معا نخدم لغة القرآن

الدكتور نصر الدين إدريس جوهر

أستاذ العربية بجامعة سونن أنبيل-إندونيسيا

الموقف التعليمي من الخوف على مستقبل اللغة العربية

يعد الحديث عن مستقبل اللغة العربية من أكثر ما يهم المعنيين باللغة العربية ابتداء من اللغويين والخبراء والمثقفين ومرورا بالمعلمين والتربويين ووصولا إلى المتعلمين سواء كانوا من أبنائها أم من الناطقين بغيرها. فلا يعقد مؤتمر أو ندوة في اللغة العربية إلا وطرحوا فيه أسئلة تحمل همومهم وخشيتهم على ما ستكون عليه اللغة العربية في المستقبل. هل العربية ستكون على قيد الحياة والبقاء أم أنها ستموت وتنقرض؟ هل ستتمكن اللغة العربية من خوض الصراع اللغوي أم ستتغلب عليها غيرها من اللغات؟  هل تتمكن اللغة العربية من مواكبة الثورة المعلوماتية أم تتخلف عنها وتصبح في "خبر كان" فيما يسمى بالعولمة اللغوية؟ كل هذه الأسئلة تمثل موضع نقاش في المؤتمرات والندوات والورشات.

هذه الهموم والتساؤلات عن مستقبل اللغة العربيىة لا تأتي من فراغ وإنما تصدر من توقعات تستمد من الظواهر الراهنة التي تبدو ضد اللغة العربية وعلى حسابها. ولعل من أهم تلك الظواهر الهيمنة المتزايدة للغات الأجنبية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية في التواصل العالمي. وهذه الهيمنة تتآزر مع أزمة الهوية اللغوية للجيل الجديد من المسلمين المتمثلة في الميول السلبية إلى تفضيل اللغة الإنجليزية وغيرها واستحبابها على اللغة العربية في جميع مجالات الحياة بما فيها مجال الدين أو الدراسات الدينية.  هذه الظاهرة إن استمرت حسب ما يتوقع غير قليل من المعنيين باللغة العربية سوف تضع حدا لمسيرة اللغة العربية وتعمل على تهميشها وطرحها جانبا في التواصل العالمي بل تمثل تهديدا خطيرا قد يقضي على مستقبلها ويقودها إلى سبيل الانقراض.

كيف يتصرف المعلم إذا طرحت هذه الأسئلة عن مستقبل اللغة العربية في حجرة الدراسة على ألسنة متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها؟

يمكن أن يحسن المعلم استغلال أسئلة طلابه عن مستقبل اللغة العربية لمصالح تعليمية ويتخذها بابا يدخل منه هو وطلابه إلى اتخاذ المواقف التعليمية من المشكلات التي تتعرض لها اللغة العربية والسعي إلى التغلب عليها. ومن المواقف التى يمكن أن يتخذه المعلم أن يقدّر ما يظهره الطلاب من شعور الانتماء نحو اللغة العربية الذي يتمثل في اهتمامهم بمستقبلها. وهذا الموقف الإيجابي للمعلم يشكل تعزيزا تعليميا يفيد الطلاب بعدا نفسيا يجعلهم يتعاملون مع العربية على أنها ليس هدفا لتعلمهم فقط، وإنما هي أيضا جزء من حياتهم.

ومنها أن يؤكد المعلم أن ما يخشاه الطلاب من مستقبل اللغة العربية لن يتحقق لأن بقاء اللغة العربية مضمون بالضمان الإلهي حيث أكد القرآن الكريم أن الله تعالى تكفل بالحفاظ عن القرآن الذي يعني مما يعني الحفاظ عن لغته وهي اللغة العربية، وذلك ليدركوا أن التهديد الذي يواجه العربية ليس الانقراض وغياب الوجود وإنما التهميش وغياب الأدوار وتدني الأهمية، وأن الأمر ليس في مستقبل اللغة العربية على حد ذاته وإنما فيما يقوم به المعنيون بها لتأمين مستقبلها المرموق.   

إذا كان الأمر يتعلق بالدور الذي ينبغي أن يلعبه متعلمو اللغة العربية لتأمين مستقبلها المرموق، فما ينبغي لهم أن يخشوا أن تموت وتنقرض هذه اللغة النبيلة التي أكرمها الله بجعلها لغة كتابه، وإنما ينبغي أن يهمهم ويقلقهم ألا يشاركوا في عملية الحفاظ عن اللغة العربية وألا يتخذوا في ذلك دورا يلعبونه.

وعلى ذلك يؤكد المعلم للطلاب أن أهم ما يمكن أن يشاركوا به في تأمين مستقبل اللغة العربية اتخاذ العربية لغة لحياتهم يستخدمونها في مختلف المواقف الاتصالية التي يخوضون. ويمكن أن يبدؤوا هذه المهمة بتعلم الجوانب الوظيفية من اللغة العربية لكي يتمكنوا من إجادتها اتصاليا ولا يكتفوا بالجوانب المعرفية منها فقط كما يشيع الميل إليه في تعلم العربية لغة أجنبية.

ودعما لذلك فعلى المعلم أن يزود الطلاب بما يمكنهم من تحقيق هذه المهمة، من خلال تبني المنهج التعليمي الاتصالي وهو التعليم الذي يسعى جميع عناصره إلى تمكين الطلاب من الاتصال باللغة العربية. ويتمثل ذلك في المقام الأول في تزويدهم بالمواد التعليمية الوظيفية القابلة للاستخدام في اتصالهم اللغوي. ثم يتم إيصال هذه المواد من خلال الأساليب التعليمية الاتصالية التي تتيح للطلاب فرصة كافية للتدرب على استخدام اللغة العربية في مختلف أشكال الاتصال.

ويتمثل المنهج التعليمي الاتصالي أيضا في الاستعانة بالوسائل التكنولوجية التعليمية المعاصرة وشبكات التواصل الاجتماعي التي يتعلم ويمارس من خلالها الطلاب اللغة العربية الاتصاليىة المعاصرة. إن تدريب الطلاب على الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة ضروري جدا نظرا لأن هيمنة اللغات في هذا العصر تتوقف على مدى شيوع استخدامها على شبكات التواصل الاجتماعي.    

ويتمثل هذا المنهج التعليمي الاتصالي أيضا في قياس مدى إجادة الطلاب للغة العربية على معايير اتصالية. وهو أن يقيس المعلم كفاءات الطلاب في اللغة العربية على معايير اتصالية. ومعنى الإجادة في تعليم اللغة العربية وتعلمها هنا القدرة على استعمال اللغة العربية في مختلف أشكال الاتصال في الحياة الواقعية استقبالية كانت أم إنتاجية.

هذه هي المواقف التعليمية التي يمكن أن يتخذها المعلم نحو أسئلة الطلاب عن مستقبل اللغة العربية. هذه المواقف عند إحسان إدارتها ستعمل نفسيا على رفع معنويات دور كل من معلمي العربية ومتعلميها إذ إنهم سوف يشعرون بأن عملية تعليمهم وتعلمهم اللغة العربية ليست لأجل هدف قصير المدى وهو إكسابها وإجادتها فقط، وإنما أيضا لأجل المصالح البعيدة المدى وهي تعزيز دور اللغة العربية لغة عالمية وتأمين مستقبلها من تهديد التهميش.

 

خادم لغة القرآن الكريم

نصر الدين إدريس جوهر

الجامعة الإسلامية الحكومية، سونن أمبيل بإندونيسيا

 

 مدونات الأستاذ