النطق في تعليم العربية للناطقين بغيرها

الدكتور خالد أبو عمشة

باحث وخبير لغوي/معهد قاصد بالأردن

على الرغم من أهمية النطق (Pronunciation) في اللغة فإنه غالباً ما يواجه بإهمال شديد في تعليم العربية للناطقين بغيرها، فقد يبلغ المتعلّم الأجنبي المستويات المتقدمة وما زال يعاني من معضلات عظمى في كيفية نطق بعض الأصوات والحركات، وحين يتحدث يجترح أخطاء في النطق تجعل المستمع يظن أنه لم يتجاوز المستوى المبتدئ أو المتوسط في أحسن الأحوال بسبب الأخطاء الصوتية القبيحة التي يرتكبها المتحدث.

ويعد النطق جزءاً ومكوناً أساسياً من مكونات مهارة المحادثة، وجزءاً من مهارة القراءة الجاهرة بل إنه جزء من الكفاية التواصلية. ويعرف النطق بأنه إنتاج أصوات اللغة العربية من أجل إيصال فكرة. وهو إنتاج للنظام الصوتي للغة العربية. وهو كذلك نطق الكلمة العربية بطريقة صحيحة ومناسبة.

وتجدر الإشارة إلى أن السيطرة على نظام النطق للحروف العربية يستغرق وقتاً، وينبغي أن تعزز المناهجُ الدراسية عبر المستويات اللغوية الوعيَ الصوتي المفضي إلى الدقة والطلاقة المناسبتين لمستوى الكفاءة. وهي لا ريب تعاني الآن من نقص شديد في تدريس النظام الصوتي بُعَيد المستوى الأول، وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بنطق جيد للأصوات العربية لديهم فرص أكبر للفهم أكثر بكثير ممن يواجهون صعوبات في عمليات النطق حتى لو كانوا يملكون معرفة جيدة بالقواعد وغنى في المفردات. ويعود ذلك إلى أننا نحاكم الناس في على كيفية نطقهم للغة في الغالب.

وهناك مجموعة من المؤثرات تؤدي دوراً واضحاً في إتقان نطق الأصوات العربية، أبرزها العمر والتعلم قبل الفترة الحرجة أو بعدها، حيث يشير اللغويون إلى أن اكتساب اللغة قبل الفترة الحرجة التي قدرها اللغويون بما بين سن الخامسة والثالثة عشرة فإن المتعلم يكون كابن اللغة بل هو ابن اللغة ولا لكنة ظاهرة تبدو عليه، فيما تبرز احتمالية ظهور لكنة اللغة الثانية لدى المتعلم إذا تعلّم اللغة بعد الفترة الحرجة بشكل مطّرد.

ومن هذه المؤثرات موضوع الدافعية التي تشير الدراسات إلى أنها كلما زادت أتقن المتعلم نطق الأصوات وأجادها وكلما قلت يكون أداؤه فيها أقل ولكنته الأجنبية أكثر وضوحاً.

ومن تلك المؤثرات أيضاً طرائق التدريس التي ينتهجها المدرس في عملية التدريس في توظيف التدريبات الميكانيكية والتفاعلية التي ينبغي أن تُجرَى بشكل دوري.

ولا ريب في أن الحديث عن النطق يقودنا للحديث عن اللكنة كما ورد آنفاً، والعمر الذي يشرع فيه المتعلم في دراسة اللغة، فإذا ما جرى تعلّم اللغة بعيد الفترة الحرجة فغالباً ما تلتصق بلغة دارس العربية لكنة أعجمية تقترب وتبعد عن الأداء المثالي بالنطق العربي بحسب عمره ودافعيته وكفية اكتسابه للأصوات.

وللكنة مستويات ودرجات منها ما هو ثقيل مستقبح ومنها ما هو متوسط مقبول ومنها ما هو حسن غير ظاهر إلا في بعض المواضع، بل قد يكون اكتشافها عسيرا على غير المتعاطي مع متعلمي اللغة العربية لغة ثانية أو أجنبية.

