مَرّةً أخرى تجد فيسبوك نفسها في زاوية الاتهام؛ غيرَ قادرة على إرساء الثقة مع مستخدمي أكبرِ وأوسعِ تطبيقاتها.
مُضْطرّةً أقرت فيسبوك بأن عملية قرصنة جديدة استهدفت موقعَها وأن القراصنة توصّلوا إلى ما لا يقل عن خمسينَ مليونَ حسابٍ للمستخدمين.
قالت الشركة إنها تمكّنت من سد الثُّغُرات التقنية التي استغلها القراصنة، خلال ساعات، لكنّ ذلك الردَّ لا يجيب على أكثرِ الأسئلة إلحاحا؛ ماذا كان يريد القراصنةُ من موقع فيسبوك؟ هل كانوا يجمعون معلوماتٍ خاصةً بالمستخدمين؟ هل كانوا يسعَوْن لنشر معلومات زائفةٍ؛ كما حدث أثناء الانتخابات الأمريكية؟
في التداعيات الفورية التي يتفق عليها الجميع؛ فيسبوك مُعَرّضَةٌ لخسائرَ ماليةٍ كبيرةٍ، إذا لم تتمكّن من الحفاظ على ثقة المستخدمين، الذين سيقِلُّ لجوؤُهم إليها.
لاحظ الجميع أيضا أن فيسبوك لم تصمُد هذه المرة. بادرتْ بالكشف عن عمليّات القرصنة منذ الساعات الأولى لاكتشافها، عكْسَ موقفها السابق أثناء قضية شركة "كامبردج أناليتيك" الشهيرة، وعلاقاتها بحملة "ترامب" الرئاسية، التي سمَحتْ بالوصول آنذاك، إلى البيانات الخاصة للملايين من الأمريكيين، دون معرفة، أو إذن منهم.
أقرتْ فيسبوك بالذّنْب، فيما تُفْلِس شركة كامبردج، لكنّ قضيةَ أمن بيانات المستخدمين تظل إشكاليّةً حقيقية تقُضّ مضاجع أجهزة الأمن وشركات التكنولوجيا، بسبب تداعياتها العميقة على المجتمعات.
آخرُ نَمُوذَجٍ للقرصنة، بهدف نشر الأخبار الزائفة المضلِّلَة التي توجّه الرأيَ العامَّ؛ كان أثناءَ حملة الرئاسة الأمريكية الأخيرة، التي أوصلت "ترامب" إلى البيت الأبيض، وبينت إلى أي حد يُمْكِن، لدُوَل أو هيئات معادية، التلاعبُ بواقع الدول المنافسة، والتأثير على مجريات الأحداث، والقرارات المصيرية فيها.
أدركت السلطات الأمريكية، كما أكّدت مرارا، أن الروس تمكنوا من استغلال المواقع الإلكترونية الأمريكية، على رأسها فيسبوك، لنشر التقاريرِ الإخباريّةِ الزائفةِ.
كما تمكن الروس من قرصنة البريد الإلكتروني لمسؤولي الحزب الديمقراطي، واطلعوا على فحوى المراسلات، وخُطّة الحزب.
بلغ الأمر أن عيّنت الآن الولايات المتحدة محققا خاصا (روبرت مولر)، للبحث عن تواطؤ محتمل من مسؤولي حملة الرئيس "ترامب" مع الروس، وما له من تداعيات سياسية بالغة التأثير على الحياة السياسية الأمريكية.
وإلى أن تتضح معالم القرصنة الجديدة التي تعرضت لها فيسبوك، واحتمال تعرض باقي مواقع التواصل الاجتماعي للاختراق ذاته؛ فإن الأمن المعلوماتيَّ، سواءٌ تعلق الأمر بالأشخاص أم بالهيئات، يظل هاجسا حقيقيا، بدأ يُؤَرِّق الدولَ والمؤسساتِ، ويدفع بعضها للدعوة إلى مؤتمر دولي يعالج الخلل، ويقف في وجه التلاعب المحتمل بالأمن، حتى بمعناه العامّ، وبمصائر الشعوب واختياراتها. الملاحظ في الوقت الراهن أنه لا ضمانات في العالم الإلكتروني.