بَيْن اللّفْظ والمعنَى

Genel Arapça | Üst-ileri
قال أبو عثمان عَمرو بن بحر الجاحظ:
شرُّ البُلَغاء من هيَّأ رَسْم اللفظ قبل أن يهيِّئ المعنى، عِشْقًا لذلك اللفظ، وشغَفًا بذلك الاسم، حتى صار يجرُّ إليه المعنى جرًّا، ويُلْزِقُه به إلزاقًا.

والآفة الكبرى أن يكون رديءَ الطبع بطيءَ اللفظ، كليلَ الحد، شديدَ العُجْب، ويكونَ مع ذلك حريصًا على أن يُعَدّ في البلغاء، شديدَ الكَلَف بانتحال اسم الأُدباء.

وبالجملة فإن لكل معنًى شريفٍ أو وضيعٍ، هَزْلٍ أو جدٍّ، وحَزْمٍ أو إضاعةٍ، ضربا من اللفظ هو حقُّه وحظُّه، ونصيبه الذي لا ينبغي أن يجاوزَه أو يَقْصُر دونه.

ومن قرأ كتب البلغاء وتصفَّح دواوين الحكماء، ليستفيدَ المعانيَ، فهو على سبيل صواب. ومن نظر فيها ليستفيدَ الألفاظَ فهو على سبيل الخطأ. والخُسرانُ هاهنا في وزن الربح هناك؛ لأن من كانت غايتُه انتزاعَ الألفاظ حمله الحرصُ عليها والاستهتارُ بها إلى أن يستعملها قبل وقتها، ويضعَها في غير مكانها.

وإنما هي رياضة وسياسة، والرفيق مُصلِح والآخر (العنيف المُسْتكْرِه) مُفسُد. ولا بدَّ من هِدانٍ وطبيعة مناسبة.

وسماع الألفاظ ضار ونافع؛ فالوجه النافع أن تدور في مسامعه، وتَغِبَّ في قلبه، وتخْتَمِرَ في صدره، فإذا طال مُكْثُها تزاوجت ثم تلاقحت فكانت نتيجتُها أكرمَ نتيجةٍ، وثمرتُها أطيبَ ثمَرةٍ؛ لأنها حينئذ تخرج غير مُسْتَرَقَةٍ ولا مُخْتلَسَةٍ ولا مُغْتَصَبَةٍ، ولا دالَّةٍ على فَقْر.

ومتى اتّكل صاحب البلاغة على الهُوَيْنَى والوِكال، وعلى السرقة والاحتيال، لم ينل طائلا، وشقّ عليه النزوعُ، واستولى عليه الهَوانُ، واستهلكه سوءُ العادة.

والوجه الضار أن يتحَفَّظ ألفاظًا بعينها من كتاب بعينه، أو من لفظ رجل، ثم يريد أن يعد لتلك الألفاظ قسمَها من المعاني، فهذا لا يكون إلا بخيلا فقيرا، وحائِفًا سَرُوقًا، ولا يكون إلا مُسْتَكْرِهًا لألفاظه، متكلِّفًا لمعانيه، مُضْطَربَ التأليف مُنْقَطِعَ النظام. فإذا مرّ كلامه بنقّاد الألفاظ وجَهابِذَة المعاني استخفُّوا عقلَه، وبَهْرَجُوا علمه.

ثم اعلم أن الاستكراه في كل شيء سَمْجٌ، وحيث ما وقع فهو مذموم، وهو في الطُّرَف أسْمَجُ، وفي البلاغة أقْبَحُ. 

المصدر
رسائل الجاحظ بتحقيق عبد السلام هارون.

ج 3 ص: 40-42 (بتصرف).

 
 
 
 

قواعدDilbilgisi

المصدر

* المصدر اسم يدُلّ على الحدث مجردًا عن الزمن، ومن أمثلته في هذا النص: والخُسران هاهنا في وَزْن الرِّبْح هناك؛ لأن من كانت غايتُه انْتِزاعَ الألفاظ حمله الحِرْصُ عليها، والاسْتِهْتار بها إلى أن يستعملها قبل وقتها.

المشتقات
الاشتقاق من الظواهر البارزة في اللغة العربية، والمشتقات أسماء تؤخذ من الكلمات الأصلية (المصادر/ الأفعال) للدلالة على معنى فرعي.
ومن المشتقات الواردة في هذا النص:
اسم الفاعل
وهو صيغة تدل على من قام بالفعل أو اتصف به على وجه الحدوث والتجدد، ويؤخذ من الثلاثي على وزن "فاعِل" مثل: كاتب، عالم، ومن غير الثلاثي على وزن الفعل المضارع مع إبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وكسر ما قبل آخره: مثل: مُصْلِح، مُفْسِد، وكما جاء في النص: (ولا يكون إلا مُستكرِها لألفاظه، مُتكلِّفا لمعانيه، مُضطرِبَ التأليف منقطِعَ النظام).
اسم المفعول
وهو صيغة تدل على من وقع عليه الفعل، ويؤخذ من الثلاثي على وزن "مفعول" مثل: مكتوب، مقروء، ومن غير الثلاثي على وزن الفعل المضارع مع إبدال حرف المضارعة ميما مضمومة وفتح ما قبل آخره، مثلما جاء في النص: (لأنها حينئذ تخرج غيرَ مُسْتَرَقَةٍ ولا مُخْتلَسةٍ ولا مُغْتصَبةٍ).
الصفة المشبَّهة باسم الفاعل
وتصاغ من الأَفعال اللازمة للدلالة على من اتصف بالفعل على وجه الثبوت والدوام، مثل: شريف ووضيع. والغالب على صيغها السماع.
أما معمولها فقد يرفع على الفاعلية: (شديدٌ عُجْبُه بنفسه)، وقد ينصب تمييزا: (كُتُبُ الجاحظِ حَسنةٌ نظْمًا وسبْكًا).

لكنَّ الغالب على معمولها أن يجرّ بالإضافة: (والآفة الكبرى أن يكون رديءَ الطبعِ بطيءَ اللفظِ، كليلَ الحدِ، شديدَ العُجْبِ).

اسم التفضيل
وهو صفة تستعمل للمفاضلة والمقارنة، وتؤخذ على وزن "أفعل" مثل: أكرم، أطيب، (فكانت نتيجتُها أكرمَ نتيجةٍ، وثمرتُها أطيبَ ثمرةٍ).