في بداية تسعينيات القرن الماضي، وبعد سنتين من استقلال أوزبكستان، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، أخذ تمثال البطل القومي الأوزبكي الأمير تيمور أو تيمورلنك -كما يعرف في الخارج- مكان ستالين وماركس في قلب العاصمة الأوزبكية طشقند. كان ذلك إعلانا عن انتهاء مرحلة وبداية أخرى.
منذ ذلك الحين بدأ الأوزبك يكتشفون تراثا حضاريا غنيا بلغ أوجه مع الفتح الإسلامي. واليوم لا يخفي الأوزبك فخرهم بهذا التراث وبكل ما يرمز إليه، ومن هذه الرموز نسخة غير مكتملة لمصحف ينسب للخليفة عثمان بن عفان يحتفظ بها في منطقة (هاست إمام) التاريخية بطشقند.
"هذه النسخة هي ثلث المصحف لا المصحف كله أتى بها الأمير تيمور من العراق في القرن الرابع عشر وفي نهاية القرن التاسع عشر أخذها الروس إلى سان بطرسبورغ ثم أعيدت إلى أوزبكستان عام 1924م".
وهذا ضريح الإمام البخاري الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات من مدينة سمرقند، عاش محمد بن إسماعيل البخاري في القرن التاسع الميلادي له مصنفات كثيرة أبرزها كتاب الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري، لكنه ليس العالم الوحيد الذي أنجبته هذه الأرض، فهنا ولد الترمذي والماتريدي والشاشي وغيرهم.
أنجبت أوزبكستان بعض أشهر العلماء الذين أثروا الفكر الإسلامي بأعمالهم واليوم تحاول الحكومة الأوزبكية الاعتماد على شهرتهم في العالم الإسلامي لتشجيع السياحة الدينية هنا.
في مدينة بخارى تنتصب منارة كاليان التي شيدت في القرن الثاني عشر الميلادي ومسجد كاليان الذي شيد في القرن السادس عشر، وقبالتهما ما زالت مدرسة مير عرب التي أنشئت في القرن السادس عشر، تستقبل طلاب العلم لتذكر بأن بخارى التي وجدت بها مئات المدارس في القرون الماضية كانت منارة للعلم والعلماء.
وغير بعيد عن هذا الموقع التاريخي يقع ضريح محمد بهاء الدين النقشبندي مؤسس الطريقة النقشبندية الصوفية التي لها ملايين الأتباع في العالم الإسلامي.
ولربط الماضي بالحاضر وباستحضار كل ما يرمز إليه هؤلاء العلماء، نظمت وزارة السياحة في أوزبكستان المنتدى الأول للسياحة الدينية هنا في بخارى.
"السياحة الدينية تتطور بشكل كبير، لقد أصبحت توجها رائدا في القرن الحادي والعشرين، ونتوقع أن يكون للمنتدى تأثير على هذه السياحة التي تدعم الروابط الثقافية والإنسانية عبر العالم".
خلال هذا المنتدى الذي شارك فيه ضيوف من مختلف الدول، قدمت عروض تبرز إسهامات شخصيات كالبخاري والترمذي والماتريدي والنقشبندي وأبي بكر الشاشي وغيرهم.
فِي بِدايَةِ تِسْعِينِيَّاتِ القَرْنِ الْمَاضِي، وَبَعْدَ سَنَتَيْنِ مِن اسْتِقْلالِ أوزْبَكِسْتانَ، بَعْدَ تَفَكُّكِ الِاتِّحادِ السّوفْيِيتِيِّ، أَخَذَ تِمْثالُ البَطَلِ القَوْميِّ الأوزْبَكيِّ الأَميرُ تَيْمورُ أَوْ تِيمُورْلَنْك -كَمَا يُعْرًفُ فِي الخَارِجِ- مَكانَ سِتَالِينَ وَمارْكِس فِي قَلْبِ العاصِمَةِ الْأُوزْبَكِيَّةِ طَشْقَنْدَ. كَانَ ذَلِكَ إِعْلَانًا عَنْ انْتِهاءِ مَرْحَلَةٍ وَبِدايَةِ أُخْرَى.
مُنْذُ ذَلِكَ الحِينِ بَدَأَ الأُوزْبَكُ يَكْتَشِفُونَ تُرَاثًا حَضَارِيًّا غَنِيًّا بَلَغَ أَوْجَهُ مَعَ الفَتْحِ الإِسْلامِيِّ. والْيَوْمَ لَا يُخْفِي الأُوزْبَكُ فَخْرَهُمْ بِهَذَا التُّرَاثِ وَبِكُلِّ مَا يَرْمُزُ إِلَيْهُ، وَمِنْ هَذِهِ الرُّمُوزِ نُسْخَةٌ غَيْرُ مُكْتَمِلَةٍ لِمُصْحَفٍ يُنْسَبُ لِلْخَلِيفَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يُحْتَفَظُ بِهَا فِي مَنْطِقَةِ (هَاسَت إِمام) التّارِيخِيَّةِ بِطَشْقَنْدَ.
"هَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ ثُلُثُ المُصْحَفِ، لَا المُصْحَف كُلّهُ، أَتَى بِهَا الأَميرُ تَيْمورُ مِنَ العِراقِ فِي القَرْنِ الرّابِعَ عَشَرَ، وَفِي نِهايَةِ القَرْنِ التّاسِعَ عَشَرَ أَخَذَها الرُّوسُ إِلَى (سَان بُطْرُسْبورْغ)، ثُمَّ أُعِيدَتْ إِلَى أوزْبَكِسْتانَ عَامَ 1924".
وَهَذَا ضَريحُ الإِمامِ البُخارِيِّ الَّذِي يَقَعُ عَلَى بُعْدِ بِضْعَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ مِنْ مَدِينَةِ سَمَرْقَنْدَ.
عَاشَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْماعِيلَ البُخارِيُّ فِي القَرْنِ التّاسِعِ المِيلَادِيِّ، لَهُ مُصَنَّفاتٌ كَثيرَةٌ أَبْرَزُها: كِتابُ الجامِعِ الصَّحيحِ المَشْهورُ بِصَحِيحِ البُخارِيِّ، لَكِنَّهُ لَيْسَ العالَمَ الوَحيدَ الَّذِي أَنْجَبَتْهُ هَذِهِ الأَرْضُ، فَهُنَا وُلِدُ التِّرْمِذِيُّ والمَاتْرِيدِيُّ وَالْشّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
أَنْجَبَتْ أوزْبَكِسْتانَ بَعْضَ أَشْهَرِ العُلَماءِ الَّذِينَ أَثْرَوْا الفِكْرَ الإِسْلامِيَّ بِأَعْمَالِهِمْ، والْيَوْمَ تُحاوِلُ الحُكومَةُ الْأُوزْبِكِيَّةُ الِاعْتِمادَ عَلَى شُهْرَتِهِمْ فِي العالَمِ الإِسْلامِيِّ لِتَشْجِيعِ السّياحَةِ الدّينيَّةِ هُنَا.
فِي مَدينَةِ بُخارَى تَنْتَصِبُ مَنارَةُ كَاَلْيانَ الَّتِي شُيِّدَتْ فِي القَرْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ المِيلَادِيِّ وَمَسْجِدُ كَاَلْيانَ الَّذِي شُيِّدَ فِي القَرْنِ السّادِسَ عَشَرَ، وَقُبالَتَهُمَا مَا زَالَتْ مَدْرَسَةُ (مِيرْعَرَب) الَّتِي أُنْشِئَتْ فِي القَرْنِ السّادِسَ عَشَرَ، تَسْتَقْبِلُ طُلّابَ العِلْمِ؛ لِتُذَكِّرَ بِأَنَّ بُخارَى الَّتِي وُجِدَتْ بِهَا مِئَاتُ المَدارِسِ فِي القُرُونِ الماضِيَةِ كَانَتْ مَنارَةً لِلْعِلْمِ والْعُلَماءِ.
وَغَيْرَ بَعيدٍ عَنْ هَذَا المَوْقِعِ التّاريخيِّ يَقَعُ ضَريحُ مُحَمَّدٍ بَهاءِ الدّينِ النَّقْشَبَنْدِيِّ مُؤَسِّسِ الطَّريقَةِ الْنَّقْشَبَنْديَّةِ الصُّوفِيَّةِ الَّتِي لَهَا مَلايِينُ الأَتْباعِ فِي العالَمِ الإِسْلاميِّ.
وَلِرَبْطِ الْمَاضِي بِالْحَاضِرِ، وَبِاسْتِحْضَارِ كُلِّ مَا يَرْمُزُ إِلَيْهُ هَؤُلَاءِ العُلَماءُ نَظَّمَتْ وَزارَةُ السّياحَةِ فِي أوزْبَكِسْتانَ المُنْتَدَى الأَوَّلَ لِلسِّيَاحَةِ الدّينيَّةِ هُنَا فِي بُخارَى.
"السّياحَةُ الدّينيَّةُ تَتَطَوَّرُ بِشَكْلٍ كَبيرٍ، لَقَدْ أَصْبَحَتْ تَوَجُّهًا رَائِدًا فِي القَرْنِ الْحَادِي وَالعِشْرِينَ، وَنَتَوَقَّعُ أَنْ يَكونَ لِلْمُنْتَدَى تَأْثِيرٌ عَلَى هَذِهِ السّياحَةِ الَّتِي تَدْعَمُ الرَّوابِطَ الثَّقافيَّةَ والْإِنْسانيَّةَ عَبْرَ العالَمِ".
خِلالَ هَذَا المُنْتَدَى الَّذِي شَارَكَ فِيه ضُيوفٌ مِنْ مُخْتَلِفِ الدّوَلِ، قُدِّمَتْ عُروضٌ تُبْرِزُ إِسْهاماتِ شَخْصيّاتٍ كالْبُخاريِّ وَالتِّرْمِذِيِّ والمَاتْريدِيِّ وَالنَّقْشَبَنْدِيِّ وَأَبِي بَكْرِ الشّاشِيّ وَغَيْرِهِمْ.