هنا بدأت القصة كلها قبل خمسة وعشرين عاما.
الجزيرة نقطة ضوء وسط العتمة. اسم على مسمّى اختاره صاحب الفكرة وقرار التأسيس.
وكم كان الرهان على النجاح ضعيفا بين المنهمكين في غرفة الأخبار الصغيرة وهم ينتجون النشرات التجريبية. جاؤوا من بيئات صحفية تؤمن بحرية الكلمة وبيئات إعلامية مغلقة، لكنهم جميعا كانوا يدركون طبيعة المهمة وما ينبغي أن ينتَج من أخبار وبرامج وما سيواجهونه من عقبات.
- "في ذلك الوقت طبعا كثير من زملاء ما كانوا مقتنعين بأن قناة عربية تظهر من دولة خليجية ويكون لديها هذا الهامش من الحرية وتعمل بشكل مهني. يعني كان الكثير متشكّكا في هذا العمل."
- "كنا ننتج نشراتنا في فترة البث التجريبي. وكنا وكأننا نقول لأنفسنا هذا هو التحدي، هذه التجربة إذا نجحت واستمرت ولم يعترض علينا أحد."
- "كانت لدينا بعض الشكوك ولكن كنا نقول دائما لننتظر حتى نخرج على الهواء".
- "علمنا علم اليقين أن الوعود صادقة حقيقة".
قبل الجزيرة كان المشهد الإعلامي في العالم العربي يكاد يكون صفحة واحدة استنسخها الواقع السياسيّ. الصحافة بكل أشكالها تستهل بالرسمي وتختتم به. الخبر لا يأخذ موقعه بناء على أهميته بذاته، ولا الرأي الآخر كان يجد له متسعا. أما أصوات الناس في الشوارع فكان ظهورها من المحرمات.
- "عندما كنت أستمع إلى الأخبار من خارج الوطن العربي، أشعر بالغيرة، يعني لماذا لا نكون مثلهم؟ كانت البي بي سي تقريبا هي بعض الشعاع الذي يقدم لنا الأخبار، ليس من خلال تسمية فلان، وفلان تعشى فلان، وفلان استقبل فلان التي كانت تغلب على أخبارنا".
كان العربي واعيا بواقعه فيستقي الخبر من المصادر الغربية، بل وحتى من إذاعة عدوّه.
وسط تلك العتمة جاء قرار إنشاء الجزيرة في جزيرة العرب وفي مجتمع محافظ.
في قطر أم منها؟ واحد من الأسئلة التي كان النقاش يحتدم حولها في غرف أخرى بين المسؤولين من الإدارة والتحرير. وهذه الغرفة الصغيرة تضجّ بالعمل وهي تنتج النشرات التجريبية استعدادا للبث.
ما هي سياستنا التحريرية بالتفصيل؟ وما هي حدودنا تجاه الواقع السياسي في الإقليم وفي العالم العربي الأوسع؟ وما هي الخطوط الحمراء؟ وكان الجواب دائما الأعراف المهنية التي تعرفونها بالتأكيد.
- "تأكّدوا أنه لن يكون عليها أيّ ضوابط سياسية، وأنها ستكون مفتوحة للجميع، هذا أكيد".
لم تكن هناك توجيهات مكتوبة سوى الاسم.
- " كان هناك نقاش على الاسم واللوغو (الشعار، الرمز)، فطرحت فكرة، عندما طرحنا الفكرة بالأحرف الإنجليزية فقلت لهم لماذا لا نفكر في أن يكون اللوغو باللغة العربية؟ خاصة أننا نخاطب المشاهد العربي. طرح هذا الموضوع باللغة الإنجليزية، في جلسة بعض أعضاء مجلس الإدارة وصلنا إلى حل وسط أنه إذا تذكر اللوغو باللغة العربية تكون الأحرف بالإنجليزية. والحمد لله بعد فترة أيضا تم إلغاء الأحرف الإنجليزية وبقي اللوغو العربي. واليوم أصبح هذا اللوغو ماركة عالمية معروفة في كل مكان في العالم".
أيّ شعار سيرفع؟ فكان شعار "الرأي والرأي الآخر" ليظل إلى اليوم هو ما يحكم الأخبار والبرامج الحوارية.
- "وضعت أنا ثلاث شعارات: شعار بلا رقيب، وشعار آخر أعتقد كان مثلما تقول مهنية أو شيء من هذا النوع. بعدها خطر في بالي شعار: الرأي والرأي الآخر، فقلت خليني أبعثه للمدير بعد يومين خليني أبعث له الرأي والرأي الآخر، وتوقعت أن يكون الرأي والرأي الآخر سببا في علاقة المستمع العربي والمشاهد العربي بدولته، تصير له نظرة مختلفة".
أخيرا الأول من نوفمبر تشرين الثاني ألف وتسعمائة وستة وتسعين.
- "كم دقيقة بقيت عندك"؟
- "يعني ساعة وربع".
- "قناة الجزيرة في قطر نشرة الأخبار".
- "بدأ البث وحسيت بخفقان في نبضات القلب، ولكني سيطرت على الوضع فخرجت على شاشة الجزيرة وقلت: أهلا بكم. هذه أول نشرة إخبارية من قناة الجزيرة في قطر".
- "كانت لحظة تاريخية مهمة في حياتي، الظهور كأول قطرية وأول مذيعة على شاشة الجزيرة، هذه اللحظات أنا أعتز بها وأحرص على ذكرها. أول ما خلصت النشرة طبعا أول ردة فعل كانت سمعية من "الغاليري" وكانت تصفيقا، وأول ما فتحت الباب كان استقبالا ليس حافلا وليس رائعا بل أكثر من ذلك بكثير".
كيف سيتلقى المشاهد نشرة لا تستهل بأصحاب الألقاب، وفيها آراء مختلفة للمسؤول وللمفكر وحتى المواطن العادي إذ يعبروا الشارع؟ وهل سيثق بالصوت الجديد وقد طاول شكه كل ما سبق من منابر إعلامية؟
كان عنوان القناة الجديدة وكلمة سرّها الحرية، الحرية في العرض والمعرفة والتعبير والرأي المتعدد.
يمكنكم مشاهدة هذا الفيلم كاملا من هنا