توظيف إستراتيجة "TTT vs. STT" في تعليم العربية

الدكتور خالد أبو عمشة

باحث وخبير لغوي/معهد قاصد بالأردن

يشير الاختصار الأول إلى Teacher Time Talking مقابل الاختصار الثاني Student Time Talking، أي وقت كلام المعلم مقابل وقت حديث المتعلم، وهو موضوع إشكالي ومعقد في مجال تعليم العربية عموماً وتعليمها للناطقين بغيرها على وجه الخصوص، من حيث الصورة المثالية لفلسفة توزيع الوقت في الفصل الدراسي.
فهل يؤمن الكل فعلاً بأن فصول اللغة يجب أن تكون فرصة لإنتاج الطلاب وليس لشرح الأستاذ فحسب؟ وهل يؤمن الكل بأن الشرح الطويل لا يساهم في تنمية الكفاءة اللغوية للمتعلم بشقيها الطلاقة والدقة؟

من الظاهر في الدراسات الصادرة مؤخراً ضرورة توفير فرص متعددة للمتعلمين من أجل إنتاج اللغة، حيث إنه كلما توفر لهم الوقت للكلام تطورت كفاءتهم اللغوية. ومن باحثي اللسانيات التطبيقية من اقترح بناء على ذلك تقسيم الوقت بين المدرس والدارس في الفصول الدراسية حسب هذه المعادلة: 20% للمدرس، و80% للدارس.
ويقترح (هامر، 2011) وغيره ضرورة زيادة وقت كلام الطالب إلى حده الأقصى؛ وذلك لكون هذه هي الفرصة الأكيدة للمتعلم لممارسة اللغة وإنتاجها.
ومن الباحثين من يجعل النسبة 30% إلى 70% لمصلحة المتعلم. ومنهم من رفع شعار: اجعل كلامك في حدوده الدّنيا يا معلم اللغة الأجنبية، ولا تحدّث طلبتك بما يستطيعون إخبارك به، واجعل كلامك أسئلة لا شرحاً.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأفكار هي من نتاج تدريس اللغات الأجنبية في ضوء المدخل التواصلي، الذي يركز على اللغة بوصفها أداة تواصل، ويهتمّ بالعمل الثنائي والجماعي والتدريس المستند إلى الدارس، وبالتدريبات والنشاطات؛ وبناء على ذلك تم التوصل إلى ضرورة تقليل وقت المدرس وزيادة وقت الدارس.

 وتشير الدراسات إلى ضرورة تقليل وقت المعلم لمجموعة من الأسباب أهمها:

  1. عدمُ جَوْرِ وقت تكلم المعلم على وقت حديث الطلاب، وتمتع كلٍّ من الجانبين بنصيبه المثالي لإجراء عملية التعلم في شكلها الأمثل. ولتوضيح خطر ذلك، لك -عزيزي القارئ- أن تتخيل معي لو أن فصلاً دراسياً يتكون من 15 ساعة تدريسية واستغرق حديث المعلم نصف الوقت على سبيل المثال لا الحصر، فماذا يبقى من وقت للطلبة؟ سوف يحصل كل طالب على دقيقتين فقط في حال تم استغلال الوقت بشكل مثالي. ماذا يمكن أن يحقق المتعلم من الكفاءة في دقيقتين في الفصل الدراسي؟!
  2.  ضرورة استئثار المعلم بانتباه الطلاب ومراعاة وقت التركيز المثالي لديهم. ولعل ذلك يتضح جليًّا إذا وقفنا نحن المعلمين وقفة تأمُّل وسألنا أنفسنا: ما وقت التركيز المثالي لدى المتعلمين؟ ماذا نتوقع أن يجري إذا تكلم المدرس نصف الوقت أو أكثر؟! لا شك في أنه سوف يصيب الطلبة ما يصيبهم من رتابة وملل! ناهيك عن قلة مشاركة الطالب التي تؤدي حتماً إلى فقدان التركيز وتقليل التعلم.
  3. الانتباه إلى نوعية المعلومة والكلام الذي يقدمه المعلم وتوقيت ذلك.
    ولعل مرد ذلك ضرورة بل حتمية ألا يتكلم المعلم إلَّا بما لا قِبل للطالب بمعرفته أو لا يمكن أن يعرفه إلا بمساعدة المعلم، أما توسُّع المعلم في شرح المفردات والقواعد النحوية والصرفية دون مشاركة الدارسين فليس ذلك مفيدًا في هذا المقام. ألا تعتقدون أنه بمقدور الدارس الوصول إلى هذه المعلومات بنفسه وأن ذلك سيكون وسيلة إضافية نحو ترسيخها واكتسابها؟
  4. النظر بعين الاعتبار إلى أهمية وضرورة تطوير مهارات التحدث لدى الطلاب، وليس المعلم!!وذلك لأن تطوير مهارات التحدث هو المرآة الحقيقة لاكتساب وتعلم اللغة وبدون مراعاة الأسباب السابقة سوف تكون تلك المهارة -على أهميتها- في الحدود الدنيا من الاكتساب والتعلم.

