فالمهارات اللغوية في المدخل الاتصالي يكمل بعضها بعضا، ولا يعني التكامل هنا مجرد ضم مهارة لأخرى، وإنما هو شيء أبعد من ذلك، إذ يدخل هذا في صميم الموقف الاتصالي نفسه، فالموقف الاتصالي غالباً يحتاج إلى توظيف مهارتين أو أكثر في المرة الواحدة ولنتصور مثلاً موقفاً يدير الفرد فيه حواراً مع موظف الاستقبال في فندق ما. ففي مثل هذا الموقف تشترك المهارات اللغوية الأساسية الأربع في وقت واحد، فالفرد يعبر عن رغبته في الحصول على غرفة (كلام)، وهو في أثناء تعبيره هذا يتلقى من الموظف رداً بالإيجاب فيستمع الفرد إلى موظف الاستقبال (استماع)، وذلك في نفس اللحظة التي يتكلم فيها الفرد، ثم يعطي الفرد بطاقة يكلف بملئها (قراءة ثم كتابة). وهكذا نجد المزج بين المهارات اللغوية يتعدى حدود ضم المهارات إلى بعض، فهذا مفهوم قاصر للتكامل. إن التكامل الحقيقي بين المهارات يعني الالتحام والتضام بين هذه المهارات، وتشابكها بطريقة تؤدي إلى إنجاز المهمة الاتصالية المطلوبة بأسلوب يجعلها تبدو من خلال الممارسة والسياق على أنها تستخدم بشكل طبيعي، ولتحقيق أهداف ذات معنى في حياة الفرد.
ففي الوقت الذي تغيرت فيه النظرة إلى اللغة وإلى تعليمها من كونها مجموعة من المعلومات والمعارف اللغوية الأكاديمية التي يتعلمها الطالب عن اللغة، إلى كونها مهارة أداء لغوي كلية تستند إلى مجموعة من المهارات اللغوية، والنظر إلى تعليم اللغة كمهارة يختلف تماما عن تعليمها مجموعة من المعلومات والمعارف المتفرقة، نجد أنفسنا مازلنا ندور في الفلك التقليدي لتعليم لغتنا دون مدخل علمي، وهو العرف الذي استقرت عليه المناهج منذ سنوات طويلة في تعليم اللغة العربية ونادت مؤتمرات التطوير بإعادة النظر فيه، هذا العرف الذي يفصل المادة إلى فروع متوازية وهو عرف لا يتماشى مع كون اللغة العربية كلا متكاملا ومع أن النمو اللغوي عملية تكاملية تراكمية.
فأكبر إشكال نراه بين المناهج أنها تقدم اللغة أجزاء غير مترابطة إما على أساس فروع وإما على أساس مهارات منفصلة غير مترابطة.
ففي الأساس الأول: تقدم اللغة فروعا (من نحو وصرف وبلاغة وقراءة وأدب ونصوص) ويسندون كل فرع لكاتب يتولى أمره ويقوم عليه من خلال تجربته وخبرته الشخصية فقط دون وضع تصور عام ومنهج يضم شتات تلك المهارات ويؤلف بينها في باقة واحدة.
وفي الأساس الثاني: تقدم على أنها مهارات ولكنها منفصلة عن بعضها فلا ترى هناك تكاملا بينها سواء في الموضوعات والمجالات الثقافية أو في توارد المفردات ودورانها في فلك المهارات، على الرغم من أنها تستخدم للدخل اللغوي وينبغي بالأساس أن يكون اختيارها في ضوء قوائم الشيوع لا انتقاء عشوائيا في موضوعات غير مترابطة مهاريًّا.
فنجد درس الاستماع يتحدث عن مجال الطبيعة ودرس القراءة يتناول مجال الاتصالات وفي درس المحادثة يطلب من المتعلم أن يتحدث عن الثقافة بين الشعوب، فأنى له أن يتحدث في هذا المجال وهو لم يستقبل من المهارات اللغوية ما يزيد ثروته اللغوية في مجال الحديث المطلوب منه في مستواه وينّمي فهم المسموع والمقروء لديه سواء كان شفويا أم كتابيا؟!.
إن التكامل المهاري يقتضي أن تترابط المهارات في كل مجال يقدم للمتعلم، فإذا أردنا أن نقدم له مجالا كالحديث عن المقارنة والموازنة بين الأشياء مثلا نقدم له درسا في الاستماع يتناول شيئا متصلا بموضوع المخرج اللغوي المراد الحديث فيه كالحديث عن عصر الاتصالات أو المواصلات على سبيل المثال وكيف كان الأمر في الماضي؟ وكيف أصبح؟ وعندما نعرّج على درس القراءة نجد نصًّا يتناول الحديث عن الفرق بين حياة القرية والمدينة وما يتميز به كل منهما، ثم يجد في درس القواعد قاعدة مناسبة يستطيع استخدامها وظيفيا في الحديث كقاعدة (كان مع بعض أخواتها ـ كان ـ أصبح ـ صار ـ مازال) إضافة إلى التعابير التي وردت بنصوص الاستماع والقراءة كـ(أما الآن فـ... ـ هذا من ناحية ـ وبالإضافة إلى ذلك) وغيرها من التعابير المناسبة للموضوع.
وبعد ذلك عندما نقول له قارن بين الحياة في الماضي والحاضر مثلا نجده يستطيع أن يوظّف ما تعلمه وما تم تحقيقه من أهداف تعليمية ويستخدم التعابير التي دارت في فلك الدرسين للدلالة على الفروق والاختلافات ويستقي من درس القواعد التي تم توظيفها لخدمة الموضوع ما يمده في انطلاق لسانه بالحديث.
