أهلا بكم. ثمة سؤال يحير المهنيين في قطاع الإعلام منذ فترة: لماذا تنتشر المعلومات الكاذبة بشكل أسرع من الأخبار الدقيقة والحقيقية؟
يكتفي البعض بالجواب القائل إن مواقع التواصل الاجتماعي تتحمل المسؤولية كاملة.
أما العاملون في المجال الإخباري فيدركون أن مكافحة الظاهرة تقع على عاتقهم، وفي صلب مسؤولياتهم.
تعددت في الفترة الماضية محاولات مكافحة الأخبار الزائفة، ولعل من أهمها المبادرة من أجل الصحافة الموثوقة التي أطلقتها قبل بضعة أشهر منظمة مراسلون بلا حدود بالتعاون مع وكالة الصحافة الفرنسية واتحاد الإذاعات الأوروبية وشبكة المحررين العالمية. وقد فاق عدد المؤسسات التي التحقت بالمبادرة اليوم مئة مؤسسة.
موضوعنا الأول لهذا الأسبوع يأتيكم من باريس، حيث تحدث المرصد إلى بعض الأطراف المؤسسين وعاد بالقصة التالية.
هذا عصر الإعلام المتدفق وفيض المعلومات، لكنه أيضا عصر الأخبار المفبركة والمضللة.
انتبهت كبرى الديمقراطيات في أوروبا وأمريكا خلال السنوات الماضية إلى أن إعلامها ليس بخير. فخلال مواعيد انتخابية كبرى في الولايات المتحدة، كما في فرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها، تدفقت الأخبار الكاذبة عبر المنصات الإعلامية، قديمها وحديثها. تأرجح مزاج الناخبين في اللحظات الأخيرة، في أكثر من بلد.
ظهرت في السنوات القليلة الماضية أكثر من مبادرة على مستوى إدارات التحرير في الصحف أو في غرف الأخبار الإذاعية والتلفزيونية أو هيئات التحرير في المواقع الإلكترونية. انتشر على نطاق واسع مصطلح "تدقيق الوقائع"، غير أن المبادرة التي أعلنها قبل فترة في باريس تكتل من منظمات مهنية ومؤسسات إعلامية تطمح إلى ما هو أعمق من ذلك: التثبت من مصداقية وسيلة الإعلام نفسها، صانعة الخبر. منظمات أوروبية ومؤسسات إعلامية عدة انضمت للمبادرة، غير أن المؤسسين يتساءلون عن عدم تحمس وسائل الإعلام العربية للانضمام لهذا المشروع.
في الأثناء، المبادرة من أجل صحافة موثوقة وصلت أصداؤها حتى وادي السيليكون. هناك، حيث أعلن عملاق محركات البحث غوغل عن انخراطه في المبادرة بما يعطيها زخما ودفعا قويين، خصوصا أن مشكل الأخبار الزائفة يبدأ عادة من هناك.
أَهْلًا بِكُمْ. ثَمَّةَ سُؤَالٌ يُحَيِّرُ الْمِهَنِيِّينَ فِي قِطَاعِ الْإعْلَامِ مُنْذُ فَتْرَةٍ: لِمَاذَا تَنْتَشِرُ الْمَعْلُومَاتُ الْكَاذِبَةُ بِشَكْلٍ أَسْرَعَ مِنَ الْأَخْبَارِ الدَّقِيقَةِ وَالْحَقِيقِيَّةِ؟
يَكْتَفِي الْبَعْضُ بِالْجَوَابِ الْقَائِلِ إنَّ مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ تَتَحَمَّلُ الْمَسْؤُولِيَّةَ كَامِلَةً.
أمَّا الْعَامِلُونَ فِي الْمَجَالِ الْإخْبَارِيِّ فَيُدْرِكُونَ أنَّ مُكَافَحَةَ الظَّاهِرَةِ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِهِمْ، وَفِي صُلْبِ مَسْؤُولِيَّاتِهِمْ.
تَعَدَّدَتْ فِي الْفَتْرَةِ الْمَاضِيَةِ مُحَاوَلَاتُ مُكَافَحَةِ الْأَخْبَارِ الزَّائِفَةِ، وَلَعَلَّ مِنْ أَهَمِّهَا "الْمُبَادَرَةُ مِنْ أَجْلِ الصَّحَافَةِ الْمَوْثُوقَةِ" الَّتِي أَطْلَقَتْهَا، قَبْلَ بِضْعَةِ أَشْهُرٍ، مُنَظَّمَةُ مُرَاسِلُونَ بِلَا حُدُودٍ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ وَكَالَةِ الصِّحَافَةِ الْفَرَنْسِيَّةِ وَاتِّحَادِ الْإذَاعَاتِ الْأُورُوبِيَّةِ وَشَبَكَةِ الْمُحَرِّرِينَ الْعَالَمِيَّةِ. وَقَدْ فَاقَ عَدَدُ الْمُؤَسَّسَاتِ الَّتِي الْتَحَقَتْ بِالْمُبَادَرَةِ الْيَوْمَ مِئَةَ مُؤَسَّسَةٍ.
