لا ريب أن الناس متفاوتون في تعلّم اللغات الثانية أو الأجنبية، وهناك عوامل كثيرة مختلفة تلعب دوراً في هذا التفاوت منها ما هو لغوي ومنها ما هو غير لغوي، وستسلط هذه المقالة بعض الضوء على التأثيرات غير اللغوية في اكتساب اللغة العربية وتعلّمها لدى الناطقين بغيرها لكي يتنبه لها معلم العربية ويحاول أن يأخذها في الحسبان في عملية تعلّم العربية وتعلميها. وغالباً ما يعيد الباحثون هذه الاختلافات والتأثيرات إلى مصطلح واحد هو الفروق الفردية، وهذا مصطلح مضلل إذ ليس كل التأثيرات تعود إلى العوامل الشخصية في متعلّم اللغة الثانية أو الأجنبية. ومن أبرز هذه العوامل:
- البعد الاجتماعي: إذ تختلف مخرجات عملية التعلّم بناء على الصلة والقرب النفسي والاجتماعي الذي يشعر به متعلم اللغة الثانية أو الأجنبية من أهل اللغة، وكلما اندمج المتعلم ثقافياً كانت موجبات اكتساب اللغة الثانية أكبر وأفضل. فالبعد الاجتماعي يتسبب في التواصل وينتهي بالتعلّم وتطوير الكفاءة اللغوية. وهناك أسباب قد تكون عكسية كالصدمة الثقافية وغيرها.
- الفرق في العمر: يميل الباحثون في اكتساب اللغة الثانية إلى أنّ الصغار يتعلمون اللغات الأجنبية أحسن من الكبار، وأن الإناث يرتقين في مستوى الكفاءة اللغوية بشكل أسرع من الذكور، ويبقى الأمر غير محسوم بشكل نهائي، ويبقى مَن هو المتعلم الأفضل مسألة نسبية إلى حدٍ كبير، ولكن العمر لا شك يلعب دوراً في نوعية التعلّم وكيفيته، مما ينعكس على القرارات التدريسية التي يقوم بها المعلم فالمتعلم الطفل ليس كالراشد وليس كمن بلغ من العمر عتياً.
- الاستعداد والقدرة: يؤثر الاستعداد والقدرة تأثيراً كبيراً على مسار التعلّم، وهما انعكاس للبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الفرد إلى حدٍ كبير، وبالتالي يختلف الاستعداد والقدرة عند أبناء الطبقة الفقيرة عنهما عند أبناء الطبقة الغنية، مما قد يحرم الفقراء من عناصر قوة الاستعداد والقدرة حيث يتحتم على المعلم إعادة توجيه البوصلة نحو هؤلاء لتحقيق نوع من التوازن بين الفئتين. ويتكون الاستعداد والقدرة من: القدرة على التمييز الصوتي: استدخالاً وإنتاجاً، والحساسية نحو القواعد والمفردات، والمقدرة على الاستنباط والاستنتاج والتعميم، وأخيراً الذاكرة.
- الدافعية للتعلّم: من العوامل النفسية الاجتماعية التي لا يختلف اثنان في تأثيرها على اكتساب اللغة الثانية قوة الدافعية على التعلّم، فمن الطبيعي أن يكتسب صاحب الدافعية الكبيرة اللغة بشكل أسرع وأفضل. وتتكون الدافعية بحسب جاردنر من أربعة عوامل، هي: الهدف والجهد المبذول، والرغبة في تحقيقه، وتوافر توجّه جيد نحوه.
- التوتر والقلق: من العلماء من يجعل عنصر التوتر ضمن الدافعية للتعلّم ومنهم مَن يفصله لأهميته ودوره في اكتساب اللغة وتعلمها، ومن البيّن ارتباط الدافعية بالتوتر، وللتوتر والقلق أنواع مختلفة، التوتر من الكلام أمام الناس، والتواصل معهم، والتوتر والقلق من الاختبارات، والتوتر والقلق من المنافسة بين الدارسين، والتوتر من الحياة في مجتمع غريب، وقد يؤدي هذا التوتر والقلق إلى سلوك سلبي نحو المجتمع الجديد ولغته على المعلم أن يعيّه ويوجه مساره.
- العوامل الشخصية: وهذا مجال خصب وواسع وكبير، وقد اهتمت به اللسانيات النفسية ويكفي أن نتحدث عن الشخصية الانطوائية والشخصية المنفتحة وأثر كل واحدة منهما في اكتساب اللغة وتعلمها.
- المغامرة: للمغامرة دور حاسم في اكتساب اللغة وتعلمها، وهي عامل من عوامل النجاح فيها، فتعلّم اللغة مغامرة ومخاطرة وعملية مستمرة من اتخاذ القرارات الجريئة، وكلما كان المتعلم كذلك زادت فرصه في اكتساب اللغة وتعلمها. وترتبط المغامرة بالسلوك العام للشخص في كيفية تعامله مع المكسب والخسارة واتجاهه في التعامل مع المجهول.
- إستراتيجيات التعلّم: لا تتساوى قدرات الدارسين في أداء الأعمال المختلفة، وتختلف أساليبهم في التعامل مع المسائل المتنوعة، وبالتالي قد تبدو بعضها أفضل في نتائجها من بعض، وعليه نقول إنّ إستراتيجيات تعلّم كل دارس تحتلف عن دارس آخر كما هي الحال في حفظ المفردات على سبيل المثال أو دراسة القواعد؛ ولذلك نتوقع اختلافاً في النتائج بشكل عام وفي الكفاءة اللغوية بشكل خاص. وهذه الإستراتيجيات ترتبط بالعمليات العقلية التي يقوم بها الدارس ويختلف الناس في تطبيقاتها بناء على خبراتهم الحياتية السابقة كقدرتهم على الحفظ والتذكر والتوضيح، والتأكيد، والتحليل والمراقبة والتخمين وغيرها من مهارات التفكير العليا.