إن الاستفادة من القرآن الكريم في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى كما أشار إليه المقال السابق يمكن أن تتم من خلال استمداد المواد التعليمية من الآيات القرآنية. وقد تناول المقال السابق الصورة الأولى من هذه الاستفادة وهي الاستفادة على المستوى الصوتي أو النطقي. ويتناول هذا المقال بإذن الله الصورة الثانية منها وهي الاستفادة على مستوى العبارات.
والاستفادة على مستوى العبارات هي أن يأخد المعلم العبارات من الآيات القرآنية ثم يكون منها جملا ويدرب الدارسين على استخدامها في الكلام والكتابة. هذه العملية تتطلب من المعلم حسن الاستيعاب للسياق القرآني الذي وردت فيه العبارات وحسن الإدراك لما تحمله من المعنى، كما تتطلب منه دقة النقل والتكوين بحيث يُكوِّن من العبارات المنقولة جملا تناسب معناها من جانب وتناسب مستوى الدارسين وخصائصهم من جانب آخر؛ فلن تكون هذه العبارات القرآنية مادة تعليمية لغوية فعالة إلا إذا تم تقديمها على حسب المواقف التعليمية التي تجمع بين المعلم والدارسين.
والمعلم عندما يقوم بهذه العملية يحقق أهدافا تعليمية مختلفة:
- منها أنه من الناحية الإستراتيجية التعلمية يدرب الدارسين على التوسيع الذاتي لذخيرتهم اللغوية الإنتاجية من خلال الاستفادة المباشرة من الآيات القرآنية وهي ما يقرؤونه كثيرا في حياتهم اليومية ومن هنا سوف يتعودون على الاستفادة اللغوية من أيّ نص يقرؤونه أو يسمعونه.
- ومنها أنه من الناحية اللغوية يقدّم للدارسين المدخلات اللغوية من أعلى درجات الجمال والفصاحة؛ إذ إن لغة القرآن ذاتها هي معيار الجمال والفصاحة في اللغة العربية.
- ومنها أنه من الناحية النفسية يجعل الدارسين ينفعلون باللغة القرآنية ويفتخرون بها ويدركون أن القرآن ليس مصدر القيم الدينية فقط وإنما هو أيضا مرجع لغوي يستفيدون منه ما يجمّل لغتهم وينمّي مهارتهم من العبارات الرائعة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نقدّم فيما يلي بعض العبارات القرآنية التي يمكن أن يستفيد منها المعلم ويدخلها في مواد تنمية المهارات وخاصة مهارتي الكلام والكتابة:
* عبارة "حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" الواردة في الآية الأربعين من سورة الأعراف: "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ". وتعني هذه العبارة أن هذا الأمر يستحيل أن يحدث أو يتحقق، وأول ما على المعلم أن يفعله عند تقديمها أن يشرح معناها وذلك من خلال وضعها في بعض الجمل التي تناسب معناها مثل: "النمل لن ينموّ ليكون بحجم الفيل حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، و"الجاموس لن يطير حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، و"لن نرى الشمس بالليل حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ".
وبعد أن يرى المعلم أنّ الدارسين قد أدركوا معنى العبارة وفهموا سياقها يدرّبهم على استخدامها للتعبير عن الأشياء التي يرون حدوثها مستحيلا.
* عبارة "إِلَّا بِشِقِّ الأنْفُسِ" الواردة في الآية السابعة من سورة النحل "وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ". تعني هذه العبارة هذا العمل لا يمكن إنجازه إلا بمشقة وتعب ونصب، ويمكن للمعلم أن يوضح معناها للدارسين من خلال مثل هذه الجمل: "المسافة بعيدة جدًّا ولن نقطعها إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ"، أو "هذا الجبل مرتفع ولن تصلوا إلى قمته إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ"، أو "الأعمال متراكمة ولا أستطيع القيام بها في يوم واحد إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ"، وبعد أن يدرك الدارسون معناها جيّدا يتدربون على استخدامها للتعبير عن أنشطة في حياتهم لا يمكن فعلها إلا بتعب ونصب.
* عبارة "قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" الواردة في الآية الثامنة والتاسعة من سورة النجم "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" التي تعني شدّة الاقتراب. ويمكن أن يوضح المعلم معناها للدارسين من خلال سياقات مثل هذه الجمل: "كنت قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى من الفوز بالكأس"، أو "كنا قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى من أن يفوتنا القطار"، أو "وقفت قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى من السيد المدير". وعلى هذا المعنى يدرّب المعلم الدارسين على استخدام العبارة للتعبير عمّا يلاقون في حياتهم من الأشياء التي يقترب بعضها من بعض جدًّا أو الأحداث التي تكاد تقع.
* عبارة "تسرّ الناظرين" الواردة في الآية التاسعة والستين من سورة البقرة "قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ" التي تعني حسن المنظر ونيل إعجاب الناظِر والمشاهِد. ويمكن أن يوضح المعلم معناها للدارسين من خلال سياقات مثل هذه الجمل: "هذه القرية مليئة بمناظر تسر الناظرين" أو "حضر الحفلة بمظهر يسر الناظرين"، أو "لعب ميسي كرة القدم بطريقة تسر الناظرين" .
* عبارة "حَاجَة فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ" الواردة في الآية الثامنة والستين من سورة يوسف "وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا". وهذه العبارة تعني النية الخفية أو الدافع غير المعلن إلى فعل ما، ويمكن للمعلم توضيح هذا المعنى من خلال تكوين مثل هذه الجمل: "زرت بيته لحاجة في نفس يعقوب" أو "ما أخبرت زملائي بمرضي لحاجة في نفس يعقوب" أو "أخفى المعلم أسماء الطلاب الراسبين لحاجة في نفس يعقوب".
وهناك عبارات أخرى كثيرة وردت في آيات قرآنية يمكن أن تستمد منها مواد تنمية المهارة التعبيرية من دروس اللغة العربية للناطقين بغيرها. والمعلم عندما يقوم بهذه العملية التعليمية يكون قد حقق أبعادا مهمة جدًّا من تعليم العربية لغةً أجنبية، وهي البعد التعليمي واللغوي والنفسي.
أما البعد التعليمي فتحقق من خلال ربط تعليم اللغة العربية بأول مصدر لها وهو القرآن الكريم، وذلك بالاستفادة من العبارات القرآنية على حسب المواقف التعليمية.
وأما البعد اللغوي فتحقق من خلال تعريف الدارسين بعبارات من أفصح مصدر للعربية، وتدريبهم على التعبير بها في حياتهم أو بعبارة أخرى فإنه تحقق من خلال ما يمكن وصفه بتنزيل لغة السماء إلى لغة الدارسين في أرض الواقع.
وأما البعد النفسي فقد تحقق من خلال ما يشعر به الطلاب عندما يمارسون العبارات القرآنية في حياتهم اليومة من انفعال وافتخار، وهو ما يزيدهم حبًّا للغة العربية وإقبالًا على تعلّمها وتعليمها بإذن الله تعالى.