على مرمى البصر، يطالعك واد عريق في الأردن كان فيما مضى جنات وأنهارا متدفقة، هو واد شهد حضارات غابرة منذ زمن العصر الروماني وانتهاء بالعصر الإسلامي: إنه وادي الأردن الخصيب.
فهذا الوادي الممتد كان مزدهرا بزراعة قصب السكر كما هو الحال في وادي النيل بصعيد مصر، حيث كانت الثروة التي جناها العرب من وراء صناعة السكر وتصديره في ذلك الوقت مماثلة للثروة الناجمة عن عصر النفط حاليا.
وعلى مشارف البحر الميت توجد أقدم معصرة لقصب السكر في بلاد الشام التي كانت تصنع سكرا بأنواعه المختلفة حتى أصبحت صاحبة الصدارة التجارية في العالم نظرا لجودة الإنتاج وقرب وصول بضائعها إلى دول أوروبا.
- "استخدم المماليك، وبشكل ذكي جدا ورائع قوة المياه لتحريك أحجار البد الثقيلة التي كانت تعصر وتهرس قصب السكر. يتم غلي العصير لينتج النوع الكريستالي الذي كان من أنقى أنواع السكر على وجه الأرض".
تجارة وضعت العرب على قائمة التجارة العالمية بعدما نجحوا في تصدير السكر عبر ميناء البحر الميت قديما من مدينتي الكرك والشوبك في جنوب الأردن، وصولا إلى مدينة غزة الساحلية لتنطلق القوافل صوب دول أوروبا.
- "هناك اتصال حضاري بين منطقة شمال مصر، دلتا النيل، لها اتصال حضاري مع مناطق جنوب الأردن وفلسطين، حتى إنه انتشرت هناك عشرات مصانع السكر في وادي الأردن".
وليس بعيدا من هنا، كانت أقدم مدينة عالمية، وهي أريحا في فلسطين المحتلة، تزخر بأكثر من عشرين معصرة لصناعة السكر بعد استغلال قوة الماء لعصر قصب السكر.
الجدير بالذكر أن استخراج مادة السكر عرف في التاريخ قبل أكثر من 2500 عام عبر حضارتي الهند واليونان، إلا أن العرب هم من استطاعوا بتقدمهم العلمي، تحويلها إلى سلعة عالمية بامتياز.
عَلَى مَرْمَى الْبَصَرِ، يُطَالِعُكَ وَادٍ عَرِيقٌ فِي الْأُرْدُنِّ كَانَ فِيمَا مَضَى جَنَّاتٍ وَأَنْهَارًا مُتَدَفِّقَةً، هُوَ وَادٍ شَهِدَ حَضَارَاتٍ غَابِرَةً مُنْذُ زَمَنِ الْعَصْرِ الرُّومَانِيِّ وَانْتِهَاءً بِالْعَصْرِ الْإسْلَامِيِّ: إنَّهُ وَادِي الْأُرْدُنِّ الْخَصِيبُ.
فَهَذَا الْوَادِي الْمُمْتَدُّ كَانَ مُزْدَهِرًا بِزِرَاعَةِ قَصَبِ السُّكَّرِ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي وَادِي النِّيلِ بِصَعِيدِ مِصْرَ، حَيْثُ كَانَتِ الثَّرْوَةُ الَّتِي جَنَاهَا الْعَرَبُ مِنْ وَرَاءِ صِنَاعَةِ السُّكَّرِ وَتَصْدِيرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُمَاثِلَةً لِلثَّرْوَةِ النَّاجِمَةِ عَنْ عَصْرِ النِّفْطِ حَالِيًّا.
وَعَلَى مَشَارِفِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ تُوجَدُ أَقْدَمُ مَعْصَرَةٍ لِقَصَبِ السُّكَّرِ فِي بِلَادِ الشَّامِ، الَّتِي كَانَتْ تُصَنِّعُ سُكَّرًا بِأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ حَتَّى أصْبَحَتْ صَاحِبَةَ الصَّدَارَةِ التِّجَارِيَّةِ فِي الْعَالَمِ نَظَرًا لِجَوْدَةِ الْإنْتَاجِ وَقُرْبِ وُصُولِ بَضَائِعِهَا إلَى دُوَلِ أُورُوبَّا.
- "اسْتَخْدَمَ الْمَمَالِيكُ، وَبِشَكْلٍ ذَكِيٍّ جِدًّا وَرَائِعٍ قُوَّةَ الْمِيَاهِ لِتَحْرِيكِ أحْجَارِ الْبَدِّ الثَّقِيلَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْصِرُ وَتَهْرِسُ قَصَبَ السُّكَّرِ. يَتِمُّ غَلْيُ الْعَصِيرِ لِيُنْتَجَ النَّوْعَ الْكرِيسْتَالِيَّ وَالَّذِي كَانَ مِنْ أنْقَى أنْوَاعِ السُّكَّرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ".
تِجَارَةٌ وَضَعَتِ الْعَرَبَ عَلَى قَائِمَةِ التِّجَارَةِ الْعَالَمِيَّةِ بَعْدَمَا نَجَحُوا فِي تَصْدِيرِ السُّكَّرِ عَبْرَ مِينَاءِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ قَدِيمًا مِنْ مَدِينَتَي الْكَرَكِ وَالشُّوبَكِ فِي جَنُوبِ الْأُرْدُنِّ، وُصُولًا إلَى مَدِينَةِ غَزَّةَ السَّاحِلِيَّةِ لِتَنْطَلِقَ الْقَوَافِلُ صَوْبَ دُوَلِ أُورُوبَّا.
- "هُنَاكَ اتِّصَالٌ حَضَارِيٌّ ما بَيْنَ مَنْطِقَةِ شَمَالِ مِصْرَ، دِلْتَا النِّيلِ، لَهَا اتِّصَالٌ حَضَارِيٌّ مَعَ مَنَاطِقِ جَنُوبِ الْأُرْدُنِّ وَفِلِسْطِين، حَتَّى إِنَّهُ انْتَشَرَتْ هُنَاكَ عَشَرَاتُ مَصَانِعِ السُّكَّرِ فِي وَادِي الْأُرْدُنِّ".
وَلَيْسَ بَعِيدًا مِنْ هُنَا، كَانَتْ أَقْدَمُ مَدِينَةٍ عَالَمِيَّة وَهِيَ أرِيحَا فِي فِلِسْطِينَ الْمُحْتَلَّةِ، تَزْخَرُ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مِعْصَرَةً لِصِنَاعَةِ السُّكَّرِ بَعْدَ اسْتِغْلَالِ قُوَّةِ الْمَاءِ لِعَصْرِ قَصَبِ السُّكَّرِ.
الْجَدِيرُ بِالذِّكْرِ أنَّ اسْتِخْرَاجَ مَادَّةِ السُّكَّرِ عُرِفَ فِي التَّارِيخِ قَبْلَ أكْثَرَ مِنْ 2500 عَامٍ عَبْرَ حَضَارَتَي الْهِنْدِ وَالْيُونَانِ، إلَّا أنَّ الْعَرَبَ هُمْ مَنِ اسْتَطَاعُوا بِتَقَدُّمِهِم الْعِلْمِي، تَحْوِيلَهَا إلَى سِلْعَةٍ عَالَمِيَّةٍ بِامْتِيَازِ.