إستراتجية منطقة التنمية القريبة وتوظيفها في تعليم اللغة

الدكتور خالد أبو عمشة

باحث وخبير لغوي/معهد قاصد بالأردن

تعرف إستراتجية منطقة (التطور/ التنمية) القريبة (ZPD) التي جاء بها فيجوتسكي في سني حياته الثلاث الأخيرة بالفرق بين ما يمكن للمتعلم أن يفعله دون مساعدة وما يمكن أن يحققه مع التوجيه والتشجيع من شريك ماهر. وهكذا يشير المصطلح "القريب" إلى تلك المهارات التي يكون المتعلم "قريبًا" من إتقانها. وقد عرفها فيجوتسكي نفسه بـقوله: هي "المسافة بين المستوى التنموي الفعلي كما هو محدد بواسطة حل المشكلات المستقل ومستوى التطور المحتمل كما هو محدد من خلال حل المشكلات بتوجيه من البالغين، أو بالتعاون مع أقران أكثر قدرة". ويمكن تعريفها بطريقة إجرائية بأنها "الفجوة بين ما اكتسبه متعلم اللغة وتعلمه وما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه بقليل من الدعم والمساعدة".

ويعتقد علماء اللغة النفسيون بأنه عندما يكون الطالب في منطقة التنمية القريبة لمهمة لغوية معينة، فإن توفير المساعدة المناسبة له سيمنحه ما يكفي من "دفعه" لإنجاز المهمة. ومن الباحثين التطبيقيين في مجال تعليم اللغات الأجنبية من يجعل هذه الإستراتيجية رديفة لإستراتيجية (السقالات) أو الدعائم التعليمية، ومن واقع الممارسة والتنظير أرى أن بينهما تقاطعا واختلافا. ولعل أبسط مبادئ هذا الاختلاف أن السقالات كما سيبينه البحث المشار إليه يجب أن تكون المساعدة فيها بأدوات مادية، في حين أن منطقة (التطور/ التنمية) القريبة قد تكون بأدوات مادية أو مساعدات معنوية مثل كلمة أو إشارة أو حركة.

ومن أجل مساعدة المتعلم على تفعيل هذه الإستراتيجية، يشير اللغويون التطبيقيون إلى ضرورة توفر ما يلي:

- وجود شخص (في الفصل) لديه معرفة ومهارات تتجاوز المتعلم (شخص آخر أكثر دراية منه).

- توفير التفاعلات الاجتماعية مع معلم ماهر يتيح للمتعلم ملاحظة مهاراته وممارستها.

- معرفة معلم اللغة بمفهوم الدعائم التعليمية (السقالات) التي يقدمها المعلم، أو نظير أكثر كفاءة، لدعم الطالب أثناء قيادته عبر منطقة التطور القريبة.

- إدارك المعلم لمفاهيم اكتساب اللغة ومراحلها وإستراتيجياتها.

وهذا يقودنا إلى مسألة ملحة جدًّا ربما يجهلها كثير من مدرسي اللغات الأجنبية الذين يحرصون على إبعاد أيّ طالب بينه وبين زميله في فصله فروق لغوية، الأمر الذي يحرمهم من فرص عظيمة في تطوير طلبتهم لعدم توفر التفاعلات الاجتماعية اللغوية الضرورية التي يحتاج إليها المتعلمون من أجل تنمية مهاراتهم اللغوية خاصة أن المعلم نفسه لا يستطيع توفير هذه الفرصة للمتعلمين جميعهم بمستوياتهم المختلفة. وعليه فإن هذه الإستراتيجية توفر للمعلمين الفطنين رؤية عملية في كيفية التعامل مع الفروق الفردية في المهارات اللغوية في الفصول الدراسية.

وهذا يعني أن عملية اكتساب اللغة وتعلمها يمر بمرحلتين: الأولى أن بمقدور المتعلمين تحقيق قدر معين من التعلم والاكتساب الذي يحدث تلقائيا عندما ينضج الأشخاص، كما يقول جان بياجيه. والثانية هي تلك التي يرى فيها فيجوتسكي أنه من أجل المضي قدما في التعلم والاكستاب اللغوي يجب على المتعلمين الانخراط في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين الأكثر دراية/ الأعلى مستوى. فهؤلاء في الفصول الدراسية كالآباء وأولياء الأمور والمدرسين الذين يعرّفون الأطفال على أدوات ومهارات ثقافتهم، في اللغة والكتابة والرياضيات والعلوم وغيرها.

ومن جماليات هذه الإستراتيجية ودقتها في الوقت ذاته الموازنة في تقديم ما يحتاجه المتعلم فعلاً، إذ قد يكون توفير الدعم الزائد مثل عدم توفير الدعم إطلاقاً، فأحياناً كل ما يحتاجه المتعلم قد يكون كلمة، أو أداة واحدة أو اثنتين أو أكثر، ولكن توفير كل شيء للمتعلم يكون ضارًّا به وليس نافعاً له كما هو حال سقاية النبتة التي قد يكون الماء الموفر لها سببا في حياتها أو سببا في إزهاق روحها وموتها.

وبإسقاط ذلك المثال على واقعنا التعليمي، نقول: قد يحتاج أحد الطلاب فقط تفسير منطوق ما هو مبهمٍ في رأس سؤال ما من أسئلة أحد الاختبارات داخل الفصل، فإذا بالمعلم يقرأ السؤال كاملًا، ثم يشرع في توضيح المطلوب مشفوعًا بالتنويه على طريقة الإجابة وخطوات الحل!!

وكما نرى هنا فقد قدم المعلم للطالب دعمًا زائدًا على حاجته، وحال بينه بدعمه الوافر وبين إعمال عقله للبحث عن الإجابة، فضلًا عن عدم مراعاته للفروق الفردية بين الطلاب!!

ويذكرنا هذا بمجال الرياضات وخاصة رافعي الأثقال الذين يرفعون أوزاناً هائلة، فقد يكون في وقت ما كل ما يحتاجه رافع الأثقال من مدربه أن يضع أصبعه على القضيب الذي يحمل طرفي الأثقال مما يمنح المتعلم المقدرة على رفعها بعد أن كاد يفشل فيها!!

وعليه، فيمكن القول بأن منطقة التنمية القريبة هي مفهوم مفيد للمعلمين، للتأكد من أن الطلاب يتعلمون في منطقة التطور القريبة الخاصة بهم، كما يجب على المعلمين توفير فرص جديدة للطلاب للعمل قليلاً فوق مهاراتهم الحالية وتقديم الدعم المستمر لهم  في ضوء الاعتقاد بأن الطلبة ليسوا متساوين أو أن تعلمهم لا يجري بنفس الطريقة والأسلوب.

ومن تطبيقات منطقة التنمية القريبة في فصول اللغة:

- تحويل نص القراءة من نص مقروء إلى نص مسموع.

- تقديم صور تدل على المفردات بدلاً من تقديم المفردات نفسها.

- العمل الثنائي والجماعي من أفضل بيئات تحقيق التعلم وفق منطقة التنمية القريبة.

- تقسيم المهمة إلى أجزاء.

- إعادة تقديم التوجيهات بطريقة مختلفة او بلغة أسهل.

- توفير معلومات لغوية جانبية مختلفة بحسب كل شخص كقاموس أو كلمات بمعانيها أو معلومة سابقة أو تذكير بشيء سابق إلخ.

- تقديم نماذج لما ينبغي القيام به بالشكل المناسب: صورة فيديو أنموذج إلخ.

تقليل ما قد يسبب اليأس أو الفشل.

 

مدونات أخرى للكاتب