المصالحة الفلسطينية بين التفاؤل والإحباط

Medya Dili | Üst-ileri
(1)

في كل مرة تلتقي فيها فتح وحماس تنطلق التصريحات السياسية المتنوعة من مسؤولين في الحركتين بشأن النوايا الصافية، وجدية الموقف والإصرار على إنهاء الانقسام الفلسطيني، ومع هذه التصريحات ينبري إعلام الحركتين - ومعه إعلام عربي- لبث برامج عن المصالحة الفلسطينية المنتظرة والآفاق الفلسطينية الجديدة التي ستنبلج. كان السياسيون والإعلاميون يصنعون أجواء عالية التوقعات ممنية الشعب الفلسطيني بالخير القادم واللُّحمة الوطنية الصادقة. كان منسوب التفاؤل يرتفع بصورة حادّة، وكنت تجد الشارع الفلسطيني مبتسما فرحا بذلك الذي سيحصل قبل حصوله، لكن الأمور لم تكن تجري وفق المعطيات الإعلامية ولا وفق التصريحات السياسية المتفائلة والواعدة؛ فبعد شهر أو شهرين من إعلان اتفاق المصالحة تنقلب الأمور ولا يجد الشعب الفلسطيني طحينًا.

(2)

 هذه سيرة خطيرة على الشعب الفلسطيني؛ فليس من السهل أن ترفع درجة التفاؤل عند الناس ثم تلقي بهم الأرض محبطين بصورة مريعة. هذا عمل يؤدي إلى تطور أزمات نفسية وإلى انخفاض في المعنويات، وإلى مزيد من المناكفات بين الناس أنفسهم، ومزيد من الانقسامات التي تنتهي إلى تفسخ اجتماعي وكفر بالوطن والوطنية.

(3)

يدور الآن حوار بين فتح وحماس في القاهرة بعد أن كان قد بدأ في قطاع غزة.  ولم يُدل أحد بتصريحات حول ما تم الاتفاق عليه أو حول نقاط الخلاف. وكل ما تم نقله -عبر وسائل الإعلام- يتلخص في تبادل عبارات المجاملة بين الطرفين والتعبير عن العواطف الجياشة. إن أهم ما في هذه المحاولة الجديدة أنها برزت على السطح فجأة، وتم الترتيب لدخول حكومة رام الله إلى غزة على عجل، وقد تم تبرير هذه السرعة في إنجاز العبور إلى غزة بناء على أن الولايات المتحدة قد أعطت الضوء الأخضر لرئيس السلطة الفلسطينية (غير الشرعي) للتصالح مع حماس، وأن الكيان الصهيوني قد أغمض عينيه ومنح وفد الضفة الغربية تسهيلات لدخول الأرض المحتلة عام 1948 والعبور إلى غزة.

(4)

وهذا بالتحديد ما أثار الكثير من التساؤلات حول هذه المحاولة وما إن كان هناك شيء يطبخ لغزة؟ إذ كيف للولايات المتحدة أن تعطي ضوءًا أخضر، وللكيان الصهيوني أن يغمض عينيه في حين لا تزال غزة تمتلك سلاحا بهدف مقاومة الاحتلال الصهيوني؟ ومن المعروف أن الحصار مضروب على غزة بسبب وجود مقاومة فلسطينية، ولو لم تكن هناك بندقية فلسطينية في غزة تستعد لمواجهة الاحتلال ومقاومته لما ضرب العرب والغرب والصهاينة حصارا عليها، ولما ضيقوا على الناس حياتهم ومعيشتهم.

