تدريس مهارة الاستماع 1 / 3

الدكتور أحمد حسـن

أستاذ اللغة العربية المساعد بجامعة بورصا ألوداغ التركية

سنعرض في هذا المقال* من خلال الأسئلة والإجابات مفهوم الاستماع والإرشادات المتعلقة بإعداد نصوص الاستماع وتدريباته واختباراته.

أولا: ما مفهوم الاستماع؟

- الاستماع أبو الملكات كما قال ابن خلدون في مقدمته، "والاستماع فن يشتمل على عمليات معقدة، يعطي فيها المستمع اهتماما خاصا، وانتباها مقصودا لما تتلقاه أذنه من الأصوات"،[1] وهو إحدى مهارتي الاستقبال في اللغة العربية.
ويعدّ الاستماع من أصعب المهارات التي نعلمها لطلابنا؛ لأنه يرتبط بمجموعة من العمليات العقلية المعقدة؛ حيث تتلقى الأذن مجموعة من الأصوات والمفردات والتراكيب، فيحاول المستمع مطابقتها بمخزونه اللغوي فيما يعرف بعملية "التعرف"، وأثناء ذلك يحاول التكيف مع سرعة المتكلم وطريقته في الحديث، ويغالب الضوضاء المحيطة، ثم ينتقل إلى مرحلة تحليل المسموع وانتقاء ما يعرفه وما لا يعرفه في عمليات تحليل معقدة، موظفا خلالها عمليات أخرى كالتخمين والتنبؤ؛ بغرض فهم الرسالة فيما يعرف بعملية "فهم المسموع"، متفاعلا مع مضمون الرسالة بما لديه من خبرات سابقة، وتستغرق هذه العمليات بضع ثوان، لينتقل بعدها من مرحلة الاستقبال إلى مرحلة الاستجابة الشفوية أو الكتابية، ويتضح لنا من الخطوات السابقة مدى صعوبة ما تتضمنه هذه المهارة من عمليات عقلية.

-  لا يُتصور أن تبدأ دراسة العربية دون البدء بمهارة الاستماع؛ حيث يتعرف الدارسون خلالها على النظام الصوتي للغة العربية الذي أشرنا إليها في مقال سابق، إذ ينطلق الدارس من خلاله إلى مرحلة النطق والتحدث، تليها مرحلة القراءة، ثم الكتابة، وهو الترتيب نفسه الذي يمر به الطفل عند اكتسابه اللغة الأولى، وهي إن كانت تُكتسب لدى الطفل تلقائيا بكثرة الاستماع، فإنها تُعالَج في برامج اللغات من خلال ثلاث مراحل؛ التعرف والتدريب والتقويم.

- "وقد أصبح الاستماع جزءا رئيسا في معظم برامج تعليم اللغات في الدول التي تقدمت في هذا المضمار، فقد كشفت بعض الدراسات أن تلاميذ المدرسة الثانوية في بعض هذه البلاد يخصصون 30% من برنامج تعليم اللغة للحديث، ونسبة 16% للقراءة، ونسبة 9% للكتابة، ونسبة 45% للاستماع".[2] وقد أشار طعيمة إلى أن الاستماع يحظى بنسبة 28% من محتوى المستوى المبتدئ، و14% للمستوى المتوسط، و58% للمستوى المتقدم[3].

ثانيا: ما إرشادات إعداد نصوص استماع؟

إذا كنت تريد إعداد نصوص استماع فإليك الإرشادات الآتية:

1- انسج نص استماع على منوال النص القرائي مع تغيير بعض المعلومات، مثل: الأسماء والأماكن والأعداد... إلخ.

2- اقرأ النص بصوتك، أو سجله بشكل جيد، أو استعن بمعلم آخر أو متخصص، مع مراعاة النبر والتنغيم ومواضع الوقف ومخارج الأصوات... إلخ.

3- يجب ألا تكون هناك وقفات -عند التسجيل- لإبراز مواضع إجابات الأسئلة، ولتحاشي ذلك يرجى تسجيل النص قبل إعداد الأسئلة.

4- يمكن البحث عن نصوص جاهزة؛ سواء كانت مسموعة فقط، أو مسموعة ومرئية، أو بثًا حيًا مباشرًا.

5- يجب أن تخلو النصوص المسموعة من التشويش، إلا إذا كان مقصودا.