مَوْضُوعُنَا الْأَوَّلُ لِهَذَا الْأُسْبُوعِ يَأْتِيكُمْ مِنْ بَارِيسَ، حَيْثُ تَحَدَّثَ "الْمَرْصَدُ" إلَى بَعْضِ الْأَطْرَافِ الْمُؤَسِّسِينَ وَعَادَ بِالْقِصَّةِ التَّالِيَةِ.
هَذَا عَصْرُ الْإعْلَامِ الْمُتَدَفِّقِ وَفَيْضِ الْمَعْلُومَاتِ، لَكِنَّهُ أيْضًا عَصْرُ الْأَخْبَارِ الْمُفَبْرَكَةِ وَالْمُضَلِّلَةِ. انْتَبَهَتْ كُبْرَى الدِّيمُقْرَاطِيَّاتِ فِي أُورُوبَّا وَأَمْرِيكَا خِلَالَ السَّنَوَاتِ الْمَاضِيَةِ إلَى أنَّ إعْلَامَهَا لَيْسَ بِخَيْرٍ؛ فِخِلَالَ مَوَاعِيدَ انْتِخَابِيَّةٍ كُبْرَى فِي الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ، كَمَا فِي فَرَنْسَا وَأَلْمَانْيَا وَهُولَنْدَا وَغَيْرِهَا، تَدَفَّقَتِ الْأَخْبَارُ الْكَاذِبَةُ عَبْرَ الْمِنَصَّاتِ الْإعْلَامِيَّةِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا. تَأَرْجَحَ مِزَاجُ النَّاخِبِينَ فِي اللَّحَظَاتِ الْأَخِيرَةِ، فِي أَكْثَرَ مِنْ بَلَدٍ.
ظَهَرَتْ فِي السَّنَوَاتِ الْقَلِيلَةِ الْمَاضِيَةِ أَكْثَرُ مِنْ مُبَادَرَةٍ عَلَى مُسْتَوَى إدَارَاتِ التَّحْرِيرِ فِي الصُّحُفِ أَوْ فِي غُرَفِ الْأَخْبَارِ الْإِذَاعِيَّةِ وَالتِّلِفِزْيُونِيَّةِ أَوْ هَيْئَاتِ التَّحْرِيرِ فِي الْمَوَاقِعِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ. انْتَشَرَ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ مُصْطَلَحُ "تَدْقِيقِ الْوَقَائِعِ". غَيْرَ أنَّ الْمُبَادَرَةَ الَّتِي أعْلَنَهَا، قَبْلَ فَتْرَةٍ فِي بَارِيسَ، تَكَتُّلٌ مِنْ مُنَظَّمَاتٍ مِهَنِيَّةٍ وَمُؤَسَّسَاتٍ إعْلَامِيَّةٍ تَطْمَحُ إلَى مَا هُوَ أعْمَقُ مِنْ ذَلِكَ: التَّثَبُّتُ مِنْ مِصْدَاقِيَّةِ وَسِيلَةِ الْإعْلَامِ نَفْسِهَا، صَانِعَةِ الْخَبَرِ.
مُنَظَّمَاتٌ أُورُوبِّيَّةٌ وَمُؤَسَّسَاتٌ إعْلَامِيَّةٌ عِدَّةٌ انْضَمَّتْ لِلْمُبَادَرَةِ، غَيْرَ أنَّ الْمُؤَسِّسِينَ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ عَدَمِ تَحَمُّسِ وَسَائِلِ الْإعْلَامِ الْعَرَبِيَّةِ لِلِانْضِمَامِ لِهَذَا الْمَشْرُوعِ.
فِي الْأَثْنَاءِ، الْمُبَادَرَةُ مِنْ أجْلِ صِحَافَةٍ مَوْثُوقَةٍ وَصَلَتْ أَصْدَاؤُهَا حَتَّى وَادِي السِّيلِكُونِ. هُنَاكَ، حَيْثُ أعْلَنَ عِمْلَاقُ مُحَرِّكَاتِ الْبَحْثِ غُوغل عَنِ انْخِرَاطِهِ فِي الْمُبَادَرَةِ بِمَا يُعْطِيهَا زَخَمًا وَدَفْعًا قَوِيَّيْنِ، خُصُوصًا أَنَّ مُشْكِلَ الْأَخْبَارِ الزَّائِفَةِ يَبْدَأُ عَادَةً مِنْ هُنَاكَ.