مفاهيم غير صحيحة عن تعلم اللغة العربية

الدكتور إسلام يسري علي

جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية

الناس يحتاجون العربية لفهم الدين فقط

اللغة العربية لغة 400 مليون عربي تقريبا، وفي البلاد العربية نصف إنتاج البترول والغاز الطبيعي العالمي وقرابة نصف الاحتياطي العالمي منهما أيضا. حجم السياحة العربية لتركيا وحدها يبلغ ثلاثة ملايين سائح سنويا، واستثمارات العرب في تركيا في المجال العقاري – فقط- قرابة 10 مليار دولار أمريكي. لتركيا سفارات في أغلب الدول العربية والعكس، ومن ثم فهذه الكتلة البشرية "العرب" لهم مصالح حياتية ويمكن لمتعلمي العربية العمل حول تلك المصالح، ومن ثم فيمكنك أن تتعلم العربية لفهم العلوم الإسلامية وفي الوقت نفسه تتعلم العربية للعمل في المجال التجاري أو الإعلامي أو السياحي أو الدبلوماسي أو السياسي... إلخ.

العربية المعاصرة ليست مهمة لأننا نتعلم العربية لفهم العلوم الإسلامية
العلوم الإسلامية ليست علوما جامدة، بل هي علوم متطورة لأنها تتعامل مع البشر، والشريعة جاءت لشرح وضبط عبادات الناس ولتنظيم حياتهم ومن ثم فالإسلام ليس دينا جامدا، وهناك دائما قضايا مستجدة تحتاج لمن يفهمها ويدرسها وهذه القضايا لن تجد حلولها في الكتب التراثية فقط، فكيف ستبحث قضايا مثل "الاستنساخ" أو "الخلايا الجذعية" أو "أطفال الأنابيب" أو "الرهن العقاري" أو "التسويق الشبكي" أو "بطاقات الائتمان" دون أن تقرأ وتفهم طبيعة تلك القضايا وتسمع آراء العلماء المعاصرين ومنهم عرب وغير عرب واللغة المشتركة بين هؤلاء هي العربية المعاصرة؟

ومن ثم فإذا كنت ممن يتعلمون العربية لفهم العلوم الإسلامية فستحتاج لأن تتعلم العربية المعاصرة والعربية التراثية أيضا.

كلما كان الكتاب قديما كان أكثر ملاءمة لتعلم اللغة
أرى كثيرا من الطلاب يبحث دائما عن الكتب القديمة ليتعلم منها ظنا منه أنه كلما كان الشيء قديما كان أقرب للصواب، وبعض الطلاب يكون له شيخ في بلاده -غير العربية- فيرشده الشيخ للذهاب للبلاد العربية ويرشح له كتابا قديما في النحو ليدرسه في ذلك البلد العربي، ويقطع الطالب آلاف الأميال ليتعلم ذلك الكتاب، وينفق ماله ووقته ظنا منه أنه يتعلم اللغة وفي النهاية يرجع إلى بلاده دون أن يفهم ذلك الكتاب أو يتعلم العربية.

وأذكر أنه جاءني ذات مرة أحد الطلاب من وسط آسيا ومعه كتاب على هامشه حاشية وتحت الحاشية شرح، وهذا النظام في كل صفحة من صفحات الكتاب، وطلب الطالب أن ندرس له هذا الكتاب في المركز هو وزملاؤه، فقلت أعطني الكتاب ولما رأيته رجعت بالذاكرة إلى سنوات الدراسة في الجامعة، حيث كنا ندرس "عن" هذا الكتاب، فقد كان أحد مراحل تطور علم البلاغة، أي أن هذا الكتاب لا يمثل الصورة النهائية لعلم البلاغة، فقد جاء بعده اجتهادات أخرى حتى تكامل شكل علم البلاغة العربية الشائع الآن.

فسألت الطالب: ما سبب رغبتك أنت وزملاؤك في دراسة هذا الكتاب؟

فأجاب: في بلادنا لا يعتبر الإنسان عارفا بالعربية إذا لم يدرس هذا الكتاب.

فقلت: هل الناس في بلادكم يعرفون العربية؟

فأجاب: لا.

