تعليم العربية للناطقين بغيرها جسر للتواصل الحضاري
اللغة العربية هُوية العربي وعنوانه الحضاري، وهي أداة الدراسة والتعليم عبر مراحله المختلفة، وهي منصة التفكير وأداته، وهي حاملة الحضارة وحاضنتها، وهي مرآة المجتمع فكرياً وعلمياً واجتماعياً وذروة سنامه. وتنماز العربية بأنها إحدى أهم مقومات الحضارة العربية الإسلامية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بعقيدة الأمة وشخصيتها، وكينونتها؛ خاصة أن اللغة تؤدي دورها الفعّال في قولبة فكر الفرد وتنظيم تجربة المجتمع على حدّ قول سابير. وهي أي اللغة وسيلة فهم الآخر بلا شك، فمن امتلك لغة كوّن تصوراً واحداً للعالم وَمن امتلك لغتين أضحى له رؤيتان للعالم.
وقد لعبت الحضارة العربية الإسلامية دوراً كبيراً ومهماً في التاريخ الإنساني وبناء حضارته وفي التواصل الإنساني مع باقي شعوب العالم وحضاراته في العصور الوسطى حين كانت قبلة للدارسين، حيث وُضع بها أشهر كتب الطب والعلوم والموسيقى والآداب وغيرها.
ولا يخفى على أحد الضعف والوهن الذي أصاب العالم العربي والإسلامي الحديث في مناحيه المختلفة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث أضحى فريسة سائغة للعولمة والتكتلات السياسية والاقتصادية العالمية العابرة للقارات، كما أضحى صوته خافتاً في المحافل الدولية والمؤسسات العالمية، وإن الأمل ليحدونا في أن يعود للغة مجدها ودورها في النهضة من جديد، ولعل هذه الطفرة التي يشهدها مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها من تطور وازدهار تبشر بعودة ألق العربية وكونها الجسر الذي يشيد العلاقات الجديدة بين شعوب العالم ودوله.
ولعل من أهم إنجازات مضمار تعليم العربية للناطقين بغيرها عبر مئات الآلاف من الدارسين في برامجها تغيير الصورة النمطية السّلبية التي شكلها الغرب عن العالم العربي والإسلامي وقاطنيه، ناهيك عن زيادة الوعي بالمنطقة وتاريخها وقضاياها التي بدأت تستحوذ على اهتمام شعوب العالم الغربي، وتحظى بتأييده، وظهور البون الواسع بين واضعي السياسة وممارسيها وبين أفراد الشعوب الغربية، ولعل هذه المظاهرات واللقاءات والندوات والمؤتمرات التي تظهر تترى تنبئ بهذا التغيّر في الرؤى والفكر. وكم من سياسي واقتصادي ورجل فكر يتولى زمام الأمور في بلده انخرط ببرامج تعليم العربية للناطقين بغيرها ثم بدأ يسعى نحو تغيير معتقدات بلاده نحو الشرق الأوسط وقضاياه، وأضحى يفرق بين نظام الحكم والشعب.
والعربية للناطقين بغيرها جسر حقيقي للتواصل الإنساني والحضاري، فهي المعبرة عمّا يؤمن به العرب من أفكار ومعتقدات ورؤى وعادات وتقاليد، وهي حاملة الثقافة العربية الإسلامية وناقلتها عبر الكتب والأفلام والأغاني والموسيقى.
وقد شهدت العربية إقبالا منقطع النظير خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث زاد نموها عن 150% مقارنة باللغات الأخرى. وأضحت البرامج نوعية على درجة عالية من الإتقان في ظل تراكم الخبرات والتجارب الناجحة في تعليمها. وقد أضحى تعلمها لدى بعض البلدان والشعوب العالمية ذا أولية قصوى سواء أكان لأسباب دينية أو سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو سياحية. وهي بلا ريب توفر فرصاً أكثر لمن يتقنها.
وكما أن العربية وحضارتها مهمة وملهمة للعرب، فإنها مفيدة للغربيين لكونها اللغة الخامسة الأكثر شيوعاً واستخداماً في العالم حيث يتحدثها أكثر من 350 مليون نسمة في 22 دولة عربية ناهيك عن متحدثيها في الدول الإسلامية، كما أنها لغة الدين الإسلامي ولا يمكن بأي حال من الأحوال فهم الإسلام فهماً حقيقياً دون العربية، كما أضحى تعلم العربية ميزة إضافية في السيرة الذاتية للغربي بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة وانفتاح العالم العربي والإسلامي على الغرب والعكس، في ظل التبادلات التجارية والشركات العالمية العابرة للقارات.
والعربية هي اللغة الخامسة في الأمم المتحدة، وقد تم اختيارها مؤخراً ضمن أهم عشر لغات في العالم في المملكة المتحدة. وكثيراً ما عبر متعلمو العربية من الناطقين بغيرها عن سعادتهم بعد خوض هذه التجربة التي كانت ماتعة في نفسها ومفيدة في خارجها، حيث يعمل تعلمها على خلق مزيد من الفرص في التنمية الذاتية للشخص ناهيك عن فرص العمل والاحتكاك والتواصل الحقيقي مع أفراد العالم العربي. إن أهم ما حققه تعليم العربية للناطقين بغيرها تصحيح الفهم الملبس لدى قاطني العالم الغربي حول العرب والمسلمين.
ومن جميل الطالع أن نسمع في كثير من المؤسسات الأكاديمية الغربية دعوات إلى دراسة العربية وتعلّمها، والتشجيع عليها، عبر إلقاء الضوء على بعض منافع ذلك، ومما يذكره هؤلاء:
- التميز في المجال الأكاديمي عبر إتقان لغة عليها إقبال منقطع النظير ولها منزلتها ومكانتها المحلية والإقليمية والدولية.
- إتقان لغة يتحدثها أكثر من 22 بلداً في العالم ناهيك عن البلاد الإسلامية الأخرى.
- بناء خبرات حيوية عبر العيش في البلد الذي تتعلم فيه العربية لا يملكها مَن تخصص فيها دون زيارة أحد بلدانها والاطلاع على الحياة فيه.
- فهم أعمق وأدق لثاني أكبر دين في العالم.
- فهم أعمق للثقافة العربية.
- القيام بدور السفير للبلد الغربي في العالم العربي.
- فرص أكبر للحصول على وظيفة.
أمّا لماذا يجب أن ندرّس عربيتنا وننشرها في كل أرجاء المعمورة؟ فهو بسبب أنها لغتنا التي تعبر عن هويتنا وحضارتنا وثقافتنا وتعرض رؤيتنا من المصادر الصحيحة الموثوق بها. إنّ اللغة هي أفضل وسيلة للتقريب بين الشعوب، بل إن تأثيرها يكاد يفوق قوة الصواريخ والأسلحة الفتاكة. فلنسع إلى نشر لغتنا وثقافتها عبر تطوير طرائق تدريسها ومناهج تعليمها وأساليب تقويمها للناطقين بها وبغيرها على حدٍّ سواء.