أقام اتحاد مدرسي اللغة العربية في إندونيسيا (IMLA INDONESIA) الندوة العالمية الثالثة حول اللغة العربية في يوم السبت 16 مايو 2020م الموافق 23 رمضان 1441هـ. برعاية الدكتور تولوس مصطفى رئيس الاتحاد وبمشاركة عدد كبير من المعلمين والباحثين والخبراء في مجال تعليم اللغة العربية. وقد عُقدت الندوة بطريقة محوسبة وانضم إليها المشاركون عبر شبكة الإنترنت من أنحاء إندونيسيا وعدد من دول العالم.
وقد شارك في الندوة باحثان في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها هما الدكتور نصر الدين إدريس جوهر من الجامعة الإسلامية الحكومية سونن أمبيل بإندونيسيا، والدكتور إسلام يسري علي الحدقي من جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في تركيا.
قدم الدكتور نصر الدين إدريس جوهر في الجزء الأول من الندوة ورقة بحثية تناول من خلالها مسحا تقويميا لاختبارات اللغة العربية المستخدمة في إندونيسيا من ناحية الاتجاه الذي تتبناه ومدى مراعاتها لمبادئ التقويم مع بيان ما يترتب على ذلك من الإيجابيات والسلبيات.
وقال إن اختبارات اللغة العربية في إندونيسيا كانت تتبنى اتجاها نحويا استقباليا يركز إلى حد كبير على قياس إلمام الدارسين بالجوانب النحوية من اللغة العربية كما يركز على قياس مهارتهم في فهم المقروء. أما مهارة الاستماع فلم تحتو هذه الاختبارات على أي سؤال يقيسها رغم أن الجوانب الأساسية من هذه المهاراة مثل التعرف على النصوص المسموعة ودلالاتها قد وردت في المنهج والكتب المدرسية وقد تم تعليمها في حجرات الدراسة.
والأمر ذاته يحدث مع مهارتي الكلام والكتابة لكونهما مهارتين إنتاجيتين؛ إذ لم ترد في الاختبارات سواء التكوينية منها أم التحصيلية أسئلة تقيس مستوى الدارسين في هاتين المهارتين. والجدير بالذكر أن المواد المتعلقة بهاتين المهارتين التي وردت في المنهج وتم تعليمها في حجرات الدراسة، قد وردت في الاختبارات في صورة أسئلة الاختيار من متعدد مما يعني أنها وضعت لقياس مهارة القراءة إذ إنه لا يمكن قياس مهارة الكلام والكتابة –وهما مهارتان إنتاجيتان- من خلال أسئلة الاختيار التي تتصف بالاستقبالية.
ورأى الدكتور نصر الدين أن هذه الاختبارات بتبنيها هذا الاتجاه النحوي الاستقبالي، لا تراعي بعض المبادئ الأساسية في التقويم. ومن تلك المبادئ مبدأ الانسجام مع المنهج الذي لم تراعه لعدم تغطيتها الخبرات التعليمية المسطورة في المنهج، ومبدأ الشمولية الذي لم تراعه لاحتوائها على أسئلة لقياس مهارة القراءة دون غيرها، ومنها مبدأ العلمية الذي لم تراعه لعدم تمتعها بدرجة عالية من الصدق وذلك بتقديم أسئلة الاختيار من متعدد لقياس المهارة الإنتاجية، ومنها مبدأ الاستمرارية الذي لم تراعه لعدم توفيرها المعلومات الشاملة عن نتائج التعليم السابق التي من المفترض أن ينطلق منها التعليم التالي.
وأكد أن الاختبارات التي لا تراعي هذه المبادئ في التقويم تفقد بعضا من أهميتها في عدة جوانب؛ حيث تفقد أهميتها في الجانب النفسي لأنها لم تلبّ احتياجات نفسية لكل من المعلمين والدارسين بمعرفة ما حققوا بعد انتهاء مهمتهم التعليمية خاصة في تلك المهارات الثلاث وهي الاستماع والكلام والكتابة، كما تفقد أهميتها في الجانب التعليمي لأنها لم تحدّد المستوى التحصيلي الذي توصل إليه الدارسون في هذه المهارات الثلاث، وتفقد أهميتها في الجانب الإداري لأنها لم توفر للإدارة تقريرا تعليميا شاملا يمكن أن تعتمد عليه المؤسسة التعليمية في تقويم التعليم السابق الذي انتهى وإعداد التعليم اللاحق الذي سيبدأ.
