تعد الترجمة في التعليم التقليدي للغة العربية لغة أجنبية من أفضل الأساليب التي كاد المعلمون لا يعرفون غيرها. وشاع يومها استعمال ما يسمى بطريقة النحو والترجمة التي من أهم ملامحها ترجمة النصوص العربية إلى لغة الدارسين مع بيان ما فيها من التراكيب النحوية.
وكان التعليم على هذه الطريقة يسير بشكل سلبي بحيث ينحصر دور الدارسين على الاستماع إلى ترجمة المعلم للنصوص وشرحه لما فيها من التراكيب النحوية ثم تسجيلها في كراساتهم ولا يتدربون على أقل قدر من الاتصال اللغوي الشفهي. ونتيجة مثل هذا التعليم انحصار كفاءة الدارسين في الإلمام بالنحو والقدرة على الترجمة وذلك على حساب المهارات الاتصالية اللغوية الأخرى وهي الاستماع والكلام والكتابة.
ولما تغيرت اتجاهات تعليم اللغات الأجنبية إلى المهام الاتصالية ظهرت طرائق تعليمية كثيرة ردا على طريقة النحو والترجمة واتجاهاتها الترجماتية. ولعل أبرز تلك الطرائق الطريقة المباشرة والطريقة السمعية الشفوية اللتين دعا أنصارهما في المقام الأول إلى تحرير عملية تعليم اللغات الأجنبية من قيد الترجمة. ورأى هولاء أن طريقة النحو والترجمة لا تتماشى مع أبرز طبيعة للغة وأهم مبادئ تعليمها وهو أن اللغة اتصال ويجب أن يكون تعليمها وتعلمها لأجل الاتصال ولمآرب اتصالية.
فعلى ذلك دعا المعنيون بتعليم العربية لغة أجنبية والمنشغلون فيه إلى الاستغناء التام عن الترجمة واللغة الوسيطة وشجعوا على تدريب الدارسين الأجانب على التفكير باللغة العربية وإكسابهم مهاراتها الاتصالية. فبدلا من الترجمة يتكلم المعلمون باللغة العربية ويستعملون من الوسائل والأساليب ما يساعدهم على توضيح المعنى وإيصاله للدارسين. وأهم ثمار مثل هذا التعليم أن يعيش الدارسون أثناء تعلمهم اللغة العربية جوا لغويا يساعدهم على إجادتها سياقيا واستعمالها اتصاليا.
ولكن مع ذلك وعلى الرغم من شيوع هذه الاتجاهات الاتصالية الحديثة وإشارة نتائج الدراسات العلمية إلى ضعف فعالية تعليم اللغة من خلال الترجمة والشرح النحوي فإن طريقة النحو والترجمة لم تزل لها مكانها في تعليم اللغة العربية حيث يلجأ إليها غير قليل من المعلمين وتتبناها المناهج التعليمية في كثير من برامج تعليم اللغة العربية في الدول الأجنبية. ولعل أهم ما يختفي وراء ذلك هو عامل تدني الكفاءات الاتصالية للمعلمين الذين كان معظمهم قد نشؤوا وتدربوا في تعلم اللغة العربية على التعليم اللغوي المركز على معالجة النصوص من خلال الشرح النحوي المترجم. وذلك إلى جانب الاتجاه السلبي في عموم برامج تعليم اللغة العربية ذاتها وهو الاتجاه الذي يركز على مهارة قراءة النصوص دون العناية بالمهارات الشفوية الاتصالية.
وأهم ما يترتب على ذلك أن يعجز دارسو اللغة العربية عموما عن إجادتها اتصاليا وتنحصر حصيلتهم اللغوية في المعرفة اللغوية وهي الإلمام بالنحو والصرف. وعليه تنحصر معاملتهم مع اللغة العربية على قراءة النصوص وترجمتها ولا تتجاوز ذلك إلى مرحلة التكلم بها والكتابة بها وهذا مما يكوّن الانطباع بأن العربية لغة صعبة لا تربو إجادتها على فهم نصوصها والإلمام بقواعدها وأنها ليست لغة اتصالية يمكن التواصل الشفوي بها في الحياة اليومية.
لماذا أدت الترجمة بالتعليم إلى هذه السلبيات وكيف؟ هناك نظريات كثيرة تجيب عن هذا السؤال لعل أهمها كون الترجمة تغلق باب المحاكاة التي هي أساس اكتساب اللغة وتعلمها. النظريات النفسية اللغوية تؤكد أن المتعلم يمارس اللغة التي يتعلمها على أساس ما يرى ويسمع ممن حوله. كلما يرى أحدا يقوم بالأداء اللغوي ويستمع إلى ما يصدر منه من كلام يفترض من ذلك افتراضا لغويا يقوم به في موقف لغوي مماثل في وقت آخر. أي بكلمة أدق فإن أداء المتعلم اللغوي عبارة عن محاكاته لأداء غيره. كل هذا يعني أن المعلم المترجم الذي يفضل تعليم العربية باللغة الوسيطة يغلق باب المحاكاة ويحرم المتعلم من إجادتها كما ينبغي.
إلى جانب ذلك فإن الترجمة تقلل ما يستحقه المتعلم من التعرض اللغوي وما يحتاج إليه من فرص ممارسة اللغة. اللغة سلوك وتستحيل إجادتها إلا بكثرة الممارسة ودوامها. إذا أتيح للمتعلم ما يكفي من الفرص ليعيش مع اللغة العربية ويتعرض لها في حجرة الدراسة فسيجيدها بكل تأكيد. أما إذا تكلم المعلم باللغة الوسيطة وترجم المحتوى العربي المراد تعليمه فستضيع فرصة التعرض للغة العربية في حجرة الدراسة ويتعذر على المتعلم إجادتها.
والترجمة كذلك تؤدي إلى التعليم غير الدقيق ولا تعوّد المتعلم على التفكير باللغة والانفعال بها. إنه من سنة الله تعالى أن تكون اللغات تختلف فيما بينها لما تتميز به كل منها من خصائص اجتماعية وثقافية فلا يمكن ترجمة كل المعانى أو الأفكار التي تحملها لغة إلى لغات أخرى بصورة سليمة ودقيقة. فإذا أصر المعلم على ترجمة تلك المعاني والأفكار تعذر على المتعلمين التفكير باللغة الهدف ومالوا إلى فهمها على نظام المعنى والقيم الثقافية الاجتماعية في لغتهم.
ولكن مع تلك السلبيات فإن الترجمة لها مكانها وفعاليتها في مواقف معينىة ومحددة من عملية تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها منها في قياس فهم المقروء. فلأجل معرفة مدى فهم المتعلمين للنصوص العربية المقروءة يمكن للمعلم أن يدربهم على ترجمتها إلى لغتهم على أن يكون الهدف من ذلك اكتشاف مدى نقل الأفكار في ترجمة المتعلم وليس دقة لغته وصحة تعبير ه في الترجمة.
ومن إيجابيات الترجمة أنها أيضا تصلح الاستعانة بها كخيار بديل في شرح معاني الكلمات أو العبارات العربية الصعبة التي إذا أصر المعلم على شرحها باللغة العربية استغرق ذلك كثيرا من زمن الحصة التعليمية. إن اللجوء إلى الترجمة في مثل هذه المواقف ليس عيبا تعليميا بل يزيد التعليم فعالية.
خادم لغة القرآن الكريم
نصر الدين إدريس جوهر
الجامعة الإسلامية الحكومية سونن أمبيل بإندونيسيا