أحمد مختار عمر.. رائد الصناعة المعجمية الحديثة

  • إخفاء النص

على رفوف المكتبات العربية تستلقي سِيَرٌ عظيمة لأشخاص عظام.

عن أحمد مختار عمر أحدّثكم، هذا رجل ثابت العلم في القرآن، وله قدَم راسخة في الصناعة المعجمية. هذا رجل درعميّ قمبريجيّ، بحسب تعبير بعض القدماء. درعمي أي إنه درس في دار العلوم بمصر وقمبريجي أي إنه نال شهادة الدكتوراه من كامبريدج البريطانية، فأخذ يرى اللغة والدنيا بعينين.

أحمد مختار عمر راسخ القدم في القرآن، درسه صغيرا وكتب فيه أكثر من كتاب، وهو صاحب منهج متين في الصناعة المعجمية، وقد انتقد بلا هوادة التراخي والإهمال من جانب مجمع اللغة العربية في مصر، صنع ذلك في كتاب سماه "أنا واللغة والمجمع".

لو أن أحدا قال للدكتور أحمد مختار عمر تفضّل أنت واصنع معجما فسوف يأتيه الجواب كالصاعقة، لقد صنع صاحبنا هذا وأكثر، وترك معجمين كبيرين ذوَي مجلدات كثيرة: معجم الصواب اللغوي ومعجم اللغة العربية المعاصرة، وهذان من أهم المعاجم الحديثة. وزاد فكتب في الصناعة المعجمية الحديثة، ولا تنس أنه عرف ما آلت إليه هذه الصناعة في الغرب، وأما في الشرق فأحمد مختار عمر قد حقق معجما عربيا فريدا في طريقته هو ديوان الأدب لإسحاق بن إبراهيم الفارابيّ. فهذا المعجم ذو الأجزاء الخمسة يصنّف الكلمات حسب أبنيتها، بحيث إنك تجد الكلمات ذوات الوزن الصرفي الواحد في موضع واحد.

وتعمق الرجل في دراسة اللغة العربية ما شاء الله له، فدرس المستوى الصوابي للغة وتاريخها ودلالات ألفاظها ودرس أصوات اللغة، وصنع معجما للمترادفات والأضداد. وهذا باب معجميّ أهمله العرب في العصر الحديث وبرع فيه الغرب.

تنقل الدكتور أحمد مختار عمر وراء الرزق فعمل في ليبيا والكويت سنوات طوالا، ولكنه حمل في قلبه الشغَف باللغة العربية والسعْي الحثيث لخدمتها، وعاد إلى مصر ووضع أذنَه إلى الراديو والتلفاز يتسقَّط أخطاء المذيعات والمذيعين، وكتب كتابا جليلا في تصحيح الأخطاء الشائعة بناه على ما سمعته أذناه أو قرأته عيناه في الصحف.

كان أحمد مختار عمر يناقش اللغويين القدامى ويحاسبهم حسابا عسيرا موازِنًا فيما بين أقوالهم، فمن زعم أن كلمتَي "الكل" و"البعض" لا تقبلان "أل" التعريف رماه برأي للمعرّيّ يجيز ذلك؛ ببساطة لأن القياس يجيزه، ومن زعم أن همزة "إنّ" واجبةُ الكسر في كلّ حال بعد فعل القول وجّهه إلى قراءات قرآنية كثيرة.

رحم الله أحمد مختار عمر، توفي في عام 2003 عن سبعين عاما، وترك لنا ثروة ولم يقصّر، فإن لم يكن أصاب من الشهرة ما يستحقّ فهذا تقصيرنا نحن.