القلق عند متعلمي العربية الناطقين بغيرها وكيفية تبديده

الدكتور خالد أبو عمشة

باحث وخبير لغوي/معهد قاصد بالأردن

يعتقد اللسانيون المحدثون أنّ اكتساب اللغة الثانية يعد أكثر السلوكات الإنسانية تعقيداً على الإطلاق، ويعد القلق من المظاهر المصاحبة أو المرافقة لعملية اكتساب اللغات الأجنبية أو الثانية، وينشأ هذا القلق من داخل المتعلمين أنفسهم، أو من الصعوبات التي يواجهونها أثناء اكتسابهم للغة، وضعف الأداء في اللغة المتعلّمة، والفروقات الفردية بين المتعلمين، وثقافة اللغة المتعلّمة، والاختلافات في الحياة الاجتماعية لأبناء اللغة المتعلمة، والصدمة الثقافية التي ترافق الحياة في بيئة اللغة الجديدة، والشعور بضياع الهوية الذاتية للمتعلم، وغيرها من الأسباب.

ويعد ما يقوم به معلّم العربية من جهود في مواجهة هذه الظاهرة التي تؤثر قطعاً في عملية اكتساب العربية وتعلمها لغة ثانية أو أجنبية الجبهة الأساسية. وسأحاول أن أبين في هذه المقالة الأسباب الموجبة لهذا الشعور، والسبل اللازمة لمواجهته وتبديده.

والقلق هو شعور أو إحساس يصاحب الفرد في أداء أي مهمة أو عمل كتعلّم اللغة العربية لغة ثانية أو أجنبية، يقوده إلى الخوف والتوتر من مآلات هذا العمل ونتائجه. إنه حالة نفسية تحدث أثناء تعلّم اللغة العربية أو التحدث بها، ومن أشهر حالات القلق قلق الاختبارات والامتحانات، وقلق الوقوع في الخطأ، وقلق الحديث أمام الناس، لكننا في هذه المقالة سوف نتحدث عن قلق تعلّم العربية واكتسابها الذي يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع: قلق قبلي أي قلق قبل البدء أو الشروع في تعملّها، وقلق أثناء تعلمها، وقلق بعدي أي بعد تعلّمها. ولكل قلق من هذه الأنواع مسبباته وطرائق علاجه والتغلب عليه.

وينبغي في بادئ الأمر ألا نقلل من شأن هذا الموضوع، حيث اكشتفت في دراسة أجريتها على بعض متعلمي العربية أنّ ما نسبته خمسين بالمئة منهم يعانون من هذا الشعور لكنهم لا يظهرونه أمام الملأ خشية اتهامهم بالضعف والخور، وهو لا شك سوف يؤثر على عملية تعلّمهم للغة العربية، فالقلق كالمرض الذي ينتشر في جسم الإنسان ويضعفه إذا لم يتم تشخصيه وعلاجه. وقد أثبتت دراسات في مجال تعليم اللغات الأجنبية تأثير القلق على نتائج التعلّم والاكتساب، بل قد يؤدي القلق إلى الفشل في اكتساب اللغة العربية وتعلّمها.

ويبقى السؤال هو كيف يمكن أن أقيس مستوى القلق لدى المتعلمين؟ وكيف أستطيع أن أتجاوزه وأبدده؟

أسهل ذلك على الإطلاق ملاحظة سلوك المتعلمين وتصرفاتهم، والحديث معهم، ناهيك عن وجود اختبارات ومقاييس دولية لقياس القلق بأنواعه المختلفة كاختبار جامعة ييل، ومقياس القلق الظاهري، ومقياس القلق كسمة، وكثير منها موجود على الشابكة. وتبقى حكمة المدرس ومهارته الأهم في استشعار هذا الموضوع ومتابعته، ومن أعراضه: الشعور بالخوف، والشعور بالعجز، والشعور بالتعب والضعف والوهن والمرض، وزيادة معدل نبضات القلب، والتعرق، والارتعاش، والاسترجاع أيضاً. ويمكن لمعلمي العربية للناطقين بغيرها بكل سهولة ويسر تطبيق معيارِ قلقِ اللغةِ الأجنبية الصفي (FLCAS، وهو موجود ومتوفر على الشابكة، وبذلك تتعرف عن قرب على كل طلبتك، وتستطيع التعامل معهم في ضوء ما تكتشفه من معايير الاختبار.

ومن المبادئ والإرشادات التي يمكن أن يسلكها المعلم في تبديد مشاعر القلق من تعلم العربية واكتسابها والشعور من الخوف في إنتاجها:

-         أولى خطوات العلاج تشخيص المشكلة ومستوى نسب القلق لدى المتعلمين.