ويبدو لي أن المشكلة الرئيسة في عدم تفعيل هذه الإستراتيجية وازدياد سيطرة المعلم على وقت الفصل وعدم السماح للطلاب -سهوًا أو عمدًا- بالإفادة من وقتهم، يعود إلى عدم امتلاك الكثير من المعلمين للإستراتيجيات التفاعلية المضادة لذلك وقلة توظيفها في تدريس اللغة. هذا بالإضافة إلى فقدان رؤية أهمية التدريبات التفاعلية وعدم القدرة على توجيه بوصلتها، وغياب العمل الثنائي والجماعي كذلك.

وهنا أعتقد أنه من الواجب الإشارة إلى بعض تلك الإستراتيجيات التي تعمل على تقليل وقت المعلم وزيادة وقت المتعلم بالقدر الذي يساعد على اكتساب وتعلم اللغة والوصول إلى الكفاءة اللغوية من أقصر وأصحّ الطرق:

- العمل على تدريس الإستراتيجيات المتنوعة من التنبؤ والتخمين والتصنيف وغيرها.

- تغيير طبيعة الأسئلة من أسئلة تحتاج إلى إجابات محددة إلى إجابات تشاركية مفتوحة.

- توظيف لغة الجسد ولغة الإشارات وتعبيرات الوجه مقابل تقليل الكلمات وبعض الحركات التي تخبر الدارسين بما هو المتوقع منهم القيام به.

- أن يقدم الدارسون تغذية راجعة لأقرانهم وليس للمدرس فقط.

وعلى الرغم من ذلك فلا شك عندي في أن بعض الأشخاص سوف يدافعون عن النمذجة، وأعني بها هنا أهمية دور المعلم في تقديم المثال أو شرح المادة اللغوية الجديدة أو المعقدة، أو النموذج المثالي للمتعلم الذي سيعمل على محاكاته أو السير على منواله، وضرورة تقديم اللغة في سياق والمعلم هو السياق الطبيعي للغة، بالإضافة إلى أن اللغة التي يقدمها المعلم هي الصورة الحية للغة التي يتعلمها الدارس، هذا فضلا عن أن المعلم هو الوسيلة المتوفرة لتسهيل ما يُشكل على الدارس من تحديات وصعوبات.
ولتجاوز هذه الإشكالية يرى (هامر، 2011) ضرورة مراعاة الدخل اللغوي الذي يجب أن يكون ضمن قاعدة "i+1"، وبالتالي فإن نسبة التعقيد أو الصعوبة لن تكون كبيرة ولن تستغرق وقتاً طويلاً من الشرح والتفسير. ويؤمن (جونز وباير، 1983) بأنه كلما تكلم الدارس أكثر أصبح ذا كفاءة لغوية أفضل.

ولا يخفى عليك –عزيزي القارئ- أن هذه الفلسفة قد تواجه بعض التحديات ومن أبرزها:

-          تدريس المستويات المبتدئة.

-          تدريس الصغار.

-          تدريس الطلبة الخجولين.

-          اختلاف المستويات اللغوية.

-          الموضوع.

وهي قضايا تحتاج من المعلم إلى امتلاك رؤية وتصورات واضحة، وتخطيط بيّن في كيفية تنفيذ الدروس وفق هذه الفلسفة، وهي ممكنة بالتأكيد.

وأخلص من هذه الطروحات إلى توجيه بعض التوصيات إلى معلمي العربية للناطقين بغيرها:

-          اجعل كلامك في حدوده الدّنيا.

-          اجعل كلامك أسئلة لا شرحًا.

-          اجعل طلبتك يتحدثون أكثر منك.

-          لا تحدّث طلبتك بما يستطيعون إخبارك به.

 

مدونات سابقة للكاتب