أمضى باحثون دنماركيون السنوات الخمس الأخيرة في التعرف على أكثر من ألفي مخطوطة إسلامية وتحليلها في كل من إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال، بغرض دراسة وحفظ التقاليد الأدبية الإسلامية لهذا الجزء من أفريقيا التي لم تُدرَس بالتفصيل من قبل.
وقام الباحثون أيضا برقمنة المخطوطات وإنشاء قاعدة بيانات على الإنترنت توفر للباحثين في جميع أنحاء العالم أداة قيّمة للبحث المستقبلي في تاريخ الإسلام وتقاليده. وقام بتمويل مشروع "الإسلام في القرن الأفريقي" هيئة الإنصاف والمصالحة في جامعة كوبنهاغن، ومجلس الأبحاث الأوروبي.
وانتقد الباحثون الدنماركيون عدم ربط المختصين في الدراسات الإسلامية بين القرن الإفريقي والعالم الإسلامي.
وحسب الموقع الإلكتروني للجامعة، فقد أتاح فريق المشروع قاعدة بيانات المخطوطات الرقمية، لتمكين الباحثين الآخرين من دراسة المخطوطات والمساهمة في البحث في هذا التراث الأدبي الإسلامي الذي يعاني من الإهمال والتغييب. فالمختصون في دراسات الإسلام والدراسات الإفريقية أهملوا القرن الإفريقي طويلا، بحسب أليساندرو غوري الأستاذ المشارك بجامعة كوبنهاغن وعضو فريق المشروع.
ويضيف غوري أن علماء الدراسات الإسلامية والدراسات الإفريقية يميلون بشكل تقليدي إلى ربط هذه المنطقة بالتراث المسيحي لإثيوبيا وهي أكبر دولة في القرن الإفريقي، لكن الحقيقة أنه كان هناك تراث أدبي إسلامي غنيّ ومتميّز في القرن الإفريقي، يعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر على الأقل.
نصوص صوفية وغنائية
ويوضح غوري أن المخطوطات تشِي بأن المسلمين في أجزاء من منطقة القرن الإفريقي كان لديهم ميل إلى تأليف النصوص الصوفية التي يجتمع الناس لغنائها على إيقاع من تصفيق الأيدي والطبول، رغم أنهم لم يستخدموا كلمة "غناء" لأنها يمكن أن تصبح محلّ جدل في السياق الإسلامي.
العربية لغة الثقافة في القرن الإفريقي
وفضلًا عن العديد من نصوص التصوف، كشف الباحثون عن عدد كبير من المصاحف ونصوص الشريعة الإسلامية وكتب اللغة العربية، ووجدوا أن معظم النصوص مكتوبة بالعربية، وهناك نصوص مكتوبة باللغات المحلية مثل لغات هراري والأمهرية والصومالية، لكنها مكتوبة بحرف عربي.
ويضيف غوري أن "اللغة العربية مركزية بالطبع لدراسة الإسلام، لكن كثيرا من السكان المحليين الذين عاشوا في القرن الإفريقي لم يعرفوها، ولهذا السبب هناك العديد من النصوص حول قواعد اللغة العربية في مجموعات المخطوطات التي قمنا باستردادها وبحثها".
وتعرضت العديد من النصوص -خاصة تلك التي تم الحصول عليها من المناطق الريفية ذات التخزين السيّئ، لأضرار بالغة وكانت مقطّعة ومن الممكن فقدان بعضها بشكل كامل لو لم يعثر عليها الباحثون.
يقول غوري "لقد أصدرنا دليلا قصيرا عن كيفية التعامل مع المخطوطات الهشّة لتجنّب المزيد من تدهور النصوص الحسّاسة، وقمنا بترقيمها وإنشاء قاعدة بيانات ستمكننا من دراسة محتواها دون لمسها".
ووفر المشروع قاعدة بيانات عن المؤلفين وتاريخ ملكية النصوص، على أمل أن يستخدمها الباحثون من جميع أنحاء العالم ويسهموا في تحسينها، بحيث تستمر في النموّ وتجعلنا أكثر دِراية بالتقاليد الإفريقية المحلية المتعلقة بالإسلام.
منهجية المشروع
ويسعى المشروع كذلك لتوفير دراسة تجريبية للتاريخ الإسلامي في إفريقيا، كما ينعكس في التقاليد الأدبية للقرن الإفريقي.
وسيتم تمييز النصوص غير المعروفة وغير المنشورة سابقًا، وسيُنظَر في النصوص العربية جنبًا إلى جنب مع النصوص المكتوبة باللغات المحلية، ولن يتم البحث فقط في الإنتاج الأدبي المحلي، بل سيُبحَث أيضا في النصوص المنسوخة محليا ذات الأصل أو المنشأ الأجنبي.
وسيتم دمج اختصاصات فقه اللغة والتاريخ ودراسات المخطوطات واللغويات وعلوم الحاسوب، لإنتاج بيئة للبحث الرقمي في الإسلام بالقرن الأفريقي، كما أن الببلوغرافيا الواسعة ونسخ النصوص النموذجية ستشكل أساسا للبحث المستقبلي.