الشعر الحر.. ثورة إبداع أم مطية عجز؟

Langue générale | Compétence
  • إظهار التشكيل
في فترة من النصف الأول من القرن العشرين انتشر وباء الكوليرا في مصر فقتل من أهلها من قتل، وشاع الخبر في الوطن العربي وحزن العرب على أهل مصر.

وذات مساء تدخل فتاة على عائلتها وتقول لديّ قصيدة جديدة وتبدأ تلقي قصيدتها:

الكوليرا

في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ

في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ

استيقظَ داءُ الكوليرا

حقْدًا يتدفّقُ موْتورا

هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ

يصرخُ مضطربًا مجنونا

لا يسمَعُ صوتَ الباكينا

في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ

في كوخ الفلاّحة في البيتْ

لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ 

وحين تنتهي الفتاة من قصيدتها، تجيبها أختها إحسان قائلة: "إن عشاق الشعر الأوروبي سيفهمونها ولا شك".  

أما أبوها "أبو نزار" فيقول: "ما هذا الشعر الجنوني؟ إنه هذيان، أين الوزن؟ أين القافية؟ ما معنى: الموت الموت الموت؟!".

وأما أمها الشاعرة "أم نزار" فتقول: "لقد قرأت القصيدة اليوم إنها أشبه بالشعر المنثور مع أنها لا تخلو من وزن غريب".

ثم يقول أبوها: من سيقرأ هذا؟ّ! أنا والعراقيون الذين اعتادوا رصانة المتنبي وجزالة البحتري؟ إنك لن تستطيعي الخروج على الذوق العربي".

أما كاتبة القصيدة، الشاعرة نازك الملائكة التي ستصبح فيما بعد أول شاعرة تنظم الشعر العربي الحديث فتقول: "لقد قلت لكم إن الجمهور سيضحك مني ولكني مع ذلك واثقة أن هذه القصيدة ستكون بداية عصر جديد في الشعر العربي".

ومن العراق موطن الأصالة والعراقة امتد هذا الشكل الجديد للشعر العربي ليغمر الوطن العربي كله، فما هذا الشعر الجديد وكيف نشأ ولماذا ظهر؟

الشعر الحر أم الحديث؟

يذهب الناقد العراقي عبد الهادي محبوبة إلى أن الشعر العربي لم يكن يوما شعرا ساكنا متحجرا؛ "فلم يمر على الشعر الجاهلي قرن واحد حتى دخلته أغراض جديدة بظهور الإسلام.. ولم تمر مائة عام أخرى حتى بدأ عهد جديد سماه النقاد عصر الشعراء المحدثين؛ بسبب ما دخل على الشعر من اتجاهات جديدة في الصياغة وأساليب التعبير.

كما كانت هناك محاولات تجديد في العروض بدأ بها أبو العتاهية فنظم بأوزان لم تعرف قبله.. وحاول هو وآخرون الخروج على قاعدة القافية الموحدة.

بعد ذلك ظهر شعراء الموشحات في الأندلس، فنوّعوا الأوزان والقوافي في القصيدة الواحدة وكان لها أثرها في كل حركة تجديد جاءت بعدها".

 

حرية التفعيلة

حين وضع الخليل بن أحمد (المتوفى 175هـ) قواعد العروض العربي القديم، فإنه استقرأها من الشعر العربي المسموع، فحصر الأوزان المعروفة جميعا ووضع لها مقاييس عامة وشاملة سماها البحور، ثم تناول التغييرات التي تعتري تلك البحور، واستخلص لها قوانين تلبي حاجة الشعر والنقد في زمانه.

لكن بعد ظهور حركة الشعر الحر متوّجة تاريخ التطور في موسيقى الشعر العربي، ارتأت الشاعرة نازك الملائكة أن تصنف أشكال الشعر العربي، لتوضح مكان الشعر الحر، فقسمت نازك الشعر العربي إلى ثلاثة أقسام:

أولا: أسلوب البيت أو الشطرين، ومنه أكثر الشعر العربي، وفيه يحافظ الشاعر على نمط الأشطر عبر القصيدة كلها.

