رَوْنق خَلّاب لا يقارن يتميز به شارع المُعِزّ لدين الله الفاطمي بمصر طوال أيام شهر رمضان، يجذب إليه أفواجًا تِلْوَ أفواج من المصريين والسياح الذين يأتون من كلّ فَجّ، يطلبون الجَمال والراحة في أحضان القاهرة الإسلامية التاريخية في ظلال عادات الشهر الكريم.
يمتدّ شارع المُعِزّ من باب زويلة بالدرب الأحمر، مرورًا بالغورية وشارع الصاغة، وُصولًا إلى باب الفتوح بِالجمالية، ويشهد عمليات تطوير مستمرة بدعم من منظمة اليونسكو، بعد الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992. وذلك للحفاظ على هذا المعلم الذي يُعَدُّ أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية، وَفقًا لِتصنيف المنظمة.
بهجة متواصلة
"البهجة هنا" هكذا لخّص المشهدَ بائعُ العِرْقِسُوس طارقٌ أبو رسلان، للجزيرة نت خلال جولتها الرمضانية في شارع المعز، التي بدأت عقب الإفطار واستمرّت حتى قبيل السحور.
منذ دخول الشارع الذي يخضع لحراسة أمنية مثل باقي المناطق الأثرية، تلفت الأنظارَ جمالياتُ الماضي والحاضر، حيث تتنافس فيه محلّاتُ الزخارف والذهب والأواني النحاسية والملابس الفولكلورية والمقاهي العائلية والشبابية، في جذب الأسر المصرية والشباب والسياح الذين جاؤوا بناء على سمعة هذا الشارع.
يكمل أبو رسلان -الذي أصر على أن نتناول كوبا من "التمر الهندي" قبل استئناف الحديث- قائلا "رمضان هنا الجمال، جوّ مُبهِج لكل من يأتي"، مضيفا أن أهل الشارع يشعرون بأن شارعهم "سعيد" بشهر رمضان الكريم من كثرة الخير الذي يشاهدونه فيه دون سائر الشهور.
التجمعات العائلية تبدأ قبل الإفطار بِوقت كافٍ -كما يوضح أبو رسلان- الذي يطوف الشارع بعد إطلاق مدفع الإفطار يبيع التمر الهندي والعرقسوس، ويستمر قدوم الشباب والأسر بعد الإفطار حتى تناول السحور، مشاركين في فاعليات بيت القاضي وبيت السحيمي وبيت الشاعر وزيارة المتحف والمساجد الأثرية.
ومن أبرز المعالم الأثرية في شارع المُعِزّ: سورُ القاهرة، وبابُ النصر، وبابُ الفتوح، ومدرسةُ الناصر محمد بن قلاوون، والقصرُ الشرقيّ الكبير، الذي يُعرَف أيضا باسم قصر الخليفة المُعِزّ.
رمضان يحلو به
الفنّان غريب مؤمن ابن محافظة شمال سيناء يشدو كثيرًا بأغانيه البدوية والوطنية في شارع المُعِزّ، وسط تجاوب كبير من الشباب الذين يلتفّون حول المسرح، ويشارك هذا العام في برنامج رمضان الثقافي والفني الذي تنظمه وزارة الثقافة المصرية بشارع المُعِزّ.
الفنّان السيناوي عبر عن مشاعره عقب انتهاء إحدى حفلاته قائلًا في حديث خاص للجزيرة نت "لم أشعر بشهر رمضان إلا في شارع المُعِزّ، حيث الشبابُ والسهر والتراث، هو شارع جميل وممتِع بكل المعايير، خاصّة في ظلّ بيوت الفن الجميل المنتشرة فيه".
الجميل -بحسب الفنان السيناوي- أن الجميع بمختلف الأعمار والثقافات يتذوّقون الفنَّ البدوِيّ، ويتفاعلون معه سواء بالتصفيق أو التصفير، خاصة حين يكون الغناء للشهيد.
الحنّاء السودانية
يلفت نظرَ زوار شارع المعز الوجهُ السودانيّ المنير لنساء السودان المتميزات في رسم الحنّاء السودانية، حيث يجلسن في مجموعات على مَصاطِب وفي أيديهن أدِلّة للرسوم المقترحة للحنّاء، ومنهن "الحنّاءة" آمال محمد من منطقة الجزيرة بالسودان.
تحبّ آمال شارع المُعِزّ خاصة في شهر رمضان، وتقول "في هذا التوقيت هذا الشارع تحفة، قبلة سياحية جميلة جدا"، مضيفة أنها منذ ثلاث سنوات وهي تجلس في هذا الشارع وتدخل البهجة على نفوس الزائرين برسومها.
والحنّاء أنواع وفقًا لآمال، وهي تجيدها جميعًا سواء السودانية منها أو الهندية أو الفرعونية أو المصرية، وتقبل بما يجود به الزوار ممّا لا يقل عن عشرة أو خمسة عشر جنيها.
رمضان في شارع المعز يتميز -حسب آمال- في وقتي الإفطار والسحور، حيث تجتمع العائلات على الموائد وتسهر حتى السحور، وتقول إن جلسات المصريين تنسيها غربتها، وتذكرها بعائلتها في السودان.
"من يغادر يعود مرة أخرى" هكذا أكدت آمال محمد، موضّحة أن شارع المعز لا تكفيه زيارة واحدة في شهر رمضان، وأنه لجماله يفرض تكرار الزيارة مرّة بعد مرّة.