المشكلة ليست في الاختبار.. أين المشكلة إذن؟

الدكتور إسلام يسري علي

جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية

من المشكلات التي تشعر بأنها أزلية في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها مشكلة اختبار الكفاءة اللغوية، وألاحظ أن الكثيرين يطوفون حول هذا الموضوع، ودائما ما يقولون نحتاج إلى اختبار كفاءة لغوية، وهذا الكلام في حد ذاته غير دقيق لأن هذا ليس التوصيف الجيد للمشكلة، فالمشكلة ليست في الاختبار.

منذ أكثر من عشر سنوات وهناك اختبارات يذكر أصحابها أنها معيارية، منها اختبار التنال واختبار مركز القياس السعودي واختبار الجامعة الإلكترونية السعودية، واختبار العرفان في المغرب، كما أن المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية لديه اختباراته أيضا، بالإضافة لاختبارات العربية في جامعات الشرق والغرب التي لا نعرف عنها شيئا.

وأتذكر أني دعيت منذ سنتين تقريبا للحديث في إحدى المنظمات الدولية عن بناء إطار مرجعي عربي مشترك وبناء اختبار عالمي للكفاءة لغوية، وكان الجزء الأساسي من كلمتي مُنْصبًّا على أن المشكلة ليست في بناء الاختبار، لأن هناك اختبارات بالفعل، والسؤال الذي لابد أن نسأله لماذا لم تصبح هذه الاختبارات عالمية؟

لماذا يفرح أي مؤلف عندما يبيع عشرة آلاف نسخة من كتابه العربي بينما في الغرب يبيعون ملايين؟

لماذا نجد ACTFL, Cambridge assessment , ETS, Pearson  ولا مؤسسة عربية واحدة بهذا المستوى من الحرفية والشهرة في مجال العربية، لماذا توجد سلاسل مراكز لتعليم الإنجليزية منذ القرن التاسع عشر لديها فروع في أغلب دول العالم، ولم يحدث هذا لأي مؤسسة من مؤسسات تعليم العربية؟

ليس السبب الأوحد أنهم يعملون في تعليم لغة العصر الإنجليزية؛ لأن جمهور العربية ليس قليلا أيضا، بل إن هناك ملايين من الناس يتعلمون العربية في العالم.. في رأيي أن المشكلة تكمن في "الاحتراف".

أغلب مشروعات تعليم العربية سواء كانت مراكز أو كتبًا أو دور نشر أو مواقع إنترنت أو اختبارات يقوم عليها أساتذة في اللغة العربية، وهذا أمر جميل، لكن إذا حللنا مهامّ هذه المؤسسات فسنجد اللغة أحد الأدوار في المؤسسة وليست هي المؤسسة، فبناء اختبار يحتاج كُتَّاب اختبارات ومتخصصين في القياس التربوي لتقنين الاختبار، لكن المشروع لم ينته هنا؛ فالانتهاء من الاختبار هو أول خطوة في العمل، وبعد ذلك نحتاج إلى خطوات طويلة جدا ليصبح هذا الاختبار عالميا.

فبعد تجهيز الاختبار سيحتاج إلى اعتراف الدولي به، ومن ثم فعلى القائمين عليه أن يوفروا التمويل اللازم للحصول على هذا الاعتراف، ولا توجد جهة تقول "أنا أعترف بالاختبار" فيرد عليها أبناء الكوكب "سمعنا وأطعنا".. بل لابد من اتصالات بالمنظمات الإقليمية والجامعات الكبرى للحصول على هذا الاعتراف، وفي الوقت نفسه فإن هذا العمل يحتاج إلى وقت، ومن ثم فلا بد من عمل "صيانة" للاختبار ليواكب ما يحدث من تطور في مجال التقويم اللغوي، وإذا حصلنا على الاختبار وعلى الاعتراف به فكيف نصل به مستوى الشهرة والتداول؟ وهنا لا بد من عمليات تسويق واسعة النطاق.

إذن لابد من مراكز اختبارات حول العالم، وهذه المعاملات الدولية تحتاج إلى إدارة علاقات عامة وجودة ومالية تتابع عمل هذه المراكز.. ولابد من مراعاة الجهات المحلية في تلك الدول التي تنظم اختبارات محلية ماذا سيكون موقفها من الاختبار الجديد؟ هل ستتعامل معه على أنه عدوّ أم يمكن الوصول لترضية ما تجعل الجميع فائزا.

لو نظرنا إلى هذه الخطوات فسنجد أن مصمّم الاختبار هو مجرّد عنصر مهمّ في هذه المنظومة وليس هو العنصر الوحيد كما يظهر دائما.

الخلاصة أن هناك اختبارات معيارية لقياس الكفاءة اللغوية، وبناء اختبارات جديدة أمر جيّد ورائع وإثراء للمجال، لكن في الوقت نفسه لا بد من دراسة لماذا لم تصبح الاختبارات الحالية عالمية؟ ولا بد من وجود مطوّري أعمال ومسوّقين محترفين ضمن فريق العمل، ويفضّل الاستعانة بخبرات دولية من المؤسسات العالمية المعنية باختبارات اللغة الإنجليزية ليخبرونا كيف يعملون وكيف صاروا عالميين.. أتمنى ألا نخترع العجلة كعادتنا.