فقلت: إذن، من الذي وضع تلك القاعدة؟

فقال: كانت هذه الفكرة موجودة قلب الثورة الشيوعية "1917" واحتلال بلادنا، وعندما سقط الاتحاد السوفيتي وعادت بلادنا للحرية وتذكر الناس أنهم مسلمون عادت تلك الفكرة مرة أخرى .

هذا الموقف يعبر عن حال كثير من الطلاب الذين يرون أن الكتب القديمة هي الطريق الأصوب للوصول للغة العربية.

ولا يظن القارئ أنني ضد التراث، ولكن لابد أن نعرف أن العديد من كتب التراث هي مراحل لتطور العلوم الإسلامية والعربية وليست هي الصورة شبه النهائية التي اتفق عليها العلماء في العصور التالية.

كما أن هذه الكتب كتبت في عصور كان أميز من فيها الأدباء والخطباء العرب، أي أن المؤلف كان يكتب لأمة تتنفس باللغة العربية، ومن ثم فلم يكن يضع في اعتباره أن هذه الكتب سيتعلم منها طالب لا يتقن العربية كأهلها، كما أن العديد من الألفاظ المستخدمة لم يعد يستخدم في حياتنا المعاصرة وأسماء ما بها من بلاد تغير كثير منها، بل إن بعض الأحوال التي يتحدثون عنها ليس موجودا الآن مثل أوضاع العبيد والإماء.

وخلاصة هذه النقطة -التي أطلت فيها لأهميتها- أننا ينبغي أن ندرس العربية من الكتب التي أعدت لتعليم العربية لغير العرب، والتي روعي فيها روح العصر وأساليبه، وعندما نتمكن من هذه الكتب نبدأ في قراءة الكتب الدينية الموجهة للأطفال لأنها سهلة الألفاظ وتتضمن بعض الألفاظ التراثية وقليلة الصور البلاغية المركبة فإذا استوعبناها انتقلنا لما بعدها وهكذا حتى نصل للكتب التراثية، ولكن لابد أن نعرف ما يستخدم من ألفاظ التراث في الحياة وما لا يستخدم حتى لا نقع في أخطاء أثناء تعاملنا مع العرب.

من تعلم القواعد تعلم اللغة
إن قراءتك لكتاب حول قواعد المرور لا يعني إطلاقا أنك تستطيع أن تقود سيارة، وإدارتك لمحرك السيارة والتحرك بها للأمام والخلف لا يعني أنك تستطيع أن تتنقل بها بين السيارات الأخرى .

وهكذا النحو، فهو أداة للصحة اللغوية، وليس هو اللغة، لقد قابلت عديدا من الطلاب قضوا مئات الساعات في دراسة النحو العربي ظنا منهم أنهم يتعلمون العربية، وفي النهاية عند أول حوار مع شخص عربي يكتشفون أنهم تعلموا "عن" اللغة ولم يتعلموا اللغة.

ومن ثم فإن الدارس لابد أن ينظر للغة على أنها مهارات وثقافة وأفكار ومفردات وتعبيرات وكل هذه المكونات يضبط العلاقة بينها علوم الصرف والنحو والبلاغة.

احفظ القاموس تتعلم العربية
قابلت كثيرا من الطلاب نصحهم آخرون بحفظ  القواميس، والقاموس عادة يتضمن مفردات ومترادفات عديدة، وفي الحياة بعض هذه المفردات شائع وبعضها أقل شيوعا وبعضها غير شائع ولا يعرفه إلا الخبراء، ومن ثم ففكرة حفظ المفردات من القاموس غير سليمة.

وكذلك تجد بعض الناس يحمل قوائم مفردات ويحفظها ظانا أنه هكذا يزيد من ثروته اللغوية، وهذا السلوك قد يكون صحيحا إذا كانت هذا المفردات شائعة، وإذا كانت في سياق، لأن السياق هو الذي يعطي للكلمة معناها، مثلا كلمة "ساعة" في العربية يمكن أن يكون لها عدة معان.

فلو قلت: الساعة الثالثة -عندي ساعة جديدة -انتظر ساعة -علم الساعة عند الله، فمعنى كلمة "ساعة" يختلف من جملة لأخرى.

