لماذا ندرّسهم الشعر؟

كثيرا ما يعتمد واضعو مناهج القواعد في أي لغة من لغات العالم على الإنتاج الأدبي للغة الهدف، ولا تخلو لغة من اللغات عادة من شقي الأدب المعروفين وهما: النثر، والشعر فيستفيد مصممو المناهج من المختصين في علوم اللغة من تلك المادة اللغويّة لينظّروا من خلالها للقواعد ويستنبطوها منها.

ومن الواضح من استقراء معظم المناهج أنها تعتمد على النصوص النثرية في لغتها، ولم أجد مسوغا أو سببا لذلك حتى اللحظة عدا ما تم التعارف عليه من سهولة النص النثري؛ نظرا لتحرّره من كثير من القيود المفروضة على الشعر كالوزن والقافية.

ومع ذلك فواضعو المناهج لا يعتمدون على النصوص الشعرية من الوهلة الأولى في تدريس القواعد بل عادة ما تكون الغاية من تقديم النصوص الشعرية في المراحل الأولى هي الحفظ والاستظهار؛ لذلك تجد معظم الطلبة لا يستمتعون بدراسة هذه النصوص بل يشعرون بأنها عبء ثقيل على كواهلهم.

وهذه الممارسات كوّنت اتجاهات غير محبوبة لدى الطلبة ولدى مصممي المناهج في ذات الوقت؛ مما دفع الجميع إلى الاعتقاد بصعوبة تدريس النصوص الشعرية، وعلى النهج نفسه سارت مناهج غير الناطقين باللغة العربية.

وأنا هنا أقدّم دعوة لصانعي المناهج للطلبة غير الناطقين بالعربية لتضمين النصوص الشعرية في مناهجهم، مع تطوير طريقة عرضها وتقديمها؛  وذلك للأسباب التالية:

1- ندرة المادة الشعرية في مناهج غير الناطقين باللغة العربية في جميع مستويات التطبيق اللغوي؛ مما يعني إغفال جانب مهم جدا من النصوص الغنية بالمادة اللغوية العربية، كما أنّ الشعر العربي يعتبر من أهم مصادر التقعيد في اللغة العربية، بل إنّ بعض العلماء كان يقدمه على الحديث الشريف في مجال الاستشهاد[1]. والقواعد التي نهدف إلى تعليمها للدارس غير الناطق بالعربية يجب أن تكون متلائمة مع أهداف تعليم اللغات الأجنبية، فهدف تدريس النَّحو ليس تَحفيظ الطلبة مجموعةً من القواعد المجرَّدة، أو التَّراكيب المنفردة، وإنَّما الهدف يكمن في مساعدته على فهْم التعبير الجيّد.

2- قِدَمُ الاستشهاد بالشعر؛ فبالرجوع إلى أصل الاستشهاد الأول على القواعد في العربية فإنّ النص النثري لم يكن حاضرا بقوة في ذلك الوقت إذ أُخِذت الشواهد من أفواه العرب من منظومهم ومنثورهم وفق نظام وضوابط صارمة وضعها اللغويون الأوائل؛ فقديما أدرك علماء العربية أهمية الشعر العربي وجعلوه المصدر الثالث من مصادر التقعيد بعد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، بل إن بعضهم يقدّمه حتى على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أشرت سابقا.

3- كثرة المنظومات الشعرية في قواعد العربية، فقد ظهرت قديما مجموعة كبيرة من المنظومات النحوية والصرفية التعليميةلتعليم قواعد العربية؛ لأن الشعر والنظم عموما أسهل حفظا وثباتا في القلب من النثر، ولكون النص الشعري أقدر من غيره على زيادة فاعلية استيعاب الطلبة للقواعد سواء أكان الطلبة من العرب أم غيرهم، ومن الذين نظموا شعرا في مجال تعليم النحو وقواعد العربية:

- منظومة "ملحة الإعراب" لأبي محمد القاسم بن علي بن عثمان الحريري المتوفى سنة 516ه وهي من أوائل المنظومات التعليمية المؤلفة في هذا المجال.

- منظومة "الدرة الألفية" لزين الدين أبي الحسين يحيى بن معط المتوفى سنة 628ه.

- منظومتا "الكافية" و"الوافية" لأبي عمرو عثمان المعروف بابن الحاجب المتوفى سنة 646ه.

- منظومة "الألفية" وتسمى الخلاصة لجمال الدين محمد ابن مالك الأندلسي المتوفى سنة 672ه.

4- الشعر ديوان العرب؛ فالشعر يعبّر عن الثقافة العربية والحياة الاجتماعية المرتبطة باللغة العربية؛ لأنّ اللغة والثقافة تربطهما علاقة قوية جدا، وفي الشعر العربي تجتمع حجة الاستدلال على القواعد والتعبير عن الثقافة والحياة الاجتماعية. ونحن عندما نصمّم مناهج غير الناطقين بالعربية، فإنّنا نتوجّه بالخطاب إلى فئة من الناس لا تتوافر لديهم غالبا دراية كافية وواضحة عن ثقافة العرب وبيئتهم وأنماط حياتهم وطرق تفكيرهم، والشعر هو الأقدر على إطلاعهم على تلك الثقافة والتأثير في نفوسهم.

ومن هنا كانت الحاجة ماسّة للاستعانة بالنصوص الشعرية في تعليم العربية؛ لتأخذ نصيبها الحقيقي من الدراسة في مناهج غير الناطقين بالعربية.

 



[1] ثروت السيد عبد العاطي، ظاهرة النفي في الحديث الشريف بين التوصيف والتنظير (القاهرة: كلية دار العلوم، رسالة ماجستير، 2001م) ص6.