أما حين يكون درس الاستماع يتناول موضوعا عن التلوث البيئي ودرس القراءة يتناول موضوعا عن الأزياء ويجد الطالب بعدا وتفاوتا بين المفردات في كل مهارة في الوحدة نفسها، وتقدم له قواعد تعليمية مرجعية لا علاقة لها بالتوظيف الأدائي، فأنى له أن ينطلق لسانه؟!
فالعلاقة التكاملية هي العلاقة التي لا ينبغي العدول عنها عندما نقدّم مهارات اللغة في تعليم العربية للناطقين بغيرها.
نحن لا ننكر أنه ظهرت في الفترة الأخيرة إضاءات وومضات في المناهج تحاول أن تتبنى المنهج التكاملي في تقديمها للمهارات وبعض البرامج الخاصة التي تدمج بعض المهارات معا لتحقيق أكبر استفادة للمتعلم كدمج الاستماع والمحادثة معا فيتحدث المتعلم فيما استمع إليه، فيكون قد استقبل اللغة واستوعبها قبل إنتاجها وحدث الدمج والترابط اللغوي بين المهارات.
ولذلك يقرر صاحب النظرية التكاملية هذه النظرة بقوله: "إن التدريس الناجح للغة ليس تدريبا عقليا لفهم القواعد وحفظها عن ظهر قلب، وليس بالإكثار من الترجمة، ولا هو قراءة الأدب، وليس اضطرار الدارسين لاكتساب اللغة بصورة طبيعية كما يجري في الحضانة والشارع، ولا حفظا للجمل ولا هو بالأمر الآلي، كما أنه ليس عبارة عن تحويل للجمل إلى قواعد مجردة، وليس انهماكا في إبداع لغوي غير هادف أو غير موجه، وليس الأمر فيه متروكا للدارسين يقررون ما يريدون تعلمه متى شاؤوا وكيف أرادوا، وهو كذلك ليس مجرد تحقيق لمبدأ الاتصال، إن تدريس وتعلم اللغة الثانية ليس واحدا مما ذكر، ولكنه مزيج متكامل من ذلك كله إلى جانب أمور أخرى كثيرة".
للمزيد حول الموضوع ينظر:
(تعليم العربية والتحديات الثقافية/ محمود الناقة)
(مفهوم اللغة ووظائفها، طعيمة والناقة)
(تعليم اللغة اتصاليا بين المناهج والإستراتيجيات، طعيمة والناقة)
(النظرية التكاملية لـHRCTOR HAMMERLY )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليم اللغة لأغراض خاصة في ضوء المنهج الاتصالي
يتفق الجميع على أنه يأتي على رأس الأهداف التعليمية من تعلم اللغات إنشاء حلقة تواصل فعّال بين المتعلمين وأصحاب اللغة المستهدفة، وأن الهدف الرئيس من تعليم العربية هو تمكين غير الناطقين بها من الاتصال الفعال بالناطقين بها بما يتطلبه هذا الاتصال من مهارات مختلفة وبما يدور حول المواقف الاجتماعية الحقيقية بعيدا عن المواقف التي تكتنفها الصنعة التعليمية عند تقديمها في الدرس اللغوي حتى ترسخ العملية التعليمية في الذاكرة البعيدة المدى ويستطيع المتعلم استحضارها وتذكرها وقت التعرض للموقف اللغوي الطبيعي.
لا يظن ظان أن تعليم العربية لأغراض خاصة يبعد المتعلم والمنهج عن اتصافه بالتواصل، بل إنه -على العكس من ذلك- يعد شكلاً عمليًّا تتجسد فيه مفاهيم المدخل الاتصالي للغة.
وإذا نظرنا إلى اللغات الأوربية نجد أنها أفادت من العلوم الحديثة وخاصة من معطيات علم اللغة التطبيقي في تطوير تعليم لغتها لأهلها ولغير أهلها، فظهرت لديهم حقول كثيرة في السنوات الأخيرة تهتم بتعليم اللغة على وجه خاص وبالحاجات المطلوبة (أغراض خاصة)، ويأتي في مقدمة تلك اللغات الإنجليزية فنجدها تدرّس بأوجه متباينة للغاية حسب طبيعة دارسيها، فهناك حقول متعددة ومتنوعة منها:
• تدريس اللغة الإنجليزية لأهلها ENL
• تدريس اللغة الإنجليزية بوصفها لغة ثانية ESL
• تدريس اللغة الإنجليزية لأغراض خاصة ESP
وكل حقل من هذه الحقول يختلف جذريا عن الحقول الأخرى في مادته اللغوية وطرائقه وأهدافه ومضمونه تبعا لاحتياجات وأهداف متعلميه.
وفي تعليم العربية نجد الأمر قريبا من ذلك وإن لم يكن بنفس التصور وسعة المادة وتوفرها في الإنجليزية مثلا، فلدينا برامج متعددة في تقديم العربية وتعليمها منها العربية لأغراض أكاديمية (AAP) والعربية لأغراض وظيفية (AOP) والعربية لرجال الأعمال (ABP) ومنها العربية لرجال التربية (AEP).
فوضع الخبرات التعليمية المشتقة من الأغراض والاهتمامات لدى المتعلم تشد من قابليـة المتعلم وتزيد من دافعيته بخلاف ما إذا قدمنا له لغة عامة لا تناسب صلة لها بطبيعة التواصل المناسب لعمله والمواقف الحقيقية التي يتعرض لها مع أبناء اللغة التي يحتاج فيها إلى كلمات وتراكيب محددة مختصة بمجال المتعلم وعمله.