ولو قلت: أحسّ بألم في عيني -هذه القصيدة من عيون الشعر العربي -هذا الرجل عين -هناك عين قريبة، فمعنى كلمة "عين" يختلف من جملة لأخرى، فهي في الجملة الأولى عضو من أعضاء الجسم، وفي الثانية تعني أفضل الشعر وأشهره، وفي الثالثة تعني أن هذا الرجل جاسوس، وفي الرابعة استعملت بمعنى البئر.

ومن ثم فإذا أردت أن تحفظ قوائم مفردات فلابد أن تكون هذه القوائم مرتبطة بموضوع معين حتى يكون معناها محددا وواضحا كقائمة كلمات "العبادات" مثلا أو قائمة كلمات "السفر" أو كلمات "الأمراض" ... إلخ.

كلما كان الكلام صعبا كان فصيحا
أذكر أنه كان لديّ طالب يحمل دائما قاموسا عربيا – تركيا، وكان إذا كتب موضوعا في الإنشاء سمعت ألفاظا غريبة، وإذا سألتَ عن مرادف كلمة سمعت ألفاظا أغرب.

ولما تقصيت الأمر وجدته يحفظ القاموس، بغض النظر عن كون الكلمة مستخدمة أم لا، وكان يحفظ الكلمات بعيدا عن سياقاتها ويأتي بالكلمة غريبة وفي سياق أغرب.

وكان يعلل ذلك بأنه يفهم أن الفصاحة هي استخدام الكلمات التي لا يفهمها الناس العاديون.

وفي الحقيقة أن هذه المشكلة ليست خاصة بهذا الطالب فحسب، ولكنها مشكلة العديدين، الذين يظنون أن البلاغة مرادفة للصعوبة.

وهذا الفهم يخالف الصواب؛ لأن البلاغة كما عرفها العرب هي "مطابقة الكلام لمقتضى الحال" أي أن يكون الكلام الذي تقوله مناسبا للظرف الذي تتحدث فيه من طبيعة الموضوع والموقف والشخص المستمع وعلاقتك به، فإذا راعى كلامك كل هذه الظروف كنت بليغا، وإذا كان العكس فإنك لست بليغا.

أيُّ عربيٍّ يمكنه أن يعلِّم العربية
تعليم العربية للناطقين بغيرها تخصص مثله مثل أي تخصص، فكما أنه ليس كلّ شخص صالحا لمعالجة مريض أو لبناء بيت، فكذلك ليس كلّ عربي صالحا لتعليم اللغة العربية، ولا يمكن أن يكون أيّ مدرس يعلّم العربية لغة أولى قادرا على أن يعلم العربية للناطقين بغيرها، فطرق تدريس اللغة الثانية تختلف عن طرق تدريس اللغة الأولى، وكذلك كتبها واختباراتها، وجمهورها من المتعلمين.

ومن ثم فإذا أردت تعلّم اللغة العربية فابحث عن معلم يتقن العربية وينطقها نطقا سليما وينبغي أن يكون قد درس علوم العربية بشكل جيد من نحو وصرف وبلاغة وأدب وتعلّم كيف يعلمها للناطقين بغيرها. 

تعلم العربية تفهم القرآن مباشرة
كل لغة فيها مستويات للأداء اللغوي، فمستوى لغة الفلاسفة بالتأكيد يختلف عن مستوى لغة الباعة المتجولين، ومستوى لغة الأديب يختلف عن مستوى لغة تاجر الملابس، ومستوى نص مكتوب منذ خمسائة سنة يختلف عن لغة نص مكتوب منذ خمسين سنة ويختلف عن مستوى لغة اليوم. ولكن من مزايا اللغة العربية أن المشترك بين القديم والحديث كثير.

إن القرآن هو أعلى مستوى لغوي عربي، وهناك كثير من الصور البلاغية والتراكيب النحوية والمفردات التي تحتاج لمستوى لغوي مرتفع حتى تستطيع أن تفهمها.

ولذلك أنصح أي متعلم يهدف من تعلمه إلى فهم القرآن باللغة العربية، أن يبدأ ذلك بعد الانتهاء من المستوى B1  على الأقل؛ لأن معظم البرامج والكتب تركز على تعلم العربية للحياة وهي تلتقي مع القرآن في مفردات وتراكيب لكن لا تكفي لفهم لغة القرآن.

مدونات سابقة