لا العينُ ولا القلبُ يملّان من سحرِ هذا الجمال، بجبالها وأنهارها تخطف طاجيكستان الأنظار وتشدّ إليها كل من يعشق السياحة البيئية، ثلاثة وتسعون بالمئة من تضاريس هذا البلد الصغير في آسيا الوسطى جبال وعرة وجذّابة في آنٍ واحد، لا المناخ ولا الوقت كانا في صالحنا للذهاب إلى جبال بامير التي تكسوها الثلوج منذ الآن؛ فذهبنا إلى الجبال المحيطة بمنطقة حصار القريبة من دوشنبيه.
رافقتنا أنيسة هلوموفا الشابة العشرينيّة التي تعمل إلى جانب مهنة التدريس مرشدةً سياحيةً. ميدان جديد على المرأة الطاجيكيّة التي بدأت تدخل تدريجيا في مجالات كانت حتّى وقتٍ قريب حكرًا على الرجال.
استفدتُ قبل عامين من دورةٍ تدريبيّةٍ وكنّا كلنا فتيات، علّمتنا مدرّبات من فنلندا وسويسرا وألمانيا المعدّات الضروريّة لهذا النوع من السياحة. أهم شيء تعلمّته هو معرفة الطريق الذي يجب أن نسلكه وكيفيّة التعامل مع السيّاح الأجانب والمكان المناسب لنصب الخِيام، وأين يمكن تسلّق الجبال.
الفكرة التي بدأت صغيرةً وتكبر الآن وجدت استحسانًا لدى الأهالي رغم مخاوفهم في بداية الأمر ولدى السيّاح الذين يرون في ذلك وجهًا مشرقًا لتطوّر وانفتاح طاجيكستان. في البداية لم أكن أعرف شيئًا عن الجبال رغم أنني من بامير، أنا الآن مرشدةٌ سياحيّةٌ ولكنني أريد أن أصبح مرشدة جيّدة. ومن الجيد أيضًا العلم أنّ الكثير في هذا البلد يستحقّ أن يُرى ويُروى.
طاجيكستان الضائعة بين الجبال أخيرًا وجدت نفسها كإحدى أهم الوجهات السياحيّة في آسيا الوسطى، لكن حكومة دوشنبيه تريد أيضًا من زوارها أن يتعرفوا على الحضارات التي مرّت من هنا وعلى ثقافة البلد. قلعة منطقة حصار شاهد من بين مئات كنوز هذا البلد الجميل بماضيه وحاضره، يُحكى أنها بنيت قبل ألفين وخمسمائة عام في عهد كوش الكبير، وتم الاستيلاء عليها من الغزاة عشرين مرّةً. وبأنها كانت يومًا محل الإقامة الشتوية لحاكم شرق بخارى. ما الذي يمنع السيّاح من زيارتها وهي التي لا تبعد سوى ثلاثين كيلو مترًا عن العاصمة دوشنبيه؟
أعتقد أن الجانب الذي ينبغي تطويره هو الدعاية لمثل هذه الأماكن وتوفير الخدمات الفندقية اللازمة. المشكلة حاليًا هي أن الأرضية المطلوبة للسياحة الثقافية غير موجودة وعلينا أن نعمل من أجل توفيرها. كل من زار هذا البلد يمنّي النفس بالعودة يومًا؛ لأن جمال البلد وشعبه يجعلك تحنُّ قبل أن تغادر طاجيكستان.