إن تعليم الكلمات العربية لمتعلميها الناطقين بلغات أخرى عملية متعددة الأبعاد. إنها ليست عملية تعليمية فقط وإنما أيضا عملية لغوية ونفسية. لذا فعلى المعلم أن يحسن الاختيار من الأساليب والإستيراتيجيات، فيختار منها ما يناسب طبيعة الكلمات التي يريد تعليمها ليتسنى له تقديمها وتعليمها بصورة فعالة.
ثمة أساليب كثيرة يمكن أن يطبقها المعلم في تعليم الكلمات ولديه حرية كبيرة لاختيار ما يراه منها مناسبا لطبيعة الكلمات المراد تعليمها وخصائص المتعلمين. ولكن مع كثرة الطرائق المتاحة لتعليم الكلمات وحرية المعلم في اختيارها أو دمجها فإن هناك مبادئ يجب أن تتمحور حولها هذه العملية، منها ما نعرضه في السطور التالية:
أولا: تعليم الكلمة نطقيا:
وهو أن يبدأ المعلم معالجة الكلمات المراد تعليمها بنطقها. ويعد تقديم الجانب الصوتي للكلمات ضروريا جدا لأنه يمثل عملية طبيعية من اكتساب اللغة التي هي في أصلها صوت منطوق. وإلى جانب ذلك فإن التعرض الصوتي يفيد المتعلمين ما يحتاجون إليه لاحقا عندما يستعملون الكلمات في الاتصال خاصة في مهارتي الكلام والقراءة، وإهمال الجانب الصوتي في تعليم الكلمات مثل ما يقع في تعليمها من خلال القوائم المترجمة أو تعلمها ذاتيا من خلال المعاجم سوف يعرض المتعلمين لصعوبتين هما صعوبة قراءة الكلمات وصعوبة النطق بها، الأولى في عملية القراءة والثانية في عملية الكلام.
ثانيا: تعليم الكلمة كتابيا:
وهو أن يكتب المعلم الكلمات التي تلقى المتعلمون صوتها وأجادوا نطقها. وهذه العملية تهدف إلى تحويل الرموز المنطوقة من الكلمة إلى الرموز المكتوبة والربط بينهما وهي بذلك تمكن المتعلمين من إدراك تحول الكلمات المسموعة غير المرئية إلى صورها المرسومة المرئية. وإهمال هذه العملية في تعليم الكلمات يسبب للمتعلمين صعوبة في كتابة الكلمات حتى تلك التي عرفوا معانيها وتعودوا على نطقها. خذ مثلا الجملة "كل امرئ مسؤول عن شؤون أهله" فرغم أن الكلمات التي تتكون منها هذه الجملة مألوفة لدى المتعلمين ويفهمون معانيها عند سماعها فإنهم يجدون صعوبة في كتابتها خاصة كيفية كتابة الهمزة وهل تكتب على الواو أم على الياء.
ثالثا: تعليم الكلمة دلاليا:
وهو أن يشرح المعلم معنى الكلمات التي تم تعليمها نطقيا وكتابيا. وشرح معاني الكلمات يمكن أن يتم من خلال عدة أساليب وفقا لطبيعة الكلمة المراد شرح معناها. منها أن يقرن المعلم نطق الكلمة المراد تعليمها بالشيء الذي ترمز إليه أو بالإشارة إليه أو بصورته خاصة إذا كانت من الأسماء المحسوسة مثل الحيوانات، والنباتات، والأشكال، والألوان، والآلات، وغيرها. ومنها أن يشرح المعلم المعنى من خلال التمثيل أو أن يقوم بما يعطي تصورا عن الأفعال التي تعنيها الكلمة كأن يمثل حركة المشي عند شرح كلمة "مشى" أو يمثل حركة الكتابة عند شرح كلمة "كتب"، وهكذا...
رابعا: تعليم الكلمة سياقيا:
وهو أن يضع المعلم الكلمة في سياق الجملة المفيدة الموضحة لمعناها الذي تم شرحه. هذا المبدأ يضرب للمتعلم عصفورين بحجر واحد حيث إنه يوضح معنى الكلمة بدقة من جانب ويوضح كيفية استعمالها في الجملة من جانب آخر. وهو بذلك يبعده من مشكلتين كبيرتين في تعلم الكلمات هما فهم الكلمة بمعناها المعجمي المعزول عن السياق وفهم الكلمة فهما معرفيا بعيدا عن استعمالها في الاتصال.
