حكاية الأحدب المغنّي

لغة عامة | المتقدم الأدنى

قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان في مدينة الصين رجل خياط واسع الرزق، يحب اللهو والطرب، فخرج يوما هو وزوجته للنُّزْهة، وفي طريقهما عائدين إلى منزلهما مرَّا برجل أحدب يضرب على دُفٍّ ويغنّي بحرارة، فعزَما عليه أن يتناول معهما طعام العشاء، فأجابهما إلى ذلك، وبينما كانوا يأكلون أخذت زوجة الخياط قطعة كبيرة من السمك فيها شوك ووضعتها في فم الأحدب، فابتلعها فعلِقَتْ في حلقه فوقع مَغْشِيّا عليه، فظَنُّوا أنه مات وخافوا أن يفتضح أمرهم، فذهبوا به إلى الطبيب، متظاهرين أنه مريض. ولما قرعوا باب الطبيب استقبلتهم جاريته فدفعوا إليها مالا وقالوا عندنا مريض فنادي لنا الطبيب، فذهبت الجارية تنادي الطبيب، فوضع الخياط وزوجته الأحدب عند عتبة الباب قرب السُّلّم وخرجا هاربين!

وأقبل الطبيب مسرعا فلم يشعر حتى داس الأحدب برجله فظن أنه قتله، فوقع في حَيْرة ونَدَمٍ، وذهب إلى زوجته وأخبرها بما جرى، فقالت ما أرى لنا من حيلة إلا أن نَرْمِيَه في بيت جارنا قبل طلوع الفجر. ثم إنهما أنْزَلَا الأحدب في بيت الجار وأسنداه إلى حائط المطبخ.

وكان جارهما كبيرَ طبّاخي الملك، وكثيرا ما يغيب عن منزله، ولا يعود إلا في وقت متأخِّر من الليل.

وما إن استقرَّ الأحدب في المنزل حتى دخل الرجل، فلما فتح الباب وجد شخصا واقفا بجانب المطبخ، فظن أنه لِصٌّ نزل من السطح، فأخذ مِطْرَقَة وضربه بها فسقط الأحدب على الأرض، فظن الرجل أنه مات من ضربته، ففزِع من ذلك وخاف على نفسه، ثم نظر إليه فإذا هو أحدب فقال ويحك؛ أمَا يكفي أنك أحدب حتى تكون لِصّا!

ثم حمله على كتفه وخرج به إلى السوق وأسنده إلى أحد الدكاكين، وتركه وانصرف مسرعا، وإذا برجل من سماسرة الملك، قد خرج لبعض شأنه فرأى الأحدب فظن أنه لِص يتربّص به، فوثب عليه وضربه ضربة موجعة أوْقعتْه على الأرض، وصرخ بحارس السوق، فجاء الحارس فوجد الأحدب ميّتا فقبض على السِّمْسار وذهب به إلى الوالي، فأمر الوالي بقتل السِّمْسار!

وشاع في المدينة أن سِمْسارا قتل أحدبَ وأن الوالي أمر بقتل السِّمسار، فاجتمع الناس يتفرّجون، وطار الخبر إلى كبير الطباخين فأقبل يُهَرْوِل، وأخذ يشق الصفوف، ونادى السَّيّافَ لا تقتل ذلك السِّمسار، فأنا من قتل الأحدب!

فقال الوالي: ولم قتلتَه؟

قال: إني دخلت البارحة منزلي فرأيت الأحدب نزل من السطح وسرق من بيتي، فضربته بمِطْرَقَة على صدره فمات، فحملته وجئت به إلى السوق وأوقفته في موضع كذا وكذا، فأطلق الوالي سراح السِّمسار وأمر بقتل كبير الطباخين.

وسمع الطبيب بالخبر فأقبل مسرعا وراح يتخطَّى الناس، وصرخ بالسيَّاف: تمهّل ويحك! أنا من قتل الأحدب؛ فقد جاءني للعلاج فنزلت إليه مسرعا فدُسْتُه برجلي فمات!

