بالقرآن نُعلّم العربية (8)

الدكتور نصر الدين إدريس جوهر

أستاذ العربية بجامعة سونن أنبيل-إندونيسيا


إن الاستفادة من القرآن الكريم في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، لا تتمثل فقط في جوانب المبادئ والأساليب التعليمية، وإنما تتمثل أيضا في جوانب المواد التعليمية.

أما الاستفادة من حيث المبادئ والأساليب فتكون من خلال اكتشاف واستخراج ما بين سطور الآيات القرآنية من المبادئ والتوجيهات التعليمية اللغوية، ثم استخراجها وتطبيقيها في تعليم العربية وتعلمها لغة أجنبية، كما جاء في المقالات السابقة.

وأما الاستفادة من المواد فتتمثل في استمداد المحتوى اللغوي لتعليم العربية وتعلمها لغة أجنبية على مختلف المستويات من الآيات القرآنية، كما سيعالجه هذا المقال والمقالات بعده بإذن الله تعالى.

وأول استفادة هي الاستفادة على المستوى الصوتي أو النطقي؛ أي أن تستمد مواد تعليم نطق الأصوات العربية من الآيات القرآنية، سواء أكانت من الناحية النطقية أم الناحية المعنوية.

الناحية النطقية تتعلق بوصف الأصوات والتعرف عليها أو التمييز بين المتشابه منها، وتغيراتها.

أما الناحية المعنوية فتتعلق بالنطق المعنوي أو الدلالي للأصوات العربية أو النطق بها بطرائق تنوع معناها.

في وصف الأصوات العربية والتمييز بينها وبين ما يشبهها من أصوات لغات متعلميها الأجانب يمكن أن يوضّح المعلم بعض الأصوات الصعبة منها من خلال النطق التطبيقي لتلك الأصوات في سياق الكلمات القرآنية.

في تعليم صوت القاف (ق)، والثاء (ث)، والعين (ع)، مثلا، بعد أن يصف المعلم كل حرف من حيث المخرج والصفة يقدم لطلابه بعض الآيات التي وردت فيها هذه الأصوات ليتدربوا على نطقها السليم، كالآتي: "قل هو الله أحد"، "ثم كلا سوف تعلمون"، "عم يتساءلون". وذلك مع بيان أنهم إذا نطقوا هذه الأصوات كما ينطقون ما يشبهها في لغتهم (وهي عادة أصوات k/s/a) ستنطق الآيات خطأ، فسوف يبدلون القاف كافا، والثاء سينا، والعين همزة.

أما في التعرف على الأصوات العربية فيمكن أن يستفيد المعلم في ذلك من الكلمات والجمل القرآنية في تصميم التدريبات على تحديد الأصوات والتعرف عليها.

ومن أشكال هذه التدريبات الصوتية أن يُسمع المعلم الدارسين مقاطع معينة من الآيات القرآنية، ويقدم لهم خيارات مكتوبة يختارون الصحيح منها وفقا لما يسمعون.

ويمكن أن تأتي التدريبات تعليمية: "استمع إلى الآية الآتية واختر الصوت الذي تبدأ به".

ثم يُسمعهم مثلا الآية الأولى من سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) ثم يترك لهم صوتين (ك – ق) ليختاروا منهما ما تبدأ به الآية. أو إسماعهم الآية الأولى من سورة النبأ (عم يتساءلون) ويضع لهم خيارين (ع – أ) لتحديد الصوت الذي تبدأ به الآية، وهكذا.

أما عن تغيرات نطق الأصوات فيمكن أن يستخرج المعلم من الآيات القرآنية ما يدل على أن الأصوات قد يتغير نطقها تأثرا بالأصوات الأخرى التي تجاورها. ومن ذلك ما يسمى بالمماثلة وهي تحول صوت إلى ما يماثل الصوت الذي يتأثر به. ومن الأمثلة القرآنية التي يمكن أن يوضح بها المعلم هذا الموضوع الآية 52 من سورة البقرة (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون)، والآية 132 من سورة طه (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها).

أما المثال الأول "من بعد" (بإخفاء الميم في الباء مع الغنة في النطق) فيوضح به المعلم تغيّر صوت النون الذولقية إلى الميم الشفهية لمماثلة صوت الباء الشفهية.

وأما المثال الثاني فيوضح به المعلم أن تاء الافتعال تُقْلب طاء مع أحرف الإطباق؛ فكلمة "اصطبر" كان أصلها "اصتبر" (على وزن افتعل) ثم تغير صوت التاء إلى الطاء مراعاة لصوت الصاد.

ومما يذكر في هذا السياق تغيّر معنى الجملة بتغير موقع الوقف أو الفاصلة. ومن الاستفادة القرآنية في معالجة هذا الموضوع أن يأتي المعلم بما جاء في الآية 7 من سورة آل عمران (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به)، فإذا وقف القارئ على لفظ الجلالة في (وما يعلم تأويله إلا الله) فمعنى ذلك أن تأويل المتشابه من القرآن لا يعمله إلا الله وحده. أما إذا لم يقف القارئ على لفظ الجلالة، فمعنى ذلك أن تأويل المتشابه يعمله الراسخون في العلم أيضا.

هذا وإن الاستفادة من القرآن الكريم في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى لا تقتصر على الناحية النظرية في تسهيل الفهم والاستيعاب فقط، وإنما تتجاوز ذلك إلى الناحية التطبيقية بحيث تكون الأمثلة القرآنية تدريبا مباشرا على دروس الأصوات العربية وعلى فهم الخصائص النطقية للأصوات القرآنية. وذلك فضلا عن الناحية النفسية؛ إذ إن الربط بين دروس الأصوات العربية والآيات القرآنية يزيد المتعلم انفعالا باللغة العربية ويعمّق انتماءه إليها، لما بينها وبين كتاب الله من علاقة وطيدة. والله أعلم.