كان التركيز في صفوف دراسة اللغة الأجنبية على النحو والصرف أي (كيف تقول؟) وكذلك التركيز على المفردات أي (ماذا تقول؟)، حيث كان المعلمون يقضون جل أوقاتهم في شرح القواعد ويوزعون على الطلاب قوائم مفردات، والطلاب يتفانون في حفظ معاني الكلمات والتدريب على إتقان القواعد، إلا أن المحصلة في النهاية كانت لا تساوي كل هذا الجهد.
أما الآن فقد أصبح الاهتمام في تعليم اللغات موجها نحو الاتصال، الذي يهتم بـ"لماذا" و "من" و"متى".
وقد وضع المجلس الأمريكي لمعلمي اللغات الأجنبية بالتعاون من منظمات أخرى مجموعة من المعايير يعتبر من يحققها قد تعلم اللغة فعلا وصدرت في دراسة بعنوان:
National Standards in Foreign Language Education Project. Standards for Foreign Language Learning in the