إستراتيجيات تدريس المفردات

الدكتور أحمد حسـن

أستاذ اللغة العربية المساعد بجامعة بورصا ألوداغ التركية

نتحدث في هذا المقال* عن تدريس المفردات اللغوية، وقبل الحديث عن إستراتيجيات شرح المفردات يجب الإشارة إلى أن استيعاب الطالب للمفردات يمر بثلاث مراحل على الترتيب هي: التعرف، والتدريب، والتقويم.

1. التعرف: أي تعرفه للمفردة من خلال قراءتها منفردة أو في النص، ويلي ذلك شرحها من خلال الإستراتيجيات التي ستعرض لاحقا.

2. التدريب: هناك ثلاثة أشكال لتدريبات المفردات:

   - تدريبات الصيغة أو الشكل مثل: تهجئة الكلمات، والتركيب الصرفي "الاشتقاق"، وتعرف الأوزان.

- تدريبات المعنى مثل: المترادفات، وتعرف الحقل الدلالي، وتصنيف الكلمات تحت فئات، والمطابقة بين كلمات وصور أو أجزاء من صور.

      - تدريبات الاستعمال في سياق مثل: ملء الفراغ بالكلمة المناسبة، والمزاوجة بين المصاحبات اللفظية، وربط الكلمة بالجمع أو الضد أو التعريف...إلخ، ووضع جمل من إنشاء الدارس.

3. التقويم: ويهدف إلى التأكد من فهم الطالب للمفردات، ومن طرقه: وصف الصور، وذكر المشتقات المعروفة، واختيار المعنى من متعدد.

يشرح المعلم المفردات من خلال إستراتيجيات عديدة؛ بعضها لغوي، وبعضها غير لغوي، ونعرض بعضها في هذا المقال، ونستكملها في المقالات التالية.

 (أ) الإستراتيجيات اللغوية:

  1. المرادف والمضاد:

- يمكنك أن تشرح الكلمات من خلال مرادفها، مثال: كلمة "صديق" تشرحها من خلال المرادف المعروف مُسبقا للطالب "صاحب". ولا يقتصر الترادف على الكلمات المفردة وإنما بين العبارات أيضا، كما في إلقائك التعليمات الصفية مثل: "كرر الجملة" أو "مرة أخرى". "الصفحة التالية" أو "اقلب الصفحة"... وهكذا.

- ويمكن شرح المفردات من خلال مضادها الذي يعرفه الطالب، مثال: كلمة "مساء" و"صباح".

توجيه:

لا تُكثر من المترادفات مع طالب المستوى المبتدئ، فيكفي أَنْ تُعَلِّمَهُ أَنَّ كلمة "صاحب= صديق"، ولا تتطرق إلى مرادفات أخرى إلا في المستويات المتقدمة، مثل "رفيق، خليل، زميل، حليف". فالمطلوب في هذا المستوى أن يتعلم القليل الذي يستطيع توظيفه في سياقات كثيرة.

  1. التعريف:

يُستخدم تعريف الكلمة في شرحها مثل: كلمة "رسَّام" الشخص الذي يرسم، كلمة "مصنع" المكان الذي نصنع فيه الأشياء كالسيارات، "موسوعة" كتاب فيه معلومات كثيرة عن علوم مختلفة.

توجيه:

- يُشترط في التعريف أن تكون كلماته أسهل من الكلمة الأصلية، ومن الخطأ أن يتضمن مفردات صعبة، مثال: كلمة "آثار": لا تشرحها كالآتي: "كل ما ورثناه عن الأجداد ودل على عبق التاريخ"، فأنت -هكذا- عقَّدت المعنى وصعبته.

   مثال آخر: لا تشرح كلمة "إنقاذ" بقولك: "عندما تساعد غريقا أوشك على الهلاك في البحر فإنك تكون قد أنقذته"، فهذا الطالب قد لا يعرف معنى "غريق" و "الهلاك" وبذلك يُشكل عليه المعنى.

  1. السياق:

أكثر الأساليب التي تُسهِّل تخمين معنى المفردة هو السياق، وله أشكال عديدة منها:

* سياق لغوي: أن ترد المفردة في سياق جملة تدل على معناها، مثال: "الكتب مرصوصة على الرف في المكتبة"، فيخمن الطالب أنها تعني "مُرتَّبة" بسبب كلمة "مكتبة" وكلمة "رف".

