التوجيه التعليمي اللغوي الآخر الذي يمكن أن نستخرجه من بين سطور الآية 22 من سورة الروم التي قال فيه تبارك وتعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ" والذي يمكن أن نطبقه في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى هو كيف نتخذ موقفا صحيحا من توظيف الترجمة أسلوبا تعليميا خاصة في شرح معاني الكلمات.
إن الاختلاف بين الألسنة الذي أشارت إليه الآية يوحي بأن لكل لغة خصائصها وطبيعتها التي تنفرد بها وتتميز بها عن غيرها خاصة في نظام تكوين المعنى. وعلى هذا الأساس فمن الصعوبة -إن لم يكن من المستحيل- أن نترجم لغة إلى أخرى ترجمة يتم من خلالها نقل المعنى بصورة دقيقة وشاملة. ومما يدل على ذلك ترجمة الأفعال العربية "جلس، وأكل، وشرب" إلى اللغة الإندونيسية بالأفعال " “ Duduk, Makan, Minum كما اعتاد وشاع ورودها في كتب تعليم العربية للإندونيسيين. فهذه الترجمة لم تنقل المعنى نقلا دقيقا وشاملا حيث إنها تنقل معاني الأفعال من حيث الحدث فقط ولا تنقل معانيها من حيث الزمن والفاعل.
هذا النقل الناقص للمعنى يرجع إلى الاختلاف الموجود بين اللغتين وهو أن الأفعال العربية تتعين فيها عناصر المعنى الثلاثة وهي الحدث والزمن والفاعل، في حين لا يتعين في الأفعال الإندونيسية إلا عنصر واحد من هذه العناصر الثلاثة وهو الحدث. فعندما تُرجم الفعل العربي إلى اللغة الإندونيسية اختفى منه بعد الترجمة زمنه وفاعله ولم يبق منه إلا معنى الحدث. فالكلمة الإندونيسية " Duduk" التي ترجمت إليها الكلمة "جلس" لم يتضح فيها متى حدث الجلوس ولا من قام به.
وإلى جانب نقلها الناقص للمعنى فإن للترجمة قصورا آخر من الناحية التعليمية وهو ضعف فعاليتها في توصيل المعنى وتخزينه في ذاكرة الدارسين؛ إذ إن الكلمات التي يتم تقديمها للدارسين من خلال عملية الترجمة لا يرسخ معناها في ذاكرتهم ولا يدوم طويلا، بل يعد شرح المعنى بالترجمة يخالف مبادئ تعليم اللغة اتصاليا ولا يتماشى مع كون اللغة رموزا. إن الكلمات رموز ترمز إلى غيرها، فالذي يجب شرحه في تعليم معاني الكلمات هو ما ترمز إليه الكلمة وليس الرمز ذاته. فترجمة الكلمات العربية "مدرسة، وسبورة، ومسطرة" مثلا إلى الكلمات الإندونيسية " Sekolah, papantulis, penggaris " هي في الحقيقة نقل الرموز بين اللغتين أي نقل الرموز العربية إلى ما يقابلها من الرموز الإندونيسية.
أشارت نظريات تعلم اللغة النفسية إلى أن تقديم معاني الكلمات من اللغة المدروسة إلى لغة الدارسين من خلال الترجمة أو من خلال وضع المقابل الدلالي لها لن يدوم طويلا في ذاكرة الدارسين؛ لأن المعنى المنقول يخزنه الدارس عن طريق الحفظ لا الفهم والإدراك. ورسوخ مثل هذا المعنى ضعيف في أغلب الأحيان لأن عملية توصيله وتخزينه تخلو من العوامل الموضحة ليس فقط لعملية تكوين المعنى وإنما أيضا للمعنى ذاته. فعندما تترجم الكلمة العربية "مسطرة" إلى الأخرى الإندونيسية "Penggaris" فما على الدارس إلا حفظها من دون أن يعرف لماذا تعني الأولى الثانية وكيف يتكون المعنى عند الأولى حتى تعني الثانية.
انطلاقا مما سلف بيانه من عيوب الترجمة واستنادا إلى التوجيه التعليمي اللغوي المشار إليه في الآية السابقة فعلى معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى أن يطرحوا الترجمة جانبا في عملية شرح معاني الكلمات ويفضلوا عليها الأساليب التالية:
- تقديم ما تعنيه الكلمة لا ما يقابلها في لغة الدارسين فلا يُشرح معنى الكلمة بترجمتها إلى كلمة أخرى في لغتهم وإنما بالإشارة التوضيحية إلى الأشياء التي تدل عليها.
والإشارة التوضيحية أنواع منها الإشارة المباشرة وهي التي توضح معاني الكلمات مثل: السبورة، والممسحة، والكرسي، وغيرها من الأشياء الموجودة عادة في حجرة الدراسة.
ومنها الإشارة المرئية وهي التي تستخدم لتوضيح معاني الكلمات مثل: السيارة، والجبل، والفيل، وغيرها من الكلمات الدالة على الأشياء التي لا يمكن إحضارها ولكن يمكن التعرف عليها من خلال الصور.
ومنها الإشارة السمعية وهي التي تستخدم لتوضيح معاني الكلمات الدالة على الصوت مثل: البكاء، والضحك. - تعليم معاني الكلمات من خلال السياق الموضح له. والسياق الموضح قد يكون على تركيب الإضافة وهو إضافة الكلمة المراد تقديمها إلى كلمة أخرى تعطي دليلا على معناها. مثال ذلك شرح معنى كلمة "معبد" للدارسين الإندونيسيين بإضافتها إلى اسم أحد المعابد المشهورة في إندونيسيا مثل: "معبد بوروبودور" و "معبد برامبانان".
وقد يكون السياق الموضح جملة تتكون من الكلمة المراد تعليمها مع كلمات أخرى توضح معناها، مثل توضيح كلمة "عاصمة" بالجملة: جاكرتا عاصمة إندونيسيا وكوالا لومبور عاصمة ماليزيا. - تعليم معاني الكلمات بمراعاة ما تحويه من زمن وفاعل. إن الزمن والفاعل الكامنين في صيغة الفعل من خصائص اللغة العربية، وعليه يجب مراعاة هذين البعدين الدلاليين في شرح معاني الأفعال العربية. ومثال ذلك شرح معنى كلمة "بدأ" من خلال السياق التالي:
- بدأ الدرس قبل ساعة.
- يبدأ الدرس بعد ساعة.
- بدأت المحاضرة قبل ساعة.
- تبدأ المحاضرة بعد ساعة.
وجدير بالتنبيه هنا أنه مع عيوب الترجمة وضرورة توظيف غيرها من الأساليب في شرح معاني الكلمات فإن هناك بعض المواقف التعليمية التي تسمح للمعلم باللجوء إليها واتخاذها بديلا لا مفر منه في شرح المعنى.
ومن تلك المواقف أن يتعرض المعلم لكلمات مجردة تعجز كل الأساليب عن توصيل معانيها، أو أن يرى أن رصيد الدارسين اللغوي لا يمكنهم من فهم تلك الكلمات بغير الترجمة، أو إذا رأى أن شرحها بغير الترجمة لن يكون فعالا أو يستغرق وقتًا أكثر مما ينبغي.
ففي مثل هذه المواقف يمكن أن يوظف المعلم أسلوب الترجمة ويتخذها بديلا أخيرا في شرح المعنى.