ويبقي السؤال الأهم هو ما الذي يشكل النطق المقبول؟ تداول الناس منذ قديم الزمان أن فهم المتحدث هو المحك الرئيسي في النطق الجيد، فكلما اقترب من النصف الأقرب لنطق الناطقين باللغة كان النطق مقبولا ويزيد، وإذا وقع النطق في النصف الثاني من المتصل البياني كان النطق سيئاً ويزداد سوءًا كلما ابتعد عن نقطة المنتصف، وقد أحسن الإطار المرجعي الأوربي صنعاً حين وضع محكات للأداء النطقي في منظومة الكفاءة اللغوية، وهي على النحو الآتي:

المستوى

توصيف أداء النطق في الإطار المرجعي الأوربي

C2

يستطيع أن يغير التنغيم، ويضع النبر على الجملة بصورة صحيحة ليعبّر عن ظلال المعنى الدقيقة.

C1

يستطيع أن يغير التنغيم، ويضع النبر على الجملة بصورة صحيحة ليعبّر عن ظلال المعنى الدقيقة.

B2

اكتسب نطقاً واضحاً وطبيعياً، ومعرفة بالتنغيم.

B1

النطق واضح بصورة ملموسة، معه وجود لكنة أجنبية واضحة أحياناً، وحدوث أخطاء في النطق.

A2

النطق واضح بما يكفي للفهم بصورة عامة، مع ملاحظة لكنة أجنبية، ويحتاج أطراف الحوار إلى طلب الإعادة من وقت لآخر.

A1

النطق بذخيرة محدودة من الكلمات والعبارات التي تعلمها، يمكن فهمه بجهد من قبل الناطقين باللغة الذين تعودوا التعامل مع مجموعته اللغوية.

ولم تكن تلكم المعايير واضحة بينة في معايير المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية، وقد قام الكاتب بالتنقيب عنها، وهذا ما استطاع جمعه منها بحسب المستويات الرئيسية والفرعية لمستويات الكفاءة:

المستوى

توصيف أداء النطق في معايير المجلس الأمريكي (أكتفل)

المبتدئ الأدنى

بسبب نطقه قد لا يُفهم قوله.

المبتدئ الأوسط

قد لا يُفهم إلا بصعوبة شديدة حتى من متحاور متعاطف معتاد على التعامل مع غير الناطقين باللغة.

المبتدئ الأعلى

قد تؤثر لغته الأولى على نطقه ومفرداته وتراكيبه تأثيراً كبيراً. وقد ينشأ سوء تفاهم مراراً، لكن مع التكرار وإعادة صياغة العبارات يستطيع المحاور المتعاطف المعتاد على التعامل مع الناطقين بغير لغته فهم كلامه.

المتوسط الأدنى

 إن نطقه ومفرداته وتراكيبه النحوية متأثرة بشدة بلغته الأولى، ويفهمه عموما المتحاور المتعاطف خصوصا المعتاد على التعامل مع غير الناطقين باللغة.

المتوسط الأوسط

بالرغم من النواقص في المفردات والنحو والنطق، فهو يُفهم من المتحاور المتعاطف  والمعتاد على التعامل مع غير الناطقين باللغة.

المتوسط الأعلى

يمكن أن يفهم المتوسط الأعلى عموما الناطقون باللغة من غير المعتادين على التعامل مع غير الناطقين بها، وإن كانت مظاهر اللغة الأولى لا تزال واضحة (تطعيم الكلام باللغة الأولى).

المتقدم الأدنى

يشارك المتقدم الأدنى بالحوار بسلامة لغوية كافية ووضوح ودقة في نقل الرسالة المقصودة دون تحريف أو تشويش. ويمكن للناطقين باللغة غير المعتادين على التعامل مع غير الناطقين بها أن يفهموه.