      مثال آخر: "قضى القاضي في المحكمة" و"قضى الطالب العطلة في القرية"، فيستطيع الطالب تخمين المعنى في الجملتين من خلال السياق؛ فالأولى بمعنى "حكم" والثانية بمعنى "استغرق وقتا".

* سياق موقفي إشاري: أي أن ترد المفردة في سياق مسموع أو منظور يوضحها، مثال: إذا مشى الطالب في الطريق واصطدم بشخص، وسمعه يقول "عذرا" أو "أعتذر لك" مع الإشارة، فسوف يفهم أن التعبير الذي سمعه يعني الاعتذار. مثال آخر: إذا وجد الطالب سيارات كثيرة في مكان ما، وهناك إشارة مكتوب عليها "مرآب السيارات" فسوف يخمن معنى التركيب.

  1. التسلسل أو السلم الدلالي:

التسلسل كأن تشرح الأعداد (1-2-3) أو أيام الأسبوع والشهور، أو تشرح بعض الكلمات من خلال ترتيبها الزمني مثل: "المدرسة الابتدائية" بعدها "الإعدادية" بعدها "الثانوية"... وهكذا.

السلم الدلالي: يستعمل في الأوزان والمقاييس مثل: (كيلومتر، متر، سنتيمتر) أو (رضيع، صبي، شاب، كهل...).

  1. الحقول الدلالية (الأسر الدلالية):

تقدم المفردات من خلال علاقات مترابطة، مثال: تقدم الكلمات الخاصة بالمستشفى: (طبيب، ممرض، عيادة)، أو المفردات الخاصة بالملابس: (قميص، بنطال، جورب)، مع مراعاة تقديم المفردات المهمة دون إسهاب، فالمفردات  الخاصة بالخضراوات والفاكهة -مثلا- لا تُعَدّ ولا تحصى.

  1. الاشتقاق:

يعد الاشتقاق من أهم العوامل المساعدة في شرح المفردات مثل: (اسم فاعل، اسم المفعول، صيغة المبالغة، الجمع، تصريفات الفعل مع الضمائر... إلخ)، فكم من كلمة مشتقة  يمكن شرحها بالرجوع إلى الجذر، مثال: كلمة "سمَّاعة" تشرحها من خلال الفعل "سمع".

توجيهات:

- قد يُفهَم الجمع من المفرد مثل: كلمة "دقائق" تُفهم من "دقيقة"، و"نوافذ" تُفهم من "نافذة"، و"قصة" تُفهم من "قصص". فكلما خفّفت حروف المفردة فهمها الطالب أسرع.

- الفعل الدال على صيغة الجمع يمكن شرحه من خلال الرجوع إلى مفرده مثل: (يتقاتلون- قتل). والفعل المزيد يمكن شرحه من خلال الرجوع إلى أصله مثل: (استعلم - علم).

- قد يُفهَم المصدر من فعله مثل: "رؤية" تُفهم من كلمة "رأى"، ومثلها كلمة "استنتاج" تُفهم من كَلمة "نتج".

- قد يُفهَم اسم الفاعل من المصدر مثل: كلمة "مُنتصر" تفهم من "انتصار". أو من أصله مثل: "مُشمِس" تفهم من كلمة "شمس".

- قد يُفهَم اسم المكان من المصدر مثل: "مَزرعة" تُفهم من كلمة "زراعة".

- قد يُفهَم الاسم المنسوب من جذره مثل: "العمليات الحسابيَّة" تُفهم من كلمة "حسب"، وكلمة "الزراعيَّة" تُفهم من كلمة "زرع".

  1. الأسئلة الموجهة:

يمكن توجيه أسئلة يفهم بها الطالب معاني المفردات. مثال: تريد أن تشرح كلمة "محكمة" و"مِطرقة"  و"سِندان" و"مُحامٍ"، فتقوم بتوجيه الأسئلة الآتية للطالب: أين يجلس القاضي؟ فيقول: "مكان ما"، فتقول له: المكان اسمه "محكمة"، وماذا يُمسك بيده؟ فتقول: "مِطرقة"، ثم تسأل: وماذا تحتها؟ تقول: "سِندان"، ومن يساعد المظلوم في المحكمة؟ تقول: "المحامي". ومثلها: كلمة "مراهق"، فتقول: كم يبلغ من العمر؟ فيقولون: من 13 إلى 19 سنة... وهكذا.