(5)

لم تكن الولايات المتحدة ولا الكيان الصهيوني متحمسين سابقا للقاءات حماس وفتح، بل كانا سريعَي التعليق سلبًا على الحوارات التي كانت تتم. اختلفت الأمور هذه المرة، فما الذي حصل ولماذا؟ هناك عدة أسباب أذكر أهمها:

أولا: يشعر الكيان الصهيوني بضيق شديد نظرا لتطورات الأوضاع في الوطن العربي وخاصة في العراق وسوريا. الصهاينة والأميركيون يشعرون بأنهم هزموا في معركة تغيير وجه المنطقة وفق ما يرغبون فيه، بل إن ما حصل يشير إلى هزيمة مشاريع التفتيت الجديدة، ومشاريع احتضان الكيان ليصبح جزءا لا يتجزأ من المنطقة. والاحتمال كبير في بلورة محاور عسكرية ضد الكيان مما يضعه في خطر وجودي.. وحيث إن غزة يمكن أن تشكل جبهة أخرى في مواجهة الكيان فيما إذا نشبت حرب، فإنه من الأفضل احتواؤها ونزع سلاحها أو تحييدها على الأقل.

ثانيا: هناك نشاطات تقارُب بين حماس ومجمل المقاومة الفلسطينية الغزية من جهة، وإيران وحزب الله من جهة أخرى. محور إيران يكتسب قوة واضحة من حيث الإنجازات التي تم تحقيقها في العراق وسوريا، وبسبب التقارب مع كل من روسيا وتركيا.  هذا المحور يشكّل إغراء كبيرا للفلسطينيين، ولا مفر أمام حماس إلا أن تبحث لنفسها عن مخرج من خلاله، علما بأن هذا المحور هو الذي يملك الشجاعة الكافية لتمويل الحركة ومدّها بالسلاح والإشراف على تدريب العناصر، وتقديم المعلومات العلمية والتقنية اللازمة لتطوير الأسلحة في غزة.

 (6)

تقول حماس إن موضوع السلاح لم يتم فتحه حتى الآن على طاولة الحوار، فإذا كانت المقاومة ستحتفظ بالسلاح فإننا نتوقع ردًّا صهيونيا وأميركيا.

إن الحصار ضُرب أصلا على غزة بسبب وجود سلاح المقاومة، وإذا بقي سلاح المقاومة فإن الحصار سيبقى ولن تتمكن السلطة الفلسطينية من اتخاذ إجراءات للتخفيف، بسبب ما يمكن أن تتعرض له من إجراءات عقابية أميركية وصهيونية.

(7)

من المحتمل أن يقدّم المعنيون بالأمر بعض الإغراءات للناس في قطاع غزة فيخففوا – مؤقتا- الحصار، ومن الوارد أن يبدأ الضغط على حماس للتخلي عن السلاح بعد أن يشعر الناس في القطاع بنعيم التخفيف. ومن المتوقع أن يتصاعد ضغط الشارع الغزي على المقاومة إن شعر بالاسترخاء والنعيم، لما في عودة الحصار المطبق من آلام ثقيلة.  ليس من السهل على من استرخى بعد توتر شديد أن يعود إلى ذاك التوتر المؤلم. وإذا تحرك الناس ضد سلاح المقاومة فإن الشارع الفلسطيني سيشهد أحزانا جديدة ومؤلمة. والأمر في النهاية معقود على قدرة حماس التكتيكية من الناحية السياسية، فهل لديها القدرة والحذاقة السياسية الكافية للالتفاف على أيّ طبخة سياسية يتم تحضيرها الآن ضد قطاع غزة؟

قواعدDilbilgisi

منصوبات الأسماء

النصب من أكثر حالات الإعراب شيوعا في اللغة العربية، ولذلك جاءت أبواب المنصوبات أكثر من غيرها في كتب النحو العربي.

ومن أبرز المنصوبات التي وردت في هذا المقال:

المفعول به (ووظيفته في الجملة الدلالة على من وقع عليه الفعل) مثل: كان السياسيون والإعلاميون يصنعون أجواءً عالية التوقعات

المفعول لأجله (ووظيفته في الجملة بيان سبب وقوع الفعل) مثل: تم تبرير هذه السرعة في إنجاز العبور إلى غزة بناءً على أن الولايات المتحدة قد أعطت الضوء الأخضر.

الحال (ووظيفته في الجملة بيان هيئة وقوع الفعل) مثل: ليس من السهل أن ترفع درجة التفاؤل عند الناس ثم تلقي بهم الأرض محبطين

الظرف (ووظيفته في الجملة بيان الزمان أو المكان) مثل: يدور الآن حوار بين فتح وحماس.