تزعّم المسلمون العالمَ كلّه في إقامة المستشفيات والعناية بها فيما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديَين.
ومن أمثلة ذلك أن البيمارستان (المستشفى) الذي أنشأه نور الدين في دمشق عام 1160 م ظل ثلاثة قرون يعالج المرضى من غير أجر ويمدهم بالدواء من غير ثمن.
ويقول المؤرخون إن نيرانه ظلت مشتعلة لا تنطفئ على مدى 267 سنة.
ولما وفَد ابنُ جُبير إلى بغداد عام 1184 م دَهِشَ أيّما دَهَشٍ من مستشفاها العظيم الذي كان يَزْهُو كما تزْهُو القصور الملكية على شاطِئ نهر دِجْلة، وكان يُطعِم المرضَى ويمدّهم بالدواء من غير ثمن.
وفي القاهرة بدأ السلطانُ قلاوون عام 1285 تشييدَ بيمارستان المنصور أعظم مستشفيات العصور الوُسطَى على الإطلاق، وقد أُقِيمَ في فضاء واسع مَسوَّر مربَّع، وكان مكوَّنا من مبانيَ أربعة يتوسّطها فِناءٌ يزدان بالقناطِر والأقواس، وتلطِّف حرارتَه الجداولُ.
وكان يحتوي على أقسام منفصلة لمختلِف الأمراض وأخرى للنَّقاهَة، ومَعاملَ للتحليل، وصيدليةٍ، وعياداتٍ خارجيةٍ، ومطابخَ، وحماماتٍ، ومكتبةٍ ومسجدٍ، وقاعةٍ للمحاضرات، وأماكنَ للمُصابِين بالأمراض العقلية زُوِّدتْ بِمناظرَ تسُرُّ العَين.
وكان المرضى يعالَجون فيه من غير أجر، وكان كلُّ مريض يُعْطَى عند مغادرة المستشفى مبلغًا من المال حتى لا يضطرّ إلى العمل لكسب قوته بعد خروجه من المستشفى مباشرة.
وكان الذين يَنْتابُهم الأرقُ يستمعون إلى موسيقى هادئة، وقصّاصين مُحترفِين، ويُعْطَوْن في بعض الأحيان كتُبًا تاريخية للقراءة.
وكان في جميع المدن الإسلامية الكبيرة مَصَحّاتٌ للمصابين بالأمراض العقلية.
المصدر:
ول ديورانت: قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران (بتصرف)
ج 13 ص 360-361.