-         مناقشة الموضوع مع المتعلمين بشكل عام، ومن ثم متابعة كل حالة لوحدها، حيث أثبتت الدراسات أن مجابهة القلق أهم وسيلة من وسائل معالجته.

-         ضرورة أن يخبر المعلم دارسيه أن ارتكاب الأخطاء في تعلم العربية شيء طبيعي، بل إنه وسيلة من وسائل تعلمها، وأنه لا يكاد يوجد شخص يتكلم العربية دون أخطاء.

-         عدم تصحيح الأخطاء التي يقع فيها الدارسون أثناء حديثهم طالما لا يوجد تعطل لغوي أو لبس في إيصال الرسالة حتى لا نزعزع الثقة لدى الدارسين ونزيد من نسب التوتر والقلق. وما ينبغي على المعلم عمله هو رصد هذه الأخطاء لمعالجة النمطي منها لاحقاً.

-         الاعتماد على التعليم الثنائي والجماعي، بحيث لا يشعر المتعلم أنه تحت دائرة الضوء، عندئذ يقبل على الحديث باللغة العربية ولا يخشى كثيراً من الوقوع في الأخطاء.

-         تقديم الثناء والشكر والتقدير لكل المتعلمين حتى عندما يقومون بارتكاب بعض الأخطاء، وهذا يقودنا إلى ضرورة خلق صورة إيجابية للتعامل مع أخطاء المتعلمين، فمن الجيد أن يجمع المعلم الأخطاء ويناقشها في نهاية الفصل أو بدايته دون أن يشير إلى مرتكب الخطأ، كما ينبغي ألا يخطّئ أيّ دارس بل يطلب مزيدا من الإجابات التي تقترب من الإجابة الصحيحة.

-         الخلط بين الذكور والإناث في العمل الجماعي حيث تظهر الدراسات أن القلق يكون في حدوده الدنيا لدى الإناث في حين تزيد نسبه لدى الذكور.

-         ينبغي للمدرسين في بعض الأحيان ألا يدرسوا اللغة بل يعتنوا بمساعدة الطلبة. أدرك تماماً حجم المسؤوليات الجسام على عاتق المدرسين، وعليهم من الرقابة والمتابعة ما تنوء به الجبال، ولكن في نفس الوقت هم الأطباء النفسيون لهؤلاء الدارسين وهم الذين يستشعرون متى يكونون جاهزين للتعلم، فينبغي المراوحة بين التدريس وبناء الثقة.

-         ينبغي على الجميع أن يتذكر أن الضغط لا يحقق الفائدة للجميع، لا الضغط على المدرس لإنهاء المنهج، ولا الضغط على المتعلم لإنتاج اللغة. الضغط ينفع في التدريبات العسكرية وليس في الفصول الدراسية. اعمل على دمجهم في النشاطات بحيث ينسون أنفسهم، بهذه الطريقة سوف يطلقون العنان لقدراتهم.

-         الحوافز والجوائز والتشجيع ليست كماليات وترفاً في اكتساب اللغة العربية وتعلمها، إن الابتسامة وضرب الكف بالكف، وحبة شوكلاتة صغيرة يمكن أن يكون لها سحر عجيب في بناء الثقة، وتبديد التوتر. ألسنا نتذكر حتى هذه اللحظة بعض المعلمين والمعلمات من المرحلة الابتدائية الذين كانت لديهم أياد بيضاء في تعلمنا، بابتسامة أو أو أو؟!

-         التعلّم من خلال الألعاب والحركة. الحركة في اكتساب اللغة تبدد القلق والخوف، فاحرص عزيزي المعلم أن تفعل ذلك ولو مرة في اليوم أو اليومين.

-         اتباع طرائق إبداعية في التقييم بعيداً عن كلمة الاختبار والتقييم الكلاسيكي. كتسجيل التقديم في البيت، أو تحضير عمل ما عبر الفيديو، أو عمل سكتش مع زميل آخر، أو إجراء مقابلة أو أو. المهم الخروج من الصندوق.

-         اتباع تقنية الطالب الأستاذ حيث يعمل هذا الأسلوب عن كشف بعض سمات الدارسين، واكتشاف أساليب في كيفية التعامل معهم حين يتحدثون من أنفسهم إلى ذواتهم.

-         ضرورة فتح قناة إيجابية بين المعلم والمتعلم في أوقات الدروس وخارجها.

-         إشراك الدارسين في التخطيط والتحضير واتخاذ القرار في كيفية التقييم مثلاً، اختبار بيتي أم في الفصل، أم القيام بمشروع إلخ.

 مدونات الكاتب