فأطلق السيَّاف كبير الطباخين وقبض على الطبيب! وبينما هم كذلك إذا بالخياط يشق الصفوف، وينادي السيّاف: توقّف، لا تقتله إنه بريء، فما قتل الأحدبَ غيري!

قال السياف: وكيف كان ذلك؟

قال الخيّاط: كنت بالأمس عائدا من النزهة فلقيت هذا الأحدب وهو يغنّي فأعجبني غناؤه، فجئت به إلى بيتي واشتريت سمكا وجلسنا نأكل فأخذتْ زوجتي قطعة سمك بها شوك فدسَّتها في فم الأحدب فغصّ بها فمات لوقته! ثم أخذناه إلى بيت الطبيب، ففتحت لنا جاريته الباب، فقلت لها قولي لسيدك إن بالباب مريضا ينتظرك، وأعطيتها رُبْع دينار، فذهبتْ إلى سيدها، فأسندنا الأحدب إلى السُّلّم ومضينا هاربين!

فتعجَّب الوالي وأمر باعتقال الخيّاط وأخْلى سبيل الطبيب!

هذا ما كان من أمر الطبيب والطبّاخ والسِّمْسار والخياط، أما الأحدب فقد كان مُضْحِك الملك، وكان لا يفارقه، ولا يصبر عنه، فلما غاب سأل عنه الملك بعضَ الحاضرين، فقالوا إنه وُجِد مقتولا، وإن الوالي قبض على قاتله، فلما أراد قتله خرج له ثلاثة كلهم يزعُم أنه هو القاتل!

فقال الملك لحاجبه: اذهب إلى الوالي وَأْمُرْه أن يأتِيَني بهم جميعا، فلما حضروا وحدّثه الوالي بما كان من أمرهم، تعجب الملك وأخذه الطرب، وجعل يسأل كل واحد منهم عن أغرب ما سمع وأعجب ما رأى، فقصوا عليه من ذلك شيئا كثيرا، وكان مما قصه الخياط قصة مُزَيِّن بغداد الذي كان في السجن، وكان صاحب أسفار وغرائب وعجائب، فأمر الملك بإحضاره، فلما حضر قال للملك: يا ملك الزمان ما شأن هؤلاء القوم (يعني الطبيب والخياط والسمسار والطباخ) وهذا الأحدب الميت بينكم؟

فقال الملك: وما سؤالك عنهم؟

فقال: إن لي نصيبا من الفِراسة والتجربة، وما أرى اجتماع هؤلاء إلا لحكمة بالغة!

فقال الملك: اشرحوا له ما جرى، فلما حدّثوه قال: والله إن هذا لشيء عجيب! اكشِفوا لي عن هذا الأحدب فكشفوا له عنه، فنظر في وجهه ثم ضحِك ضَحِكا عالِيا!

فقال الملك: ما يضحكك أيها المزيّن؟

فقال: وحقِّ نعمتك أيها الملك إن الأحدب فيه الروح!

فدُهِش الملك وقال: ويحك ماذا تقول؟

فأخذ المزيّن رَقَبة الأحدب ودهَنها وغطّاها حتى عرِقَتْ، ثم أخذ كَلْبَتَين وأدخلهما في حلق الأحدب وأخرج قطعة السمك كاملة، فتنفّس الأحدب وعطَس، ثم أفاق وجعل يمسح وجهه بيديه! فتعجّب الحاضرون أشد العجب!

وقال الملك: والله إن هذا لشيء عُجاب! ما رأيت في حياتي ولا سعمت أغرب من هذا. وأمر أن تكتب قصة الأحدب وما جرى له بماء الذهب!

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح!

المصدر:

ألف ليلة وليلة (طبعة سعيد على الخصوي). 

ج 1 ص 85-125 (بتصرف).