لقد ازداد تواصل الشعوب والثقافات وأصبح العالم كما يقال قرية واحدة، ويقتضي ذلك أننا نحتاج إلى التعبير عن أسماء أعلام هذا القرية أشخاصًا وبلدانًا ومصطلحاتٍ...
والعَلَم –كما هو معروف- لا يترجم بل يُنقل بلفظه ولا يقع فيه من التغيير إلا ما تقتضيه طبيعة اللغة المنقول إليها.
وهو أمر يحتاج إلى جهد واجتهاد خاصلة حين يتعلق الأمر بالتعبير الكتابي؛ إذ ليس كل الأصوات المنطوقة في العالم لها رموز في اللغة العربية ولا في غيرها من اللغات.
وفي غياب تلك الرموز بدأ الاجتهاد في الحروف المناسبة للتعبير عن الأصوات التي لا رموز لها في العربية، وكان أهل كل منطقة يرسمون تلك الأصوات بحروف لها صلة بنطقهم، وهو ما أثار اضطرابا كثيرا في كتابة بعض الأصوات الأجنبية والكلمات التي تحويها.
ولعل أوضح مثال لذلك كتابة صوت الجيم غير المعطشة التي توجد في كثير من الأعلام والمصطلحات الأجنبية (وترسم فيها بالحرف "ɡ")، وتنطق بدلا من حروف عربية في بعض المناطق العربية؛ حيث نجد لهذا الصوت عدة صور منها:
- كتابته بالجيم (ج) كما يرسمه المصريون، وربما يعود ذلك إلى أن صوته قريب من نطقهم للجيم.
- كتابته بالقاف (ق) كما هي الحال في اليمن والسودان ودول الخليج العربية؛ حيث ينطق معظم الناس في هذه المنطقة في تعبيرهم العامي حرف القاف بهذا الصوت.
- كتابته بالقاف المثلثة (ڨ) كما هي الحال في تونس والجزائر.
- كتابته بالغين (غ) كما هي الحال في بعض بلاد الشام وبعض الكلمات المعرّبة قديما.
- كتابته بالكاف أو الكاف المثلثة (ڭـ) كما هي الحال في المغرب وموريتانيا.
- كتابته بكاف معقودة أو ما يسمى الكاف الفارسية (گ) كما هي الحال في العراق، ومعظم اللغات المكتوبة بالحرف العربي مثل الفارسية والأردية والتركية العثمانية.
وتفاديًا لتلك الفوضى في كتابة الأصوات الأجنبية كلف مجمع اللغة العربية بالقاهرة لجنة علمية بدراسة الأصوات التي لا نظير لها في العربية واقتراح صور لكتابتها، ومن ضمن تلك الأصوات صوت الجيم غير المعطشة، وقد اقترحت اللجنة كتابة هذا الصوت بالكاف الفارسية، وناقش مجلس المجمع المسألة في دورته الخامسة والعشرين فأقر مقترح اللجنة مع بقاء ما شاعت كتابته بالغين على حاله مثل يوغسلافيا وغانا وفيثاغورس وجغرافيا (كما نقله الدكتور شوقي ضيف في كتابه مجمع اللغة العربية في خمسين عاما/ ص: 113).
لكن هذا القرار لم ينفذ، إذ لا تزال كتابة هذا الحرف مضطربة مختلفة من مكان إلى آخر، ويكفي لمعرفة مستوى هذا الاضطراب أن نبحث مثلا عن اسم محرك البحث “google” بالعربية على الشبكة العالمية، في المحرك نفسه؛ حيث نجد النتائج التالية:
جوجل: 41800000 مرة.
غوغل: 9210000 مرة.
قوقل: 7930000 مرة.
كوكل: 987000 مرة.
وإذا كان لهذا الاختلاف مسوّغ حين كان التواصل بين تلك المناطق محدودا، فإنه لم يعد مقبولا بعد الثورة الرقمية التي جعلت الناس في تواصل يومي؛ حيث تكتب الكلمة في أيّ بلد فتُقرأ خلال لحظات في بقاع شتى من العالم عبر المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، هذا فضلا عن أهمية توحيد الكتابة في دقة عمليات البحث والإحصاء على الشبكة العالمية.
ما السبيل إلى توحيد الكتابة؟
أعتقد أن أهم خطوة في سبيل توحيد الكتابة هي وضع معايير علمية لمثل هذه الظواهر.
ولمّا كانت الكتابة تابعة في الأغلب للنطق ومتصلة به فينبغي أن يكون أول هذه المعايير هو مخرج الحرف وصفاته.
وهذا ما كان العرب يراعونه في التعامل مع الأصوات الأجنبية كما ذكره ابن بري في كتاب التعريب والمعرّب (ص: 22) حيث قال: "بَاب معرفة العرب في اسْتِعمال الأعجمي: اعلم أَنهم كثيرا ما يجترئون على تغيِير الأسماء الأعجمية إِذا استعملوها فيبدلون الحروف التي ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجا وربما أبدلوا ما بعد مخرجه أيضا والإبدال لازم لِئَلَّا يدخلوا في كلامهم ما ليس من حروفهم وربما غيّروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب".
وهذه مهمة مجامع اللغة العربية واللغويين المختصّين، فعلى هؤلاء أن يدرسوا الصوت الأجنبي المستهدف ثم يحددوا أقرب الحروف العربية إليه من حيث المخرج والصفة ويقترحوا الرمز الأنسب للتعبير عنه، ثم يأتي دور المجامع لتصدر قرارات بهذا الشأن وتسعى لتنفيذها وإشاعة العمل بها عبر المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام والشبكات الرقمية.