  1. التقابل اللغوي:

هو أن تشترك كلمة في اللغة العربية بكلمة من لغة الطالب في اللفظ والمعنى، مثال: كلمة "صباح" العربية تحمل المعنى نفسه في لغة الطالب التركي، ومثلها كلمة "مرحبًا".

  1. النصوص الدينية:

تفيد هذه الإستراتيجية حافظي القرآن والأئمة، وعددهم ليس بالقليل، حيث يتعرف الطالب على معنى الكلمة إذا ربطناها بنص ديني، مثل كلمة "اعتمد على" فتقول للطالب: "استعان" كما في قوله تعالى: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (سورة الفاتحة: 5)، ومثلها كلمة "تَعَسَّر" تُفهم من قوله: "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح: 6)، وكلمة "زَلزَل" تُفهم من آية: "إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا" (سورة الزلزلة: 1). وكلمة "مُنكَر" تُفهم من معنى الحديث: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

توجيه:

يسهل تعليم الدارسين المسلمين عن غيرهم بعض المفردات الدينية بسبب إلفهم لها، مثل: (الجنة - جهنم - نار- آخرة – السماوات – الأرض - الساعة).

  1. المشترك اللفظي:

هو اشتمال لفظ واحد على عدة معان، وتفيد هذه الإستراتيجية طلاب المستوى المتقدم، مثال: كلمة "عين" يتعلم الطلاب أنّ لها معانيَ كثيرة مثل: (جاسوس، عضو الإبصار، الحرف الهجائي، ذي المكانة، بئر الماء)، وفي المستويات الدنيا يجب الاقتصار على المعنى الموجود في النص. ومثلها كلمة "يسير" (بمعنى يمشي، وبمعنى سهل)، ومثلها: يزيد، وأحمد.

  1. شرح الطالب:

الطالب أقرب لعقل الطالب، وتستطيع أن تعتمد عليه في شرح بعض المفردات، مثال: أردتُ أن أشرح معنى الفعل "انتهك"، فقلت: خالف القوانين، فقال أحد الطلاب: لم أفهم، فحاولت بطرق متنوعة حتى قام أحد الطلاب قائلا لزميله: "انتهك الرجل قواعد المرور فأخذ جزاء"، حينها قال الطالب الأول: فهمت، فطلبت منه جملة لأتأكد من فهمه، فقال: لا يتبع القواعد.

مثال آخر: أردت أن أضع كلمة "شمس" في جملة لطالب في المستوى التمهيدي، فقلت له: "هذه شمس"، فسأل الطالب: لا توجد علامة تأنيث، فلماذا تستخدم اسم الإشارة المؤنث "هذه"، قلت: لأن هناك كلمات مؤنثة سماعيا عن العرب، أي: بدون سبب، فلم يفهم أو لم يقتنع، فقالت طالبة له: هذه الكلمة استثناء، وعندها اقتنع الطالب بكل بساطة. ومثلها عندما أردت أن أشرح كلمة "ثأر"، فقلت: "عندما يقتل أحد صديقك فأنت ستغضب وتريد أن تقتله أيضا، وهذا نسميه "ثأر"، فلم يفهم الطالب، فقال زميله له: يعني "قصاص"، حينها فهم الطالب تماما. ومثلها عندما شرح أحدهم لزميله معنى "دبابة" بقوله: "سيارة حرب".

 توجيه:

- من الأمثلة الإضافية للعنصر السابق أن أحد الطلاب شرح كلمة "رمادي" بقوله "نصف أسود"، وشرح كلمة "بريء" بقوله "مَعصُوم"، وشرح عبارة "انفعل بالموسيقى" بقوله: "تأثر"، وقام آخر بتحريك يديه.

- أحيانا يشرح الطالب بأسلوب خطأ. مثال: شرح أحد الطلاب لزميله معنى كلمة "جلابية" فقال: "فستان الرجل". مثال آخر: شرح أحد الطلاب لزميله معنى جملة "شخص عدواني" فقال: "شخص مفترس". مثال آخر: شرح أحد الطلاب لزميله معنى جملة "ذبح الخروف" قائلا: "قتل الخروف". وبالطبع يجب تصحيح تلك الأخطاء مباشرة.