ثانيا: أسلوب الشطر الواحد، وهو شعر يتألف كل شطر فيه من تفعيلات ثابتة العدد عبر القصيدة كلها ويكون له ضرب واحد لا يتغير؛ ومنه ما يسمى في الأدب العربي الأرجوزة.

ثالثا: أسلوب الشعر الحر، وهو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت وإنما يصح أن يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر.. ويكون هذا التغير وفق قانون عروضي متقن.

 هكذا توضح نازك أن أساس الوزن في الشعر الحر هو وحدة التفعيلة مع الحرية في تنويع عدد التفعيلات في الشطر.

ثورة اجتماعية بدءًا من الشطر الشعري

يذهب كثير من النقاد إلى أن ظهور الشعر الحديث أو شعر التفعيلة وانتشاره في كل ربوع العالم العربي يرجع لعدة أسباب منها:

أولا: النزوع إلى الواقع: حيث تتيح الأوزان الحرة للفرد العربي المعاصر أن يهرب من الأجواء الرومانتيكية إلى عالم الواقع الحقيقي. فتسارع العالم الحديث لا يبقي للشاعر رفاهية وضع القيود الشعرية الخاصة بوحدة القافية.

ثانيا: الحنين إلى الاستقلال: أراد الشاعر العربي أن يثبت فردانيته بخلق سبيل شعري معاصر يتميز به عن شخصية الشاعر القديم.

ثالثا: إيثار المضمون: تناول موضوعات حديثة ومعاصرة لم يتناولها الشعر من قبل تعبر عن واقع جديد تماما يواجهه الإنسان العربي، والابتعاد عن الاهتمام بشكل القصيدة كما في الشعر التقليدي.

 غواية الحرية

كان ظهور الشعر الحر في الساحة العربية حدثا قد أدخل جموعا من الشعراء الجدد ساحة الشعر، حتى إن الشاعرة نازك الملائكة صاحبة أول قصيدة بهذا الشكل كتبت في سنة 1954 في مجلة الأديب قائلة "إن حركة الشعر الحر ستتقدم في السنين القادمة حتى تبلغ نهايتها المبتذلة، فهي اليوم في اتساع سريع وصاعق، ولا أحد مسؤول عن أن شعراء قليلي المواهب، ضعيفي الثقافة سيكتبون شعرا غثا بهذه الأوزان الحرة".

وبالفعل بعد سنوات دخل شعراء قليلو الخبرة والثقافة، ونتج عن ذلك شعر مبتذل ورخو، وهكذا تحققت نبوءة نازك الملائكة بأن "الشعر الحر سيصل لنقطة الجزر في السنين القادمة"، وهي النبوءة نفسها التي قدمها الشاعر أمل دنقل حين قال "إذا أردت أن أحدثك عن المستقبل القادم فأنا أعتقد أنه سيكون فترة ضياع.. بمعنى أنه مستقبل أمة فقدت حلمها، بغزو ثقافي وفكري وتبنّ لمنجزات المدنية الغربية".

قواعدGrammaire

إعراب الجمل
 
تقع الجملة أحيانا موقع اسم مفرد من جملة أخرى فتؤدي وظيفته النحوية وتأخذ محله الإعرابي فتعرب مثلا خبرا أو حالا أو نعتا أو فاعلا أو مفعولا...
ومن أمثلة ذلك في هذا المقال:
- الجملة الواقعة خبرا للمبتدأ مثل: فتسارع العالم الحديث (لا يبقي للشاعر رفاهية).
- الجملة الواقعة خبرا لأحد النواسخ مثل: إن حركة الشعر الحر (ستتقدم في السنين القادمة). 
- الجملة الواقعة فاعلا مثل: يَصِحُّ (أن يتغيّر عدد التفعيلات).
- الجملة الواقعة مفعولا بها مثل: أما أبوها فيقول: (ما هذا الشعر الجنوني؟).
- الجملة الواقعة حالا مثل: هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاء (يَصْرُخُ).
- الجملة الواقعة نعتا مثل: أعتقد أنه سيكون فترة ضياع.. بمعنى أنه مستقبل أمة (فقدت حلمها).
- الجملة الواقعة مضافا إليها مثل: في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ (المَوْتُ دَواء).