6- يجب ألا يُوغِل النص المسموع في تفاصيل ليس لها علاقة بما درسه الطلاب، أو بعيدة عن التدريبات والأسئلة اللاحقة؛ مثال خطأ: يتحدث النص الآتي عن ذهاب الطالب إلى السوق، لكنه امتلأ بحشو لا فائدة منه كالآتي:

    (ذهب الطالب إلى السوق واشترى ثلاثة أنواع من الخضراوات، الجزر والخيار والكوسة، فاشترى من النوع الأول أربعة كيلو، وكان سعره عشرين جنيها، ومن النوع الثاني...، ومن الفاكهة ......). في حين يقتصر السؤال على تحديد الفكرة الرئيسة.

7- يمكن أن يكون النص نشيدا مسموعا أو مرئيا، فتقوم بتفريغ بعض كلماته، ثم توزع أوراق عمل على الطلاب ليملؤوا الفراغات. (يمكن حذف الكلمات التي تحتوي على صوت صعب على الطلاب مثل: "ع"، "ح"، "غ"). ومثل هذه النصوص تكون محببة للدارسين في المستوى المبتدئ، ولا يلزم فهم كل مفرداتها. وإليكم المثال:

(أُمِّي كَم أَهْوَاهَا/ وَأَشْتَاقُ لِمرآها   و(1)... لألْقَاهَا/ واُقَبِّلُ يُمْنَاهَا) "أحن"

ثالثا: ما إرشادات إعداد أسئلة التدريبات والاختبارات؟

  1. تتنوع أشكال التدريبات مثل: المزاوجة بين الصورة والنص المسموع، وترتيب الصور وفقا للنص المسموع، وصواب أو خطأ، واختيار من متعدد، والاستجابة العملية كالرسم أو متابعة التعليمات على خريطة، التكملة، الترتيب، التلخيص.[4]
  2. يجب أن يكون رأس التدريب سهلا واضحا، ومُحدِّدًا لما يجب أن يقوم به الطالب بدقة، مثال: (ضع دائرة حول الاختيار الصحيح، أو ضع خطًّا تحت الاختيار الصحيح، أو اكتب "صوابا أو خطأ"، أو ضع إشارة() أمام العبارة الصحيحة وإشارة (×) أمام العبارة الخطأ... إلخ.
  3. الأسئلة الموضوعية تناسب المستوى المبتدئ، مثل: الاختيار من متعدد، وصواب أو خطأ. والأسئلة الموضوعية والمقالية تناسب المتوسط، والأسئلة المقالية تناسب المتقدم.
  4. يجب أن تعتمد إجابة سؤال الاستماع على النص المسموع، وليس على قراءة ساق السؤال.

مثال: (معنى "تناول" في النص المسموع....       أ- أكل    ب- ذهب     ج- اشترى).

السؤال السابق خطأ؛ لأن الطالب سيختار الإجابة (أ) اعتمادا على حصيلته اللغوية من المفردات، وليس لاعتماده على النص المسموع.

  1. لا بد أن تعتمد إجابة سؤال الاستماع على النص المسموع، وليس على السياق. مثال: (سيتخرج أحمد من كلية الطب ليعمل...)، السؤال السابق خطأ؛ لأن الطالب منطقيا يعرف أنه سيكون طبيبا دون الرجوع للنص المسموع.
  2. يجب ألا تعتمد الإجابة على بدهيات، كأن يحتوي السؤال على مسألة (4+4=8).
  3. يجب ألا تعتمد الإجابة على المعلومات السابقة، كأن أقول: (بني الإسلام على... أركان).

(أ- أربعة  ب- خمسة      ج- ستة)

  1. يجب أن يكون ترتيب الاختيارات تصاعديا أو تنازليا وليس عشوائيا.

مثال: (20-30-40) أو (40-30-20).

