القواعد بمناهج غير الناطقين بالعربية.. إشكالات ومقاربات

 

لا تخلو مناهج تدريس قواعد اللغة العربية من إشكاليات للناطقين بها، والأمر نفسه بالنسبة إلى مناهج غير الناطقين بالعربية، فإنّها تواجه بعض الإشكالات المختلفة والمتنوعة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الإشكالات والصعوبات لا علاقة لها بجوهر اللغة العربية، وإنّما الأمر مردّه إلى عنصر التعليم؛ حيث إنّ المشكلة لا تكمن في اللغة ذاتها وإنما في طرائق تعلم العربية، فمناهج غير الناطقين بالعربية خاصة في مجال تعليم القواعد ما زالت تحتاج للعديد من المعايير التي تؤهلها لأن تقوم بوظيفتها في تعليم القواعد. وذلك لأن معظم الدارسين من غير الناطقين بالعربية يتعلمون العربية في المدارس بهدف القدرة على التواصل مع أبناء المجتمعات العربية، أو لأغراض الدراسة أو العمل، أو لدراسة الدين الإسلامي، وتعاني المناهج التي توضع لهم –إن وُجدت- العديد من الصعوبات، أبرزها عدم الترابط المنطقي بين مناهج اللغة التي يتم تدريسها في مختلف المستويات، وبين القواعد من جهة وبقية مهارات العربية من جهة أخرى؛ بحيث تدرس كل مهارة منفصلة عن الأخرى، مع أن الأفضل هو دمج تلك المهارات والتفاعل فيما بينها حيث يتم فيها تعليم القواعد من خلال التطبيق، وليس مجرد حفظ هذه القواعد، ثم دراسة الموضوعات والمهارات اللغوية الأخرى في أوقات مختلفة. وقد بينت بعض الدراسات الحديثة أن ّمناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها المعتمدة على الأساليب التقليدية في تدريس العربية أثبتت فشلها[1].

والإشكالية الأخرى متعلقة بوجود فاصل كبير بين مستويات الطلبة، وبين المناهج المعدّة لتعليمهم القواعد؛ حيث إنّه لا يوجد إلى الآن معيار واضح أو اختبارات تحديد مستوى علمية محكّمة صادرة عن خبراء ومختصين على غرار اللغة الإنجليزية؛ لمعرفة المستويات الحقيقية للطلبة[2]. فكثير من الطلبة الملتحقين بدارسة العربية في برنامج تعليم العربية للناطقين بغيرها لا يتم تقسيمهم التقسيم الصحيح؛ وذلك نظرا لعدم وجود اختبارات تحديد مستوى دقيقة ومعدّة سلفا لتحديد مستويات الطلبة الدارسين للعربية بوصفها لغة ثانية[3] عدا ما تقوم به بعض المعايير اللغوية من تقسيم الطلبة بناء على إنتاجهم اللغوي في المهارات الأربع كمعايير " ACTFEL" و" SFER" و" ILR".

ومن ثم تواجهنا مشكلة مرحلة تنفيذ المنهج وهي مرحلة في غاية الدقّة؛ فالمنهج بمنزلة خطّ السير ولا غنى عنه للمعلم، وفي نفس الوقت لا يستطيع الاقتصار عليه وحده؛ إذ إنّ المعلم يجب أن يوازن أثناء تدريس المنهج بين الأخذ من الكتاب وتبسيط المأخوذ، ومن هنا نلمح أنّ الأستاذ بنفسه قد يكون أحد تلك العقبات المؤثرة في تنفيذ المنهج، فلا بد للمعلم من أن يسدّ نقص المنهج -إن كان ناقصا أو قاصرا-  بما يمتلكه من قدرات وتأهيل؛ حيث إنّ مناهج القواعد صُمّمت في أغلبها لتركز على ما هو مهم، أو ما هو وظيفي من حيث الاستعمال اللغوي، أو من خلال التعاملات اليومية متجاهلة ميول واحتياجات الطلبة وخبراتهم التعليمية وقدراتهم اللغوية، والفروق الفردية بينهم[4].

ومما يجب وضعه في الاعتبار أنّ المنهج المعدّ لغير الناطقين بالعربية يتكون من مجموعة من القواعد الصامتة والمعقدة، التي تحتاج إلى من يبسّطها ويقدمها سهلة يسيرة للدارس، وهي لا تقتصر على القواعد فحسب بل تشمل المواد الداعمة للتعلم مثل: الدلالة والمعجم أو ما يعرف بالمفردات والتمارين الكتابية، والأنشطة المسموعة، والنصوص القرائية و كلها تحتاج إلى أستاذ متمكّن قادرٍ على الشرح والتوضيح والتسهيل، كما يجب أن يختلف إخراج وشكل وأهداف المنهج المعدّ للطلبة غير الناطقين بالعربية عن ما في المنهج المعدّ للناطقين الأصليين، ومراعاة الفروق الأساسية بين نوعي الطلبة الدارسين للغة[5].

ومن تلك الإشكالات قلة مراعاة الأسس العلمية والموضوعية المتعلقة بسيكولوجية المتعلمين وأهدافهم وتنوّع مستوياتهم اللغوية، إذ يتم بناؤها بناء على خبرات واضعي المناهج الشخصية وتجاربهم الذاتية، وهذا معيار قاصر يفتقد للدقة والمصداقية والأسلوب العلمي المعتمد عند وضع المناهج التعليمية[6].

