هناك توجيه تعليمي لغوي آخر يمكن استخراجه من بين سطور الآية 22 من سورة الروم، وهي قوله تبارك وتعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ"، ويمكن تطبيقه واستثماره في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، وهو الإعداد اللغوي والثقافي لمعلمي اللغة العربية.
إن تعليم اللغة العربية لغة أجنبية عملية متعددة الأبعاد لا تتعلق فقط باللغة العربية وثقافتها وإنما تتعلق أيضا بلغات متعلميها وثقافتهم، كما تتعلق بالموارد البشرية المميزة التي تمكّن من إدارة لغتين وثقافتين إدارة تعليمية فعّالة؛ لذلك يجب أن يحسَّن إعدادُ معلمي اللغة العربية وتأهيلهم تعليميا ولغويا وثقافيا.
ومن مواصفات المعلم المثالي للعربية لغةً أجنبية في ضوء الآية السابقة؛ أن يكون لديه ما يكفي من الكفاءات اللغوية والكفاءات التعليمية والكفاءات الثقافية. هذه الكفاءات الثلاث تمكّنه من حسن المعاملة مع الاختلاف الحائل بين اللغة العربية وثقافتها وبين لغة متعلميها الأجانب وثقافتهم، وإدارة هذا الاختلاف لأغراض تعليمية. والمعلم بهذه المواصفات إما أن يكون عربيا ناطقا باللغة العربية ومجيدا للغة متعلميها الأجانب وملما بثقافتهم، وإما أن يكون أجنبيا ناطقا بلغة المتعلمين ومجيدا للغة العربية وملما بثقافتها.
الكفاءة اللغوية هي أن يجيد المعلم كلا من اللغتين: اللغة العربية ولغة متعلميها. وهذه الكفاءة يمكن أن يمتلكها المعلم الناطق بالعربية والمعلم الأجنبي الناطق بغير العربية. أما إذا كان المعلم عربيا فتتمثل هذه الكفاءة في إجادته لغة المتعلمين وإلمامه بخصائصها وإدراكه لما بينها وبين اللغة العربية من الاختلاف على مختلف المستويات. وأما إذا كان أجنبيا ناطقا بما ينطق به المتعلمون فتتمثل هذه الكفاءة اللغوية في إجادته للغة العربية وإلمامه بخصائصها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية وما يقابل كل ذلك في لغة المتعلمين.
أما الكفاءة التعليمية فهي أن يجيد المعلم كيفية تقديم ما أجاد من اللغة العربية لمتعلميها الأجانب بطريقة تراعي ما بينها وبين لغتهم من اختلاف لغوي وثقافي ليدركوا أن ما حال من ذلك بين لغتهم واللغة العربية ليس فجوة تمنعهم من تعلمها وإنما هو بساط أحمر يفرش لهم ليمشوا عليه نحو إجادتها. ويركز التعليم على أساس هذه الكفاءة على تكوين المهارات والعادات اللغوية في الاتصال باللغة العربية لدى المتعلمين والتقليل إلى أدنى حد من تأثير لغتهم عند الاتصال بها.
وأما الكفاءة الثقافية فهي أن يلم المعلم بالخصائص الثقافية للغة العربية من جانب وللغة متعلميها الأجانب من جانب آخر. أما الخصائص الثقافية للغة العربية فتتمثل في استخدام اللغة العربية على الشكل الذي يعتاد عليه الناطقون بها من الكلمات والمصطلحات والعبارات والتعبيرات. وأما الخصائص الثقافية لمتعلمي العربية الأجانب فتتمثل في البيئة المحيطة بهم من النشاطات، والعادات، والتقاليد، والمأكولات، والملابس، وغيرها مما يتعلق بحياتهم المحلية. ومعلم العربية المؤهل ثقافيا هو الذي يقدر على تدريب المتعلمين على التعبير عن بيئتهم باللغة العربية على الشكل المعتاد عليه لدى الناطقين بها.
ولأجل أن يمتلك هذه الكفاءات فعلى المعلم أن يكون حسن الإعداد، وهذا الإعداد الذي يؤهله لغويا وثقافيا وتعليميا، إما أن يتلقاه من المؤسسات التعليمية من خلال تدريب المعلمين وتأهيلهم سواء كان قبل الخدمة (Pre Service Training) أم أثناء الخدمة (In Service Training)، وإما أن يقوم به بنفسه من خلال التدريبات والتأهيلات الذاتية (Self Training).
أما التدريبات قبل الخدمة فيتلقاها المعلم أثناء دراسته في تخصص تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى أو قبل تأديته وظيفة التعليم. ولكي تكون هذه التدريبات فعّالة في إعداد المعلمين المؤهلين لتعليم العربية لغة أجنبية يجب أن تستند إلى منهج شامل ومتكامل نظريا وتطبيقيا يزود المعلمين من جانب بالإلمام النظري المعرفي مثل النظريات اللغوية، ونظريات تعليم اللغة وتعلمها، وخصائص اللغة العربية، وأساليب تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى وغيرها من الجوانب النظرية من اللغة العربية وتعليمها للناطقين بلغات أخرى، ويزودهم من جانب آخر بالإلمام التطبيقي الذي يتدرب فيه المعلمون على التعليميات العملية مثل تصميم الدرس، وإدارة الفصل، وإعداد المواد التعليمية وتطويرها، وإعداد الاختبارات، وغيرها من الجوانب العملية من تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى.
وأما التدريبات أثناء الخدمة فيتلقاها المعلم أثناء قيامه بمهمة التعليم أو بعد انضمامه إلى هيئة التعليم في المؤسسة التعليمية. وتختلف هذه التدريبات عن تلك التي يتلقاها المعلم قبل الخدمة في أنها أكثر تركيزا وإجرائية، بحيث يتدرب المعلم من خلالها على تعليم اللغة العربية في ضوء منهج معين متبع في مؤسسات تعليمة معينة. ولكي تكون هذه التدريبات فعّالة في تأهيل المعلمين يجب أن تقدم على أساس معالجة المشكلات الواقعية التي يتعرض لها ويعانى منها المعلمون واقعيا في ميدان التعليم.
إلى جانب التدريبات قبل الخدمة والتدريبات بعد الخدمة التي يتلقاها المعلم من المؤسسات التعليمية التي يتعلم فيها والتي يعلم فيها، بإمكان المعلم أن يؤهل نفسه ويرفع مستواه التعليمي واللغوي والثقافي من خلال ما يسمى بالتأهيل الذاتي، وهو عبارة عما يقوم به المعلم برغبته الخاصة ومن خلال جهوده الشخصية في تنمية مهاراته الاتصالية ومعالجة مشكلاته التعليمية ورفع مؤهلاته المهنية في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. ويمكن أن يتمثل ذلك في تطوير المواد التعليمية، وتحديث الإستراتيجيات التعليمية، وتنويع المصادر التعليمية، وإدارة القنوات التواصلية بين المعلم والمتعلم، وغيرها من الاحتياجات المهنية التعليمية.
والمعلم المثالي يجب أن يطور نفسه ويعالج مشكلاته التي تتصف غالبا بديناميكية عالية بهذه الطريقة الفردية ولا ينتظر الدورات التدريبية التي تنسّقها المؤسسات التي قد تكون متأخرة وتأتي بالحلول بعد أن تشتد المشكلات.