  1. ربط المجهول بالمعلوم:

اربط ما يجهله الطالب بشيء يعلمه ليتضح له، مثال: سأل طالب عن معنى كلمة "قارة"، فقلت: مثل قارة آسيا أو قارة إفريقيا أو قارة أوربا، فعندما ربطت الكلمتين معًا فهم معناها، ومثلها العملات والعواصم... إلخ

  1. تنوع الأمثلة وكثرتها:

كثرة الأمثلة وتنوعها  أفضل من الشرح المجرد، فمثلا: شرحك لكلمة "قطار" في أمثلة كثيرة ومتنوعة يساعد الطالب على فهمها، مثال: القطار سريع، وصل القطار، تذكرة القطار غالية، لون القطار أزرق... إلخ. ومثلها تعبير"عيد الاستقلال" حيث فهمه الطلاب من خلال الأسئلة الآتية: هل لديكم عيد استقلال؟ في أيّ يوم؟ ماذا تفعلون في عيد الاستقلال؟. ومثلها تدريب الطلاب على الفعل "طحن" كالآتي: طحنت الدقيق، طحنت البنّ، طحنت السمسم.

  1. الترجمة: (آخر الدواء الكيّ)

وهي الإستراتيجية الأخيرة إن لم يفلح ما سبق، والأفضل أن يترجم الطالب لصديقه، وتصحح له إن أخطأ، أو أن تسمح له بفتح مترجم إلكتروني أو ورقي.

 

 (ب) الإستراتيجيات غير اللغوية:

  1. الصور والرسوم:

الصور الجاهزة من أهم وسائل الشرح في المستوى المبتدئ الذي تتسم نصوصه بالمفردات الحسية مثل: أنواع الفاكهة والخضراوات، أدوات الصف، أثاث المنزل، الحيوانات... إلخ.

والرسم -أيضا- من الوسائل المهمة في شرح المفردات، إلا أن كثيرا من المعلمين لا يتقنونه، فيوظفون طلابهم في رسم معاني المفردات على السبورة كنوع من الترفيه في الدرس.

  1. التمثيل:

يكاد التمثيل الحركي يقتصر على شرح الأفعال مثل: يجلس، يخرج، يشعر بألم، يجري... إلخ.

  1. الشيء الحقيقي:

يمكنك أن تُحضِر بعض الأشياء الحقيقية لشرح بعض المفردات، مثل: الأدوات المدرسية أو بعض الخضراوات والفاكهة لشرح بعض المفردات، فعرض الشيء الحقيقي يثبت حفظ المفردة لدى الطالب.

  1. الإشارة:

الإشارة للشيء نفسه، مثال: تشرح كلمة "برج" فتشير من النافذة قائلا: انظروا إلى ذلك البرج، أو تلك القُبَّة.

  1. المعاجم:

- تطغى المعاجم الإلكترونية على المعاجم الورقية، ومنها الأحادي اللغة ومنها الثنائي اللغة. حاول توجيه طلابك إلى المعاجم الأحادية اللغة (عربي-عربي) التي تراعي حاجات الدارسين الناطقين بغير العربية، حيث تستخدم إستراتيجيات شرح المفردات على أسس علمية، مثل استخدام المرادفات والصور والتعاريف... إلخ.

- يجب تنبيه الطلاب إلى أن يكتبوا معاني المفردات في كتبهم بالعربية في المستويين المتوسط والمتقدم، ويُسمح لهم -أحيانا- بكتابة المعاني باللغة الوسيطة في أوراق لاصقة داخل الكتاب في المستوى المبتدئ.

20- إستراتيجيات الطلاب:

الحديث طويل حول إستراتيجيات التعلم التي يستخدمها الطلاب أثناء تعلم عناصر اللغة ومهاراتها، ويجب إكسابها للطلاب وحثهم على توظيفها أثناء دراستهم اللغة، مثل: الإستراتيجيات التذكرية والمعرفية والتعويضية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* هذا المقال مقتبس من كتاب الأساس في أساليب تدريس المهارات اللغوية لغير الناطقين بالعربية (أحمد حسن محمد علي. 2021. ط1. أنقرة، دار سون تشاك، ص 39-)42.

مقالات أخرى للكاتب