وكذلك تحاول بعض المناهج بقصد أو بغير قصد تفريغ مادة القواعد في مناهج غير الناطقين بالعربية من الإطار الحضاري والثقافي بحيث تقدم القواعد خالية من الثقافة العربية، أو تحت غطاء ليس عربيا، كأن تكون الأمثلة والشواهد والنصوص المستعملة في تدريس القواعد مترجمة أو منقولة من ثقافات أجنبية غير الثقافة العربية، وهذا ليس دقيقا من وجهة نظري، بل إنّ منهج القواعد للناطقين بغير العربية يجب أن يقوم على اعتبار التكامل والتواصل بين قواعد اللغة العربية وثقافتها وبين لغة الطلبة وقواعدهم وثقافتهم وحضارتهم؛ لأنّ تلك التقابلات أو الاختلافات تعزّز تعليم الطلبة وقدراتهم على المقارنة.

ومن بين الإشكالات التي تواجه مناهج تدريس القواعد للناطقين بغير العربية المزاوجة في ذكر مصطلحات القاعدة بين اللغة العربية ولغة الطلبة، واستعمال التعليمات أو الشروح بلغة الطلبة الأصلية؛ فهذا يوجد نوعا من الازدواجية اللغوية بين لغة الطلبة واللغة العربية[7] بحيث لا يستطيع الطلبة التفكير في اللغة العربية أو قواعدها بمعزل عن الربط والمقارنات المتعددة بين اللغتين، فيحاولوا أن يخضع إحداهما لنظام الأخرى، وهذا أمر يعسّر فهم القواعد في اللغة المدروسة؛ ولذلك يجب ترسيخ مبدأ أن اللغة العربية هي كيان مستقل قائم على نظام لغوي مختلف، ومتباين في كثير من الأحيان عن اللغة الأصلية للطلبة. وأنا هنا لا أدعو إلى إلغاء لغة الطلبة البتة خاصة في المستويات الأولى من تعلم العربية، أو إذا كان من بين أهداف الطلبة الدراسة الوصفية المنهجية التقابلية بين اللغة العربية ولغتهم الأم من حيث المستويات الصرفية والنحوية.

وهناك إشكالات تتّصل بعنصر التقويم وهذه الإشكالات عادة تتّصل بتقويم نواتج التعلّم؛ حيث يتخذ تقويم نواتج التعلّم نوعين من أنواع القصور وهما: عدم احتواء المنهج لعنصر التقويم بشكل كامل، بحيث ينتقل المنهاج من درس إلى درس بشكل مباشر تاركًا للأستاذ أو الطلبة أو لكليهما معًا حرية الممارسة والتطبيق اللغوي، والبحث عن مصادر خارجية للتقويم، أو أنّه يكون تقويما جزئيا مقتصرا على مهارة واحدة أو مجموعة من المهارات، أو مُوظّفا توظيفا غير دقيق؛ بحيث لا تخدم الأنشطة والتمارين الغرض من التعلّم. فالتقويم بشكل عام من أهم العناصر التي يجب أن يأخذها واضع المنهج بعين الاعتبار لما لها من أهمية كبيرة في تحقيق أهداف التعلم ومعرفة الفروق الفردية بين الدارسين، والربط التراكمي بين القواعد، والانتقال المنطقي من قاعدة إلى أخرى بعد التطبيق والممارسة.



[1] علي أحمد مدكور، تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ص 54.

[2] توجد بعض المحاولات لذلك ولكنها للأسف غير معمّمة وربما تكون خاصة بفئة من الطلبة أو بمؤسسة معينة ومنها:

ACTFL Proficiency Guidelines,1989 ACTFL Arabic proficiency guidelines (September 1989), journal of the American Council on The teaching of foreign languages, Volume 22, Number 4, Washington DC.  

واختبار سامي حنا Sami Hanna and Others، Arabic Proficiency Test for College Level، Second Edition، June 1968

 ثم محاولات الدكتور رشدي طعيمه وهي عبارة عن وضع مجموعة اختبارات لقياس كفاءة الطلبة في اللغة العربية في بعض الجامعات الامريكية وينظر أيضا:

The Test Committee of The American Association of Teachers of Arabic, Arabic Proficiency Test for College Level, The University of Michigan  1974

[3] علي احمد مدكور، تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ص 58.

[4] سعدون محمد الساموك وأخرى، مناهج اللغة العربية وطرق تدريسها (عمان: دار وائل للنشر، ط1، 2005م)، ص119.

[5] عفاف سبع الليل، تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها والكتب المقررة لهم (دمشق: ندوة اللغة العربية والتعليم، ندوة أقامها مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، 22- 25 / تشرين الأول / 2000م)، ص120.

[6] جاسم محمود الحسون وآخر، طرق تعليم اللغة العربية في التعليم العام (طبرق: جامعة عمر المختار، ط1، 1996)، ص244.

[7] مجموعة مؤلفين، الكتاب في تعليم العربية، ج2، ص xv .