قد يبدو للوهلة الأولى أن تدريس الإملاء في برامج تعليم العربية للناطقين بغيرها عادة قديمة استخدمت منذ مئات السنين، لكنها أداة عظيمة تعمل على تطوير سائر مهارات متعلم العربية الكتابية والشفوية على حدٍّ سواء، بل قد تتفاجأ بأن يكون الإطار المرجعي الأوربي المشترك قد وضع معايير مرجعية لها في سلم الكفاءة اللغوية. والإملاء قد يكون وسيلة فعّالة في حفظ المفردات اللغوية الجديدة وامتلاكها.
ومن المعلمين من يربط بين الإملاء ومحورية الأستاذ في التدريس الممل أو طرائق التدريس القديمة كطريقة القواعد والترجمة، وقد يعكس الاهتمام بها استدعاء لذكريات غير سعيدة في عملية التعليم قديماً، وهي نظرة لا شك ضيقة لا تعكس فهم المدرس لعملية تعلّم اللغة وتعليمها، فلكل شيء منزلته ومكانته وكيفية إدارته. ولعلنا لو تأملنا حقيقة الإملاء لوجدنا أن فوائدة عظيمة، ومنافعه عديدة، ومن ممارستي الشخصية يؤدي الإملاء إلى تنمية الكفاءة اللغوية طلاقة ودقة على مستوى امتلاك المفردات والتراكيب وتطوير المهارات اللغوية المختلفة من الاستماع إلى الكتابة مروراً بالقراءة والمحادثة.
ومن مميزات الإملاء أنه يركز على بعض المظاهر الصوتية التي قد تخفى على المتعلم كالتفريق بين الحركات القصيرة والطويلة كما في جر وجار وحر وحار، والأصوات المفخمة والمرققة كما في هرم وحرم ودرب وضرب، وفي تجاور الحروف والتصاقها ببعضها كما في قول الشاعر:
طرقت الباب حتّى كَلَّ مَتْنِي * فلما كَلَّ مَتْنِي كَلَّمَتْنِي
وما يلحق الكلمات من تنوين أو مقاطع صوتية كالتفريق بين التنوين والمثنى كما في "علماً" و"علمان"، والتنون والجمع كما في "مهندس" و"مهندسون" وغير ذلك من الظواهر الصوتية القريبة. وهو مظهر قد يغفل عنه كثير من معلمي العربية، ولذلك نجد في بعض برامج العربية من بلغ المستويات المتقدمة والمتميزة وهو لا يزال يعاني من مشكلات في النطق والتلفظ وهي -لا ريب- انعكاس لإهمال مهارة الإملاء.
وكما قلت آنفاً لقد أكد الإطار المرجعي الأوروبي المشترك على كفاءة النطق وتصحيحه التي تنعكس في مهارة الإملاء والهجاء، حيث يطلب من المتعلم أن يكون قادراً على النطق الصحيح للكلمات من الشكل المكتوب، وهذا يشمل المعرفة بالهجاء، والمقدرة على استخدام القاموس، والمعرفة بالمواضعات المستخدمة في تمثيل النطق كالحروف التي تنطق ولا تكتب والتي تكتب ولا تنطق، ومعرفة علامات الترقيم والنبر والتنغيم، والمقدرة على كشف الغموض كالمشترك اللفظي وغموض التراكيب في ضوء السياق. وهذا جدول يبين مستوى الكفاءة المطلوبة في مهارة الإملاء لكل مستوى من مستويات الكفاءة بحسب الإطار الأوربي:
سلّم التمكن من قواعد الإملاء |
|
C2 |
تكون النصوص المكتوبة بدون أخطاء إملائية |
C1 |
شكل النص، وتقسيم الفقرات، وعلامات الترقيم متسقة ومفيدة، والهجاء دقيق مع شيء من زلات القلم العرضية. |
B2 |
يستطيع أن يكتب بوضوح جلي كتابة متواصلة، تتبع الشكل المعياري، وأعراف كتابة الفقرات، والهجاء والترقيم دقيق إلى حدٍّ ما، ولكن قد يظهر تأثير اللغة الأم أحياناً. |
B1 |
يستطيع أن ينتج كتابة متواصلة ومفهومة طول الوقت. الهجاء وعلامات الترقيم، والشكل الكتابي دقيق بما يكفي للفهم. |
A2 |
يستطيع أن ينسح جملاً قصيرة في الموضوعات اليومية، مثل: الاتجاهات وكيفية الوصول إلى مكان ما، ويستطيع أن يكتب بدقة صوتية مناسبة (لكن ليس من الضروري أن تكون معيارية بشكل كامل) الكلمات القصيرة التي تكون في مفرداته الشفوية. |
A1 |
يستطيع أن ينسخ الكلمات المألوفة، والعبارات القصيرة، مثل: اللافتات السهلة أو التعليمات البسيطة، وأسماء الأشياء اليومية، وأسماء المتاجر، ومجموعة من العبارات المستخدمة بانتظام. ويستطيع تهجئة اسمه وعنوانه وجنسيته وبعض التفاصيل الشخصية الأخرى. |
ومن الوسائل العملية التي تجعل من عملية الإملاء عملية ممتعة ذات فائدة كبيرة:
- إملاء قصة: هناك مئات القصص القصيرة الممتعة للأطفال والراشدين التي تعج بها الكتب ومواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي متعددة المستويات والأهداف وهناك دائماً ما هو مناسب لكل مستوى من المستويات اللغوية.