  1. يجب تحري الصحة اللغوية في اختيار الكلمات العربية السليمة (فلا تُستخدم كلمات غير عربية مثل: موبيل أو فيتامينات)، وتحري الصحة الإملائية (كتابة الهمزات بشكل سليم)، والصحة الإعرابية (ضبط أواخر الكلمات)، والصحة الصرفية (البنية والاشتقاق)، وصحة علامات الترقيم.
  2. يجب أن يتميز السؤال بالصدق، فيقيس ما وضع لقياسه، فلا تسأل عن شيئين في وقت واحد، كأن تسأل عن الزمان والمكان والفاعل في سؤال واحد.
  3. يجب ألا يشوش المتن على الطالب، فتضع اسم شخصين أو ثلاثة وترتكز الأسئلة على شخص واحد، بل يجب أن تتوزع الأسئلة عليهم.
  4. يجب توحيد مصطلحات السؤال، فلا تستخدم كلمة (سنة وعام) في النص المسموع، ثم تستخدم عام في الأسئلة، إلا إذا كان مقصودا، فحينئذ تستخدم كلمة (عام) في كل النص، وتضع في الاختيارات سنة.
  5. لا بد أن يحتوي النص على بعض النقاط التي لا يُسأل عنها (حشو زائد منظم)، بحيث يسمح ذلك الحشو بانتقال الطالب من صفحة لأخرى في كراسة الإجابة، مثال لسؤال خطأ: (هو محمد، ولد في مصر، ويعمل طالبا)، ويُسأل في التدريبات عن هذه النقاط الثلاث، مع قلب الصفحة، ذلك خطأ؛ لأنه لا بد من زيادة بعض الجمل (الحشو) حتى يتمكن من قلب الصفحة ومتابعة النص المسموع.
  6. لا بد أن تتعلق الأسئلة بأشياء عامة معروفة للجميع، مثال لسؤال خطأ: (ذهب محمد إلى سوق الرَّمل)، ثم نضع في الأسئلة يقع السوق في مدينة... (القاهرة - الإسكندرية)؛ ذلك خطأ، لأن الطالب قد لا يعرف هذا المكان لكونه من دولة أخرى، أو يسكن في مدينة أخرى.
  7. لا بد أن تَضبِط بالشكل تدريبات واختبارات المستويين المبتدئ والمتوسط، ومن الخطأ أن تضبط بعض الأسئلة ويترك بعضها الآخر.
  8. يجب أن يبدأ الاختبار من اليمين إلى اليسار، ويكون تدبيس أوراق الأسئلة من جهة اليمين كذلك.
  9. لا بد أن يعتمد التدريب أو الاختبار في أسئلته وتعليماته على اللغة العربية، ولا يعتمد على لغة وسيطة، فيكون غلاف الاختبار وتعليماته وكل محتوياته بالعربية.
  10. أن تكون المدة الزمنية للتدريب أو الاختبار كافية لعدد الأسئلة، وكافية لقراءة الاختيارات، وكافية للانتقال المريح بين الأسئلة، إلا إذا كانت بعض الأسئلة متعلقة بالسرعة.
  11. تحييد المؤثرات الخارجية؛ كغلق الأبواب والنوافذ والأجهزة التي تسبب ضوضاء.
  12. بدء التدريب أو الاختبار في الموعد المحدد بحضور الطلاب، فدخول الطلاب متأخرين أثناء تشغيل المسموع من شأنه الإضرار بسلامة الأداء.
  13. يجب أن تعكس المادة المسموعة في الاختبار ما درسه الطالب من موضوعات، فلا يكون السؤال نفس ما درسه في مهارة الاستماع، ولا يكون غريبا بعيدا عما درسه.

ملحوظة:
بعض المعلمين يُحوِّلون نص القراءة إلى نص استماع اختباري، وَأُشَبِّه ذلك بمن يدرب على قيادة السيارة، ويختبره في قيادة الطائرة، صحيح أنَّ المهارات يتكامل بعضها مع بعض، لكن لكل مهارة أهدافها المستقلة التي يجب تنميتها على حدة.

 

مقالات سابقة للكاتب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا المقال مقتبس من كتاب الأساس في أساليب تدريس المهارات اللغوية لغير الناطقين بالعربية (أحمد حسن محمد علي. (2021). ط1. أنقرة، دار سون تشاك، ص 67 - 71). 

[1]. مدكور، علي.(1991). تدريس فنون اللغة العربية. القاهرة: دار الشواف للنشر والتوزيع. ص75. 

[2]. المرجع السابق. ص72. 

[3]. طعيمة، رشدي؛ مدكور، علي، هريدي، إيمان.(2010). المرجع في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. ط1. القاهرة: دار الفكر العربي. ص219. 

[4] . بانعمة، عادل وآخرون.(2016). وثيقة بناء منهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. الإصدار رقم (50). معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. جامعة أم القرى. ص 199-200.