطبيقه في كلامهم".  

وأما في تعليم المهارات اللغوية فتتمثل مراعاة مبدأ التدرج من خلال تعليم المهارات اللغوية بنفس الترتيب الذي يكتسب به الأطفال لغتهم الأم وهو الترتيب الطبيعي: الاستماع -الكلام –القراءة -الكتابة. ويطبق هذا في برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من خلال تزويد الطلاب بمهارة الاستماع في المقدمة ثم تليها مهارة الكلام، ثم القراءة، ثم الكتابة. 

ويتمثل مبدأ التدرج أيضا في تعليم المهارات الاستقبالية قبل الإنتاجية أي تعليم الاستماع والقراءة قبل الكلام والكتابة. ومن مراعاة هذا المبدأ أن يدرب المعلم طلابه على الاستماع قبل تدريبهم على الكلام، ويدربهم على القراءة قبل تدريبهم على الكتابة. ويؤكد المعلم وجود التدرج بين هذين النوعين من المهارات من خلال نقل أثر التدريبات بينهما وهو أن يتدرب الطلاب على مهارتي الكلام والكتابة على أساس ما قد درسوه في مهارتي الاستماع والقراءة. إذا تدرب الطلاب في درس الاستماع على عبارات التحية مثلا فعلى المعلم أن يدربهم على ممارسة هذه العبارات في درس الكلام.

ويتمثل هذا المبدأ أيضا في تعليم المهارات الآلية الميكانيكية قبل المهارات العقلية. ويتمثل ذلك في تعليم مهارة الاستماع في تدريب الطلاب على الاستماع الآلي (مجرد تعرف الأصوات وتمييزها) قبل تدريبهم على الاستماع العقلي (لأجل استقبال المعنى والرسالة). ويتمثل في تعليم مهارة الكلام في تدريبهم على الكلام الآلي (المركز على الجانب النطقي البحت دون المعنى) قبل تدريبهم على الكلام العقلي (لأجل إيصال المعنى والتعبير عن الفكرة). ويتمثل في تعليم مهارة القراءة في تدريب الطلاب على القراءة الآلية (مجرد تحويل المكتوب إلى المنطوق) قبل تدريبهم على القراءة العقلية (القراءة لأجل استقبال المعنى والرسالة). ويتمثل في تعليم مهارة الكتابة في تدريب الطلاب على الكتابة الآلية (الكتابة بدون إيصال المعنى والرسالة) قبل تدريبهم على الكتابة العقلية (الكتابة لأجل إيصال المعنى والرسالة).

 وجدير بالذكر هنا أن مبدأ التدرج في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها لا يتعلق فقط بالمواد التعليمية وكيفية اختيارها وتنظيمها وتقديمها، وإنما يتعلق أيضا بالموارد البشرية التي تقوم به. إنه يحتاج إلى المعلمين المؤهلين الذين لديهم إلمام عالي المستوى بخصائص اللغة العربية ولغة الطلاب المتعلمين على حد سواء. إذا تمتع المعلم بهذه الكفاءات فسيتسنى له اكتشاف ما بين العربية ولغة الطلاب من تشابه واختلاف ومن ثم يسهل عليه تحديد مناطق الصعوبة والسهولة ليعتمد عليها في رسم أولويات التعليم ومنهجيته، وإلا فقد يتم تعليم اللغة العربية من خلال تنظيم عشوائي وتقديم غير منهجي لا يزيد التعليم إلا تعقيدا.

 

 

خادم لغة القرآن

نصر الدين إدريس جوهر