بالقرآن نعلم العربية (10): الأنماط اللغوية

الدكتور نصر الدين إدريس جوهر

أستاذ العربية بجامعة سونن أنبيل-إندونيسيا

إن الاستفادة من القرآن الكريم في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى يمكن أن تتمّ من خلال تطوير المواد التعليمية عن طريق استمداد مواد تعليمها مما يتوفر في الآيات القرآنية من فنون اللغة وجمالها.

وقد تناول المقالان السابقان الصورة الأولى والثانية من هذه الاستفادة وهي الاستفادة على المستوى الصوتي أو النطقي وعلى مستوى العبارات. ويتناول هذا المقال بإذن الله الصورة الثالثة منها وهي الاستفادة على مستوى الأنماط اللغوية.

الأنماط في هذه العملية عبارة عن الحروف والأدوات والكلمات أو العبارات التي تربط بين أجزاء الجمل، والنمط الواحد يمكن أن يركب عليه عدد لا حدود له من الجمل. وبما أن الجمل تتركب غالبا على شكل معيّن من الأنماط فإنه يمكن تعيين وتحديد الأنماط من كل جملة واستخراجها منها لأهداف تعليمية.

والآيات القرآنية كغيرها من الجمل اللغوية تتركب على نمط معين من الأنماط اللغوية بل من أروع الأنماط؛ لكونها لغة كلام الله التي تتمتع بدرجة لا تبارى من جمال التعبير ودقة المعنى، مما يعني أنها يمكن أن تستخرج منها أنواع معينة من الأنماط ويُركّب عليها عدد لا يحصى من الجمل.      

والاستفادة التعليمية من القرآن الكريم على مستوى الأنماط هي أن يستخرج المعلم الأنماط اللغوية من جمل الآيات القرآنية، ثم يكوّن عليها جملا ويدرّب الدارسين على استخدامها لتنمية مهاراتهم التعبيرية كلامًا وكتابة. وهذه العملية لا يمكن أن تتمّ عشوائيًّا وإنما تتطلب من المعلم أن يقوم بها بشكل دقيق سواء من الناحية اللغوية أو من الناحية التعليمية.

أما من الناحية اللغوية فتتطلب هذه العملية من المعلم أن يحسن تحليل واستيعاب الجمل القرآنية التي وردت فيها الأنماط لكي يحسن إدراكها وتحديدها قبل استخراجها والاستفادة منها لأغراض تعليمية.

وأما من الناحية التعليمية فتتطلب من المعلم دقة النقل والتكوين؛ بحيث يختار من الأنماط التي يستخرجها من الجمل القرآنية ما يناسب ويلبي احتياجات الدارسين اللغوية ثم يقدمها لهم من خلال الأمثلة والموضوعات التي تناسب مستواهم اللغوي والعقلي ويدرّبهم على استخدامها من خلال الإستراتيجيات التعليمية التي يراها فعالة.

والآيات القرآنية كما سبق ذكره تشكل مصدرا كبيرا لهذه العملية. ونعرض على سبيل المثال لا الحصر في السطور التالية بعض الآيات القرآنية والأنماط التعبيرية التي يمكن الاستفادة منها ونماذج تكوينية من استخدامها في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها:

1 - الآية 19 من سورة السجدة (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَـلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) التي يمكن أن يستخرج منها النمط التعبيري: "أمـا ... فــ ..."، ويمكن للمعلم أن يطوّر هذا النمط التعبيري ويدرّب الدارسين على استخدامه من خلال جمل نموذجية مثل الآتي:

- أما هذا الموضوع فسندرسه في الأسبوع المقبل.

- أما موعد الامتحان فلم يعلن بعد.

- أما هذا فليس من مسؤوليتي.

2 - الآية 82 من سورة النساء (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِنْدِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَـوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا) التي يمكن أن يستخرج منها النمط التعبيري "لَوْ كَانَ... لَـــ ..."، ويمكن للمعلم أن يطوّر هذا النمط التعبيري ويدرّب الدارسين على استخدامه من خلال جمل نموذجية مثل الآتي:

- لو كان لديّ نقود لاشتريت هذا الكتاب.

- لو كانت اللغة العربية صعبة لما تكلم بها أحد.

- لو كنت مجتهدا لنجحت في دراستك.

3 - الآية 28 من سورة المؤمنون (فَـإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَـقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التي يمكن أن يستخرج منها النمط التعبيري "إِذَا ... فَــ ..."، ويمكن للمعلم أن يطوّر هذا النمط التعبيري ويدرّب الدارسين على استخدامه من خلال جمل نموذجية مثل الآتي:

- إذا دخلت البيت فألق السلام.

- إذا خرجت فأغلق الباب.

- إذا كنت مهموما فاقرأ القرآن.

4 - الآية 11 من سورة المؤمن (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) التي يمكن أن يستخرج منها النمط التعبيري "هل ... مِن ..."، ويمكن للمعلم أن يطوّر هذا النمط التعبيري ويدرّب الدارسين على استخدامه من خلال جمل نموذجية مثل الآتي:

- هل من سؤال في هذا الموضوع؟

- هل في هذا المقال من أخطاء لغوية؟

- هل بين هذين الرأيين من تناقض؟

5 - الآية 55 من سورة البقرة (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ) التي يمكن أن يستخرج منها النمط التعبيري (لن ... حتّى ..."، ويمكن للمعلم أن يطوّر هذا النمط التعبيري ويدرّب الدارسين على استخدامه من خلال جمل نموذجية مثل الآتي:

- لن نفهم القرآن حتى نفهم لغته.

- لن أرجع حتى أكمل الدراسة.

- لن أصدق ما قلت حتى تقسم.

هذه الأنماط التعبيرية القرآنية نوردها من باب التمثيل لا الحصر، وهناك بين سطور الآيات القرآنية عدد لا يحصى من الأنماط التي يمكن أن يحسن المعلم استغلالها لإغناء مواد تعليم اللغة العربية ويدرّب الدارسين على استخدامها في تواصلهم اليومي.

والمعلم عندما يقوم بهذه الاستفادة التعليمية من لغة القرآن في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها يحقق إنجازات تعليمية كبيرة منها:

1 - إرجاع تعليم اللغة العربية إلى مرجعه الأول وهو القرآن الكريم، وهذا سوف يزيد تعليمها وتعلمها بركة شأنه في ذلك شأن كل شيء يرتبط بالقرآن الكريم.

2 - تدريب الدارسين على الإدلاء بدلائهم في المحيط اللغوي القرآني ليستخرجوا منه حلية لغوية غنية لا تنفد يرجع إليهم نفعها طول حياتهم.

3 - تكوين علاقة نفسية متبادلة بين القرآن ودارسي لغته؛ بحيث إنهم بفضل ما أجادوا من اللغة العربية يجعلون القرآن ينطق لهم وهم بدورهم ينطقون بلغته فيما بينهم، وهذا بدون أدنى شك سيزيدهم حبًّا للقرآن واللغة العربية وافتخارًا بهما بإذن الله.

مدونات سابقة للكاتب