والذي دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع أنني أَلْفَيْتُ كثيرًا من الكتب – تِيكَ التي أُلّفت لتعليم العربيّة لغير النّاطقين بها - تقدّم مادة النّحو دون دراسة، فتقدّم لهم ما لايعود عليهم بالنّفع في تكلّمهم وتحدّثهم، بل إنّ الأمر وصل في بعض المؤسّسات التعليمية إلى تدريس أبواب لايَدْرُسُها المتخصّصون من العرب إلّا في مراحل عالية، كتدريس الملحق بالرّباعيّ وغيره من الأوزان التي ندر مجيئها في العربيّة، وآمل أن تكون هذه المقالة جَذوة لإعداد منهج يقوم على تجريد النّحو مما لا ينفع غير العربيّ، وتقديمِ الأهمّ فالأهمّ، وسأقف في هذه المقالة عند بعض الأبواب والقضايا النّحوية التي ينبغي لنا أن نضرب صفحًا عن تقديمها لمتعلّمي العربية من غير أهلها، فأقول مُتوكِّلًا على الله، ومستعينًا به من لفظ يَجْمَحُ ورأي إلى الخصام يَجْنَحُ:
1. في باب "نَصْبِ الفِعْلِ المُضَارِعِ" معلوم في كتب النّحو أنّ ثمّةَ أحرفًا تنصب الفعل المضارع بنفسها، وهي: (أَنْ، لَنْ، إِذَنْ، كَيْ)، وثمّة أحرفًا يُنصب الفعل المضارع بعدها بأن مضمرة وجوبًا، أو جوازًا، كـ(لام التّعليل، والفاء السّببيّه، ولام الجحود، وحتّى...) فـأرى أن تقدم هذه الحروف كلّها على أنّها حروف نصب، ولا فائدة لمتعلّمي العربيّة من معرفة أنَّ النصب بالحرف نفسه، أو بأَنْ مضمرة جوازًا أو وجوبًا بعد حتى أو الفاء السببية، فنقول: (أَنْ، لَنْ، إِذَنْ، كَيْ، لامُ التّعليل، الفاء السّببيّة، حتّى...) كلها حروف نصب، ولاداعي إلى هذه التّفصيلات التي توقع المتعلّم في حَيرة من أمره.
2. في باب "المُبْتَدَأِ والخَبَرِ" يكون الخبر في اللغة العربية مفردًا، أوجملة اسميّة، أو فعليّة، أو شبه جملة، وذلك حين يكون الخبر جارًّا ومجروًا، أو ظرفًا، ويُقدّم الخبر في كتب تعليم العربية للنّاطقين بغيرها على أنّ شِبْهَ الجملة متعلق بخبر محذوف "كائن" أو "مستقرّ" وهذا لمتعلم العربية علم لا ينفع، وجهل لا يضُرّ، ولا أرى بأسًا أن يقال: الجار والمجرور خبر، أو الظّرف خبر؛ تذليلًا وتيسيرًا على المتعلّمين، وأرى كذلك ألّا يُوقف عند ما يتعلق بتقديم الخبر على المبتدأ وجوبًا أو جوازًا، ويكتفى بتعليم الطالب نماذج من ذلك ليحذو حذوها.
3. في باب "البَدلِ" يقدّم البدل في كتب تعليم العربية للنّاطقين بغيرها على أنّه بدل كلّ من كلّ "مطابق" و بدل بعض من كلّ، وبدل اشتمال، وبعضها تذكر بدل الغلط، وهنا أرى أن يكتفى بتعليم البدل على أنه مطابق، وبدل بعض من كل لا غير، ولا بدّ أن نُسْقِطَ القسمين الآخَرين؛ لأنّ بدل الاشتمال يمكن أن يُدرج تحت بدل البعض من الكلّ، ولا داعي إلى تَمَحُّلِ الفروق الدقيقة بينهما وتَكَلُّفِها، وقد قال غير واحد من المتقدمين ببطلان بدل الاشتمال، واندراجِهِ تحت بدل البعض من الكلّ.
4. في باب "التّمْييزِ" أرى ألّا يُتَطَرَّقَ في باب التمييز إلى تفصيلات بغنى عنها غير العربي، كالوقوف عند أَضْرُبِ التّمييز المحوّل عن فاعل، أو مفعول به، أو مبتدأ، ويكفي أن يقال: التّمييز نوعان: نَوعٌ يقع بعد "الأَعْدَادِ"، و"المَقَادِيرِ"، و"المِسَاحَاتِ" ويسمّى تمييز ذاتٍ، ونوع يقع بعد مجموعة من الأفعال، منها: "طَابَ،اِمْتَلَأ، كَفَى"، ويقع كذلك بعد اسم التّفضيل، ويسمّى تمييز نسبة.
5. باب "الاشْتِغَالِ والتَّنَازُعِ" مما يدل على ضآلة خبرة المؤسسة التّعليميّة، وضَعْفِ المنهج المؤلّف، عَدَمُ انتقاء المادّة العلميّة المقدّمة للمتعلّمين، فنَجِدُ بعض كتب تعليم العربية للناطقين بغيرها حَاطِبَ ليلٍ، لا همَّ له سوى حَشْوِ الصّفَحَات بأبواب عديمة النّفع والفائدة، كتدريس بابي "الاشْتِغَالِ والتَّنَازُعِ" في العربيّة، وإني لأعجب كل العجب حين يقع بصري على مثل ذلك في مؤلّف من هذه المؤلّفات، وكان حريًّا بالسّيّد المؤلف أن يقدّم لهؤلاء المتعلّمين ما يعود عليهم بالفائدة.
6. تَقْدِيمُ بعض الأبوابِ، وتأخيرُ بَعْضِها، يَحْسُنُ في المؤلّف الجيّد أن يُحْسِنَ ترتيب الأبواب على حسب سهولتها وصعوبتها، وعلى حسب الحاجة المُلحّة إليها، فليس من المنطقي أن يُدَرَّسَ الطالب نواصب الفعل المضارع بأنواعها مبكّرًا، ويترك ما يتعلق بصياغة اسم الفاعل والمفعول إلى المستويات الأخيرة! فتعلّم صياغة اسم الفاعل واسم المفعول وسيلة لإنتاج الكلام، في حين تعلّم نواصب الفعل المضارع لا يُعين على الإنتاج اللغويّ.
7. في باب "المَفْعُولِ المُطْلَقِ ومَا يَنُوبُ عَنْهُ" من المفيد لمتعلّمي العربيّة من غير أهلها أن تُذْكَرَ لهم في هذا الباب أقسام المفعول المطلق الثلاثة: المؤكّد لعامله، والمبيّن لنوعه، وعدده، وليس من المفيد أن يغوص الأستاذ فيما ينوب عن المفعول المطلق، كصفته، وآلته، ومرادفه مما يوقع المتعلم في حَيْصَ بَيْصَ، ويُكْتَفى بتعليمها تحدّثًا على حسب ما تقتضيه الحاجة، وما ذكرته هنا في هذه المقالة لا يعدو كونه نماذج لما ينبغي لنا أن نراعيه في إعداد منهج القواعد لمتعلّمي العربيّة من غير أهلها، واللهَ أسأل التّوفيق والسّداد، وحسن الرّأي والصوابَ فيما ذهبت إليه.