أسس اختيار النّص في تعليم العربية للناطقين بغيرها

الدكتور خالد أبو عمشة

باحث وخبير لغوي/معهد قاصد بالأردن

8/9/2017

يعدّ اشتباك الدارسين مع النصوص العربية جوهر عملية القراءة في اكتساب اللغة العربية،مما يجعل مهمة اختيار النص المناسب مهمة صعبة وشائكة ومسألة فيها تحدٍ كبير لكي يكون مناسباً للمتعلمين. وقبل الخوض في أسس اختيار النص وخصائصه أو أن أعرّج على تبيين ما هو المقصود بالنص؟ إنه ببساطة اي قطعة من الكلام المنطوق أو المكتوب أو المشاهد، كمقالة أو إعلان أو مقطوعة شعرية، أو صفحة على الشابكة، أو رسالة هاتفية نصيّة، أو وصفة طبية إلخ. وتعتمد صعوبة النص وتعقيده على مجموعة من العناصر من أبرزها المفردات المستخدمة، والتراكيب الواردة فيه، والمضمون ومحتواه، وكيفيه عرضه وتقديمه.

   لعل أهم سمة يجب أن يتمتع به النص في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها "الأصلية" وتعني أصلية النص أن يكون قد وضع في مبتدئه لأبناء اللغة لكنه يناسب المستوى المراد تدريسه فيه، كأن نختار إعلان رحلات الطيران، ووقائم الأطعمة والمشروبات في المطاعم، وأوقات الدوام والعمل في العيادات والشركات للمستوى الأول، والبرامج اليومية وإعلانات العمل والإيجار، والهوايات، ووصف الأعمال للمستوى المتوسط، والأخبار التي تبثها القنوات التجارية، والقصص والحكايات التي تجري حول العالم للمستوى المتقدم، والمقالات والتقارير التي تنشرها المجلات والمواقع المتخصصة للمستوى المتميز. فهذا النص يبعث على بناء الثقة لدى المتعلم في أنه قادر على التعامل معه وفهمه على الرغم من أنه قد وضع في الأساس لأبناء اللغة الأم، ويتسم بلغة صادقة في مفرداته وتراكيبه التي يمكن أن يحاكيها وينتج على منوالها. وقد أظهرت غير دراسة تفضيل غير الناطقين بالعربية النصوص الأصلية على النصوص المصنوعة أو المفبركة هذا في المستويات المتوسطة والمتقدمة، فما بالنا بطلبة المستوى الأول، كيف سيكون حالهم حين يعلمون بأنهم يملكون المقدرة على قراءة النصوص الأصيلة وفهمها. إنها بلا شك إضافة نوعية للبرنامج، وفادئة كبيرة للمتعلم، ومتعة حقيقة في التّدريس.

   ومن سمات النصّ الجيد في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها أن يكون مـألوفاً من الناحية اللغوية للدارس بحيث يحتوي على مفردات وتراكيب لغوية مما درسه المتعلّم. فكلما ازاد تعقيد النص ازادت فرص عدم فهمه، وفقدان الرغبة في الاشتباك معه. وهو ما نطلق عليه بأن يكون متحدياً للطالب لا كاسراً له، فنحن نعتقد بأن لكل مستوى نصاً يناسبه. فهناك نصوص تناسب في مفرداتها وتراكيبها ومضمونها المستوى المبتدئ وأخرى المستوى المتوسط وثالثة المستوى المتقدم وأخيراً المستوى المتميز. ومن الضروري أن يحمل النص وظيفة لغوية تنتمي للمستوى الذي اختير لتدريس هذا النص فيه من سرد ووصف ومقارنة أو إعطاء معلومات أو ترجيح رأي على آخر أو دحض فكرة أو تقديم حجة إلخ.

   وأن يكون النص مثيراً للاهتمام، وغنياً معرفياً، ومحفزاً على التساؤلات، وفيه جاذبية، وباعثاً على الإقبال عليه، والاشتباك معه بما يتضمنه من أفكار جديدة أو أن يكون فيه غرابة أو معلومات جديدة يرغب المتعلم في الاطلاع عليها، قابلاً للمناقشة والحوار حوله.

   ومن السمات التي قد تضفي على النص جمالاً، ورغبة من قبل الدارسين عليه أن يكون لكاتب معروف من كتّاب العربية القدماء والمحدثين كابن خلدون وطه حسين ونجيب محفوظ ومن بينهما، الأمر الذي سيرفع من ثقة الدارسين في أنفسهم حيث يدرسون نصوصاً لأعظم كتّاب العربية يناقشون أفكارها، يقبَلون بعضها، ويرفضون بعضها الأخر. لن أنسى يوماً ردة فعل طلبتي حين في المستوى المتوسط حين درستهم نصاً حول برنامج الملك حسين اليومي مأخوذ من كتابه "مهنتي كملك" حين علموا مصدره ومَن كتبه، لقد أخذوا ودهشوا وسُروا أيما سرور  بسبب مقدرتهم على فهم أفصح الملوك في زمنه لغةً.

ومن الخصائص التي يجب أن يراعيها معلم العربية للناطقين بغيرها في نصّه أن يكون موضوعه متناسباً مع الفئة العمرية للدارسين، فليس من الحكمة أن نقدم نصوصاً موجهة نحو أهمية شرب الحليب، وتنظيف الأسنان، لمن هم من الراشدين، أو كيف يحافظ العجوز على صحته من أمراض السكري والقلب، فالأولى موضوعات تناسب الأطفال من متعلمي العربية للناطقين بغيرها والثانية تناسب كبار السن، وليس مَن هم في مقتبل العمر، وريعان الشباب.

   ومن السّمات الإيجابية للنص أن يكون غنياً بمحمولات ثقافية من عادات وتقاليد ومناسبات وأعياد وتاريخ وجغرافيا، وحضارة وسيرة إلخ.

   ومن السمات التي تجعل النص ممتعاً للناطقين بغير العربية أن يكون مناسباً من حيث الطول والقصر بناء على المستوى حتى لو كان مضمونه مناسباً، فلا بد من الاعتدال في الطول والقصر ومستوى اللغة والتراكيب والمستوى اللغوي الذي ينتمي إليه النص. فنصوص المستوى الأول في الأعم الأغلب لا ينبغي أن تزيد على نصف صفحة إلى ثليها صعوداً من بداية الفصل إلى نهايته، ونصوص المستوى المتوسط ينبغي ألا تزيد عن صفحة إلى صفحة ونصف في حال كانت مفردات النص وتراكيبه مألوفة إلى حدٍ بعيد، أمّا نصوص المستوى المتقدم فهي غالباً ما تكون بين صفحة إلى ثلاث معتمدة على صعوبة النص وتعقيده. ويبقى القول بأن مسألة الطول والقصر مسألة نسبية تعتمد على عوامل كثيرة، ومن المهم أن ننظر لكل نص على حدة من حيث مفرداته وتراكيبه ومضمونه وطوله. أما نصوص المستوى المتميز فقد تتراوح ما بين ثلاث صفحات إلى مقالات موسعة وفصول كاملة من كتب ودراسات وروايات.