- إملاء الأسئلة: وقد تجمع في هذا النشاط تفعيل وظيفة طرح الأسئلة والإجابة عنها ناهيك عن تضمينها بعض المفردات الجديدة، وهكذا كأنك تضرب عصفورين بحجر واحدٍ.
- إملاء أغنية أو كلمة قصيرة من اليوتيوب: يعج اليوتوب بالأغاني ذات الكلمات الواضحة، ومقاطع الشعر البسيطة، والكلمات المعبرة، تخير ما تجده مناسباً وممتعاً واجعله مادة للإملاء المناسب للمستوى.
- مزق واركض: يقوم المدرس عبر هذه اللعبة بتعليق مجموعة من الجمل جملة في كل جولة في أبعد نقطة من الفصل بحيث يقوم كل عضو من المجموعتين بالذهاب إلى الحائط وقراءة الجملة وتمزيق الورقة، والذهاب إلى مجموعته لإملائها عليهم، ومن يستطيع أن يتذكر منها أكثر يمليه على زملائه بحيث يكون الفائز بعد انتهاء الجولات الخمس من استطاع إملاء أكبر عدد ممكن من الكلمات مع صحتها طبعاً أو حسب ما يراه المعلم مناسباً.
- إملاء الزميل: يقوم المعلم باختيار نصين متناسبين من حيث الطول ودرجة التعقيد، ويقسم الفصل إلى مجموعتين، تملي كل مجموعة النص على المجموعة الأخرى، ويؤكد المعلم للدارسين ضرورة أن يكون النطق والسرعة مناسبين للإملاء. ومن يحصل على دقة أعلى في الإملاء يكون الفائز. أو أن يكون النشاط بين كل زوجين.
- أكملوا الجملة: يقوم المعلم بتخير مجموعة من الجمل لكنه يمليها عليهم ناقصة بحيث يكون عليهم أن يكتبوا ما استمعوا إليه وإكماله من معارفهم السابقة، ويراعى فيها أن تكون تتمات الجمل مما مر بهم ويستطيعون القيام به، كأن يقول لهم: غالباً ما أقع في النوم بسبب .................
- املؤوا الفراغات: يقوم المعلم في هذه الخطوة باختيار مجموعة من الجمل مما مر بالمتعلم في المستويات السابقة لكنه يريد أن يستهدف أمراً بعينه كالفعل الماضي أو المضارع أو المصدر، حيث يقوم بإملاء الجملة مسقطاً منها الكلمة المقصودة وهي تتتضمن تركيزا أكبر على الكلمة المفقودة، وقد يقول المعلم مكانها حين ترد (فراغ) أو (بيب) كما يقولون بالإنجليزي أو (س) إلخ. المهم التواصل والاتفاق حولها مع الدارسين، ومثال ذلك: أمس (فراغ) محظفة مليئة بالنقود في الشارع. وقد تتعدد الخيارات كـ (وجدت، أضعت، رأيت، شاهدت، عثرت على) وهكذا دواليك.
- ويمكن توظيف التقنيات التكنولوجية في هذه الأيام في عملية الإملاء، بحيث يقوم المعلم بتسجيل نص الإملاء الذي قد يتخذ إشكالاً مختلفة مما مر ذكره ومما لم يمر ويرسله إليهم عبر منصة التعليم الإلكتروني أو أي تطبيقات أخرى كصفحات الفيس بوك أو الوتس أب أو غيرها، ويقوم المتعلمون بكتابته النص والإتيان به إلى المعلم أو إرساله إليه عبر تلك التطبيقات.