المتقدم الأوسط

يتناول المتقدم الأوسط عددا من المواضيع المألوفة في حواراته مناقشا إياها بالمحسوس وبدقة لغوية ووضوح معتبرين وينقل أفكاره ومقصِده دون تحوير أو تشويش. يفهمه بيسر الناطقون باللغة ممن لم يعتادوا التعامل مع غير أبنائها.

المتقدم الأعلى

يبدي عادة طلاقة عالية ويسرا في الكلام، ويستخدم التنغيم لإثراء المعنى.

المتفوق

قد يوجد في الكلام في هذا المستوى لكنة أعجمية.

المتميز

يتواصل الناطق في المستوى المتميّز مع الآخرين بلغة تتحلى بالدقة اللغوية والطلاقة.

ومما ينبغي أن يعرفه مدرس النطق ما يلي:

- معرفة مخارج الأصوات وصفاتها، وحركات الشفتين وباقي أعضاء الوجه.

- معرفة بالحروف الصحيحة والصامتة والحركات القصيرة والطويلة والمظاهر الصوتية التطريزية الأخرى المتعارف عليها في علم الأصوات والمخارج.

- القدرة على التبنؤ بالأخطاء والصعوبات التي قد يقع فيها المتعلم وموجبات ذلك، وكيفية التعامل معها وتجاوزها.

- امتلاك تصورات نظرية وواقعية لكيفية تدريس الأصوات والنطق بها نطقاً سليماً صحيحاً.

- توظيف الحواس الخمس في تدريس النطق ودراسته خاصة اللمس.

- التأكيد على التدريس العملي التطبيقي للنطق وليس الشرح والتلقين والمحاضرة.

- مساعدة الدارسين على توظيف مبادئ التعلّم الذاتي.

- معرفة طريقة تحديد مخرج كل حرف، وتقوم على أربع خطوات هي:
أولاً: تسكين الحرف أو تشديده بْ بّ.

ثانياً: إدخال همزة قطع على الحرف.

ثالثاً: تحريكه بأي حركة بالكسر أو الفتح أو الضم أَب إب أُب.
رابعا: نطق الحرف وحيث ينقطع الصوت يكون مخرج الحرف، فمثلا أب ينتهي فيه الصوت عند الشفتين، أح ينقطع الصوت في وسط الحلق، وأأ ينقطع الصوت في أقصى الحلق، وهكذا دواليك.

ومن طرائق إتقان النطق للأصوات العربية بعد الكتاب ونشاطات المعلم:

-          استخدام المرآة في تدريس النطق ومراقبة طريقة إنتاج الأصوات.

-          تدريس الأصوات وإنتاجها متصلة ومنفصلة. وتكمن أهمية هذا النشاط في أنه يمكن من ملاحظة تأثير الأصوات الأخرى على الصوت موضع الدرس. تخيلوا معي فقط نطق اللام متصلة ومنفصلة.

-          الاهتمام بالثنائيات الصغرى والكبرى.

-          توظيف الأغاني في النطق.

-          إحضار نماذج متعددة لنطق المظاهر الصوتية المطلوبة لإدارك حدودها وأبعادها، كصوت طفل وطفلة وشاب وشابة ورجل وامرأة وكهل وعجوز.

-          تدريب الدارسين على وصل الكلام وفصله.

-          الاستماع التأملي للراديو أو التلفزيون أو للناطقين بالعربية.

-          الاستماع إلى الكتب والنصوص المسجلة.

-          الحديث مع النفس بصوت عالٍ: قفا نبك...

-          استخدام مواقع إنتاج الأصوات على  الشابكة.

وهذه دعوة مني إلى الباحثين لكي يقوم أحدهم بكتابة رسالة علمية في توصيف مهارة النطق وتخطيطها عبر المستويات اللغوية المختلفة للناطقين بغير العربية.