لسنا بحاجة إلى أن نذكّرَ بأنَّ أيّ لغة من لغات العالم تشترك مع غيرها في بعض ألفاظها وكلماتها وهذا ما يُطلقُ عليه (الكليات اللغوية)، فاقتراض اللغات من بعضها ظاهرة لغوية اجتماعية، لا تخلو منها لغة أو لهجة.
وهذا عند النظر إليه في تعلّم واكتساب اللغة الثانية، يُعدّ عامل سهولةٍ!
لكننا نجد نوعا آخر من هذا الاشتراك يُمَثِّلُ سهولة وصعوبة في آن واحد وهو ما يسمى بالنظائر المخادعة التي تدخل ضمن التحليل التقابلي بين لغتين للتعرف على أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما بهدف تيسير عملية التعلم.
والمقصود بالنظائر المخادعة تشابه كلمتين في لغتين من حيث اللفظ واختلافهما في المعنى.
وتكمن السهولة في التعلم إذا تم تعلم هذه الكلمات وتوظيفها اللغوي من خلال الربط الذهني بنظيرتها في اللغة الأم، والتركيز عليها كمثال على الاختلاف وتدويرها في مهارات اللغة فمثلا كلمة (maymun/ ميمون) التي تعني في العربية الشيء المبارك تطلق في التركية القِرد (الحيوان المعروف).
هذا إضافة إلى أنها ستكون سهلة في اللفظ ولن يكن هناك صعوبة صوتية لوجود نطقها بالأصل، أما كونها تشكل عامل صعوبة؛ فذلك لأن المعنى المتبادر للذهن عند ورودها هو المعنى الأصلي في لغة المتعلم، ولذلك يلزم المعلم أن يتأكد من معرفة الطالب المعنى باللغتين لئلا يتوهم معرفة الكلمة على غير المراد.
ومن الطريف في ذلك الأمر تلك الحكاية التي أوردها لي أحد معلمي العربية الأتراك في إحدى الدورات التدريبية حيث قال: كنت مبتعثا لإحدى الدول الناطقة بالعربية وكان المدير يتحدث العربية فقلت له: من فضلك أريد أن أذهب إلى الحمام بمساعدتك!!
فقال له المدير: أنت لا تحتاج إلى مساعدة!!
ويرجع السبب في ذلك إلى أن كلمة مساعدة في التركية تعني الإذن!!
وتختلف تلك النظائر المخادعة فبعضها قد يتماثل إلى حد كبير موهم مثل:
(mısır/ مصر) تعني في التركية الذُّرة
(مسافر/ Misafir) بمعنى ضيف باللغة التركية بخلاف العربية
(شراب /şarap) يطلق على الخمر، وليس بمعنى الشراب أو المشروبات.
والأمثلة أكثر من أن تُحصى خاصّة إذا عُلمَ أنّ ما يقرب من ثلث اللغة التركية مقترض من العربية وهناك معاجم خاصة بالألفاظ المشتركة بين اللغتين.
ويجب التنبه إلى شيء آخر (أراه يدخل في النظائر المخادعة ــ الصوتيّة) وهو النطق الصوتي الذي يستدعي كلمة مشابهة في لغة المتعلم.
فكلمة (نَصِلُ) بالعربية في حالة الجزم (لم نَصِلْ) تساوي في تلفظها كلمة (nasil) بالتركية وهي بمعنى "كيفَ" وهكذا.
فيجب على المعلم أن يكون تلفظه للكلمات مستقيما لا لبس فيه، ولا تمطيط حتى لا تتحول كلمته لنظير مخادع في لغة المتعلم الأصلية، وهنا أذكر رواية مفادها أن إحدى المحاضرات كانت تعلم العربية في المستوى التمهيدي وتنطق الكلمة ببطء شديد، وكانت هذه الكلمة هي (تلميذ) ولكن نطقها كان بطريقة تحليلية (تِلْ مِي ذ) فعندها قال طالب وكان يتحدث الإنجليزية: (tell me what ?) لأن النطق الصوتي لها ناظر معنى الجملة الإنجليزية عنده ( tell me this ) .
وأنا كثيرا ما أستخدم تعبير (يا بُنيَّ) في حديثي مع الطلاب وكثيرا ما كان يتعجب الطلّاب ويظنون أنّه سؤال لأنه كان يقابل عندهم (bu ne) بمعنى (ما هذا؟).
وهذا الأمر له نظائر كثيرة تستوجب على معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها أن يكون يقظا منتبها لمخارج حروفه، متأكدا من وصول المعنى الصحيح للمتعلم، ويكون ذلك بالانتقال إلى مرحلة الإنتاج اللغوي للطالب للتأكد من عدم الالتباس.
يقول الدكتور الكبير عبده الراجحي متحدثًا عن التداخل اللغوي في كتابه الماتع (علم اللغة التطبيقي):
إننا حينما نتعلم مهارة جديدة، تكون على أساس مهارة موجودة تعلمناها قبلًا، ومعنى ذلك أنه لا بد أن يحدث تَدَخُّلٌ ما بين المهارتين عند التعلم، وهذا التدخل يكون نتيجة «النقل» Transfer، والنقل قد يكون «أماميًّا» بأن تؤثر المهارة الموجودة على المهارة الجديدة، وقد يكون العكس، وهو ما يُسمَّى «ارتجاعيًّا» وكل منهما قد يكون «إيجابيًّا» أو «سلبيًّا».
أما «الإيجابي» فهو «تيسير» تعلم مهارة جديدة بسبب «التشابهات» بين المهارتين، وأما «السلبي» فهو «إعاقة» تعلم مهارة جديدة بسبب «الاختلاف» بين المهارتين.
وإذا طبقنا هذا المبدأ العام عن «المهارات» على تعلم اللغة قلنا: إن كل متعلم يميل ميلًا طبيعيًّا إلى أن ينقل «بنية» لغته الأولى إلى اللغة الأجنبية التي يتعلمها، ومن هنا تنشأ المقولة النظرية الآتية:
«إننا نستطيع أن نتنبأ بمشكلات تعلم اللغة الأجنبية على أساس أوجه الاختلاف بينها وبين اللغة الأم. ونستطيع أن نفسر هذه المشكلات على أساس أوجه الاختلاف هذه».