إلى أي حد ينبغي على العاملين في مضمار تعليم العربية للناطقين بغيرها التواضع، وعدم الفخر بأن مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها أضحى أكثر رؤية وتنظيماً، وأتقن صناعة، وأبهى حلةً، وأجود تدريساً، وأمهر أساتذة وأرقى تنظيماً، وأغزر مادةً وأبين نتيجة، وأكثر اهتماماً وتدريباً من تعليم العربية للناطقين بها؟
ألم يحقق مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها خطوات كبيرة وقفزات إيجابية على صعيد وضوح الأهداف ووضع الخطط، والمناهج الدراسية، وطرائق التدريس الحديثة، وتأهيل المعلمين، والتقويم؟
ألم توفر الأطر العالمية التي اعتمد عليها تعليم العربية للناطقين بغيرها تصورات علمية دقيقة إلى حدٍ ما في اختيار النصوص ودرجة تعقيدها ومناسبتها للمستويات، ناهيك عن المفردات المناسبة للمستوى وعددها، وماهيتها، عدا عن الرؤية في توزيع الموضوعات النحوية والصرفية في مقابل الاختلاف الشديد في انتماء النصوص للصفوف في مجال تعليم العربية للناطقين بها.
ألا ترون أن نصاً أدبياً أو قصة قصيرة، أو مقالة اجتماعية قد تكون في كتاب الصف التاسع في مناهج الأردن على سبيل المثال وتكون في الحادي عشر أو الثاني عشر في بلد آخر، وربما في نفس البلد إذا اختلف فريق التأليف والإشراف؟ ألسنا نخاطب فئة بعينها لديها نفس المكتسبات اللغوية، والمرجعيات الثقافية؟
ألا نعدّ ذلك تقدماً ملحوظاً وتميزاً مشهوداً في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها؟
تشير الدراسات إلى أنّ الدافعية التي يتمتع بها أساتذة العربية للناطقين بغيرها أعلى بكثير من الدافعية التي يعيشها معلمو العربية للناطقين بها.
وقد عزى جل المدرسين السبب في ذلك إلى دافعية الدارسين أنفسهم التي تكون في أوجها وقمتها لدى غير الناطقين بالعربية، في حين تعد في الحضيض لدى الناطقين بالعربية.
وهذا بدوره ينعكس على رغبة المدرس نفسه في التطور والتقدم، لذلك نشهد يومياً رغبات شديدة من العاملين في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها على حضور الورشات والندوات والمؤتمرات، بل لديهم الاستعداد في الدفع مقابل ذلك، في حين يعزف معلمو العربية لأهلها عن تلك الممارسات رغم توافرها ومجانيتها. أليس ذلك دليلاً على تقدم هذا المجال وأحقيته بالصدارة؟
وماذا عن الكتب والسلاسل والأبحاث والدراسات والمؤتمرات في تعليم العربية للناطقين بغيرها التي تحاول أن تسابق الأحداث وتعيش العصر، وتستفيد من إمكاناته؟ أليس هذا جديراً بالملاحظة والتقدير؟
ألم يلاحظ بقوة أنّ عدد المؤتمرات التي عقدت في السنتين الآخيرين حول تعليم العربية للناطقين بغيرها فاق كل المؤتمرات حول العلوم اللغوية للناطقين بها في العالمين العربي والإسلامي.
ألا يجب أن نفيد من التجارب الناجحة في توظيف استخدام المنصات الإلكترونية، والمكانز اللغوية في التعليم توظيفاً حقيقياً يبدأ من البيت ويعود إليه.
وماذا أقول عن التقديمات التي يجب أن تكون أساساً من أسس التعليم العام وليس فصول اللغة العربية للناطقين بغيرها فقط؟
وأين نحن من المدونات التفاعلية المكتوبة والشفوية على منصات التعليم العام والخاص؟
تؤكد الدرسات اللغوية أن الفائدة المرجوة من تقديم طالب لموضوع ما لمدة خمس دقائق تفوق ما قد يتعلمه من زمرة من المعلمين ليوم كامل. إنه أساس تعليم العربية للناطقين بغيرها.
ألا يحق لنا أن نتساءل كيف يستطيع طالب أجنبي في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها أن يتقن النحو العربي وصرفه في غضون فصلين دراسيين أو ثلاثة، في حين نفشل في ذلك مع أبنائنا على مدار اثنتي عشرة سنة نظرية وتطبيقاً؟
ألا يحق لنا أن نتساءل لِمَ يستطيع الأجنبي أن يقدم نفسه أو الآخرين أو الحديث حول أي موضوع بلغة عربية فصحى بثقة واقتدار بعد سنة دراسية واحدة، في حين تعد من المهمات الصعبة أو شبه المستحيلة حين تكون لعربي؟ ومن درَّسَ مواد 101 و102 في الجامعات العربية يدرك ذلك.
ألم يحن بعد أن يفيد تعليم العربية لأبنائها من ميدان تعليم العربية للناطقين بغيرها: رؤيته وأهدافه ومحاواه وطرائق تقويمه؛ لكي يعود للغة ألقها وتميزها وتفردها ومنزلتها المرموقة؟