واختتم طرحه بدعوة اتحاد مدرسي اللغة في إندونيسيا إلى أن يلعب دوره بشكل فعال في حل هذه المشكلة والتغلب عليها عن طريق تنسيق مشروع وطني لوضع اختبارات اللغة العربية في جميع المستويات التعليمية على أساس المعايير والاتجاهات الصحيحة، وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية ووزارة التربية والتعليم وإشراك المعلمين أصحاب الخبرات في تصميم اختبارات اللغة العربية الجيدة في بعض مدارس إندونيسيا، وبالتعاون أيضا مع الخبراء المنشغلين بهذا المجال والمؤسسات المعنية به من خارج إندونيسيا.
ثم قدم الدكتور إسلام يسري في الجزء الثاني من جلسة الندوة ورقة حول المعايير الدولية للاختبارات المحوسبة. وبدأها بعرض بعض المشاكل النفسية التي يتعرض لها الطلاب أمام الاختبارات المحسوبة، ومن أهمها أنهم يخافون من هذا النوع من الاختبارات لعدة أسباب: منها أنهم لا يعرفونه، ومنها أنهم يخشون تعطّل الحاسوب أثناء الاختبار، وأن بعضهم لا يجيد الكتابة على الحاسوب باللغة العربية، ومنها أنهم يتوقّعون عدم إمكان تصويب أخطائهم في الاختبار، ومنها أنها تؤدي إلى تساوي المجتهد وغير المجتهد لعدم المراقبة في الاختبار المحوسب.
ثم عرض المعايير الدولية التي لا بد من التقيد بها في الاختبار المحوسب وبيّن أن هذه المعايير تتعلق بستة جوانب هي: المواصفات التقنية والتجريب، والتصميم والشكل، والوسائط، والتصفح، والتحديث، والدعم الفني. ووقف عند معيار التصفح بشيء من التركيز؛ حيث شرح عناصره شرحا مفصلا واستخلص أن العناية بهذا المعيار تجعل الاختبار المحوسب أسهل من الاختبار الورقي التقليدي خاصة من حيث سهولة الانتقال من سؤال إلى آخر وإدارة أسئلة الاختبار والوقت المتاح للإجابة عنها إذ يمكن للطالب أن يتخطّى الأسئلة الصعبة إلى الأسئلة السهلة ويتجاوز الأسئلة التي لا يتأكد من صحة إجابته عنها ثم يعود إليها متى شاء بالسرعة.
وبعد شرح هذه المعايير نظريًّا تناول الدكتور إسلام يسري بعض الاختبارات المحوسبة التي يرى أنها تحقّق هذه المعايير ليوضح للجمهور تطبيقًا عمليا لكل معيار منها. وكان ذلك من خلال اختبارات كامبريدج باللغة الإنجليزية، واختبارات موقع الجزيرة لتعلم العربية باللغة العربية.
وقد تفاعل جمهور الندوة مع البحثين بالأسئلة والتعليقات، ثم اختتمت الندوة بكلمة ألقاها الدكتور تولوس مصطفى رئيس اتحاد مدرسي اللغة العربية في إندونيسيا معبرا عن شكره وتقديره لمسؤولي الاتحاد على عقد هذه الندوة، وللباحثَين على طرحهما المميز، وللمشاركين على مشاركتهم وتفاعلهم. ودعا الدكتور تولوس الجميع إلى التعاون في مواجهة تحديات تعليم اللغة العربية في المجالات المستجدة مثل الاختبارات المحوسبة والتغلب على يظهر فيها من مشكلات.
وشهدت الندوة مشاركة كبيرة من قبل معلمي اللغة العربية ومتعلميها والمعنيين بتعليميها وتعلمها من الإندونيسيين وغيرهم؛ حيث بلغ عدد المشاركين فيها أكثر من ستمائة مشارك انضم بعضهم إلى هذه الندوة من دول مختلفة مثل روسيا وتركيا وسوريا والهند والعراق والسودان وقطر والإمارات العربية المتحدة وتايلند وماليزيا وبروناي دار السلام وغيرها.
وهذه هي الندوة الثالثة من سلسلة الندوات الافتراضية العالمية حول اللغة العربية التي يقدمها اتحاد مدرسي اللغة العربية في إندونيسيا بتنسيق رئيسة وحدة تنمية الموارد البشرية في الاتحاد الدكتورة ريتا فبريانتا.