على رفوف المكتبات العربية تستلقي سيرٌ عظيمة لرجال عظام، عن صاحب القاموس أحدثكم، عن الفيروز آبادي.
قيل عنه إنه كان عديم النظير في زمانه نظمًا ونثرًا بالفارسية وبالعربية، وقيل كان آية في الحفظ والاطلاع والتصنيف، فقد كان يحفظ كل ليلة مئتي سطر.
محمد بن يعقوب مجْد الدين الشيرازي الفيروز آبادي، نسبه كثير من الهنود إليهم فزعموا بأنه من فيروز آباد في الهند، لكن الفيروز آبادي فارسي من مواليد شيراز عام تسعة وعشرين وسبعمائة للهجرة، وكان يوقع باسم الصديقي ناسبا نفسه أو منسوبا إلى أبي بكر الصديق. والله أعلم.
منذ نعومة أظفاره أخذ اللغة والأدب عن والده، وحفظ القرآن في سن مبكرة، وبرع في فنون الخطّ، فأرسله أبوه إلى خير أساتذة وعلماء شيراز. وشرّق الفيروز أبادي في طلب العلم وغرّب، فما بين العراق ومصر والشام إلى بلاد الروم والهند واليمن حيث كان المستقرّ حتى وفاته.
وقد بلغ من حرصه على ملازمة الكتب أنه كان لا يسافر إلا وتصحبه عدة أحمال منها، ثم يعيدها معه إذا عاد.
تعلم الفيروز أبادي على أكثر من مئة من كبار العلماء والقراء والمفسرين واللغويين. وأما تلامذته فلا سبيل لحصرهم. وأما مؤلفاته في مختلف العلوم من التفسير والحديث والتاريخ واللغة والتراجم فتطول قائمتها. لقد كان الرجل أمة واحده.
لعل أشهر ما يعرفه العامة من كتبه معجمه القاموس المحيط، جاء في جزأين ضخمين. ورغم أنه لم يبتكر منهجا جديدا يختلف عن المعاجم التي سبقته، لكنه حوى مفردات كثيرة متنوعة في مختلف المجالات العلمية والأدبية واللغوية. وأقل ما يذكر من فضله أنه وضع البذرة التي أنتجت تاج العروس ذلك المعجم العملاق.
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لو سئلت: ما هو أشهر كتاب عربي؟ لقلت: هو القاموس للفيروز آبادي، فقد بلغت شهرته أنه سمّي كل معجم من بعده قاموسًا، مع أن القاموس هو اسم لهذا الكتاب وحده.
رحم الله الفيروز آبادي. توفي في اليمن التي أقام فيها آخر عشرين سنة من حياته وسخّرها للعلم والتعليم. لم يتوقف عن التعليم حتى غربت شمس حياته وقد ناهز الثمانين.