لكن من الجدير بالتنبيه هنا أن الجملة التي يوضح بها المعلم معنى الكلمة يجب أن تكون أحادية الدلالة ولا تحمل إمكانات دلالية متعددة. فتوضيحا لمعنى كلمة "العاصمة" على سبيل المثال تعد الجملة "جاكرتا عاصمة إندونيسيا" أحادية الدلالة ومن ثم تكون أكثر توضيحا للمعنى من الجملة "محمد يسكن في العاصمة".
خامسا: تعليم الكلمة اشتقاقيا:
وهو أن يقدم المعلم كلمة ويربطها بكلمات أخرى تشتق منها كأن يشرح معنى كلمة "كتب" ويربطها بمشتقاتها مثل: كاتب، وكتاب، ومكتب، ومكتبة. هذا المبدأ له فعاليته نوعا وكما. فأما من حيث النوع فإنه يوفر للمتعلم تصورا واضحا ودقيقا عن معنى الكلمة لأن المعنى يتضح من خلال عدة كلمات كل منها يعطي بعدا منه، الأمر الذي سيؤدي إلى رسوخها القوي في ذاكرته. وأما من حيث الكم فإنه يقدم للمتعلم عدة كلمات تربطها علاقة دلالية اشتقاقية، مما يعني أنه يوفر زمن التعليم ويكثف نتائجه.
سادسا: تعليم الكلمات حقليا:
وهو أن يقدم المعلم الكلمات المراد تعليمها في إطار حقلها الدلالي أو داخل مجموعة دلالية معينة، كأن يقدم كلمة الأبيض مع كلمات أخرى من نفس الحقل الدلالي للألوان مثل: الأسود، والأخضر، والأزرق، والأحمر، وغيرها. ومن مزايا هذا المبدأ أنه يسهل عملية كسب معاني الكلمات وحفظها في الذاكرة؛ إذ أن هذه الكلمات المختلفة تترابط فيما بينها لانتمائها إلى حقل دلالي واحد. إضافة إلى ذلك فإن هذا المبدأ يجعل الكلمات أكثر قابلية للاستعمال في الممارسة اللغوية التي تركز عادة على موضوع معين. فكل الكلمات السابق ذكرها يمكن أن يستعملها المتعلمون عندما يتلقون درسا عن الألوان. وكذلك كلمات مثل السبورة، والطباشير، والممسحة، والكراسة، والمسطرة، وغيرها تكون سهلة الممارسة في موضوع الأدوات المدرسية.
سابعا: تعليم الكلمة تدريجيا:
وهو أن يقدم المعلم الكلمات المراد تعليمها بالتدرج وفقا لدرجة صعوبتها وأهميتها.
ومن التدريج تقديم الكلمات المحسوسة مثل: قلم، وكتاب، وسبورة، وأستاذ، قبل المجردة مثل: مسرور، ومجتهد، ونشيط، ونظيف.
وينبغي تعليم الكلمات النشيطة (لدى المبتدئين مثلا) مثل: قلم، وكتاب، وسبورة، قبل الكلمات الخاملة لديهم مثل: ماء، وبحر، وسماء، وغيرها.
ومن التدريج أيضا تعليم الكلمات المكونة من الأصوات السهلة مثل: باب، وكرسي، وبيت، قبل الكلمات المكونة من الأصوات الصعبة مثل: حجرة، ومطبخ، ونافذة، وغيرها.
ومنه أيضا -في حال تعليم الإندونيسيين مثلا- تقديم الكلمات التي اقترضها لغتهم من اللغة العربية مثل: أستاذ، ومدرسة، ومسجد، وغيرها قبل الكلمات التي تختلف عن لغتهم.
هذه المبادئ لا تغطي جميع ما يمكن أن يلجأ إليه المعلم في تعليم الكلمات العربية لمتعلميها الناطقين بلغات أخرى، ولكن إذا أحسن المعلم تطبيقها فستساعده على تمكين المتعلمين من فهم الكلمات بصورة فعالة ليس فقط في نطقها وكتابتها وإدراك معانيها ولكن أيضا في استعمالها في سياق الكلام وربطها بالكلمات الأخرى لإغناء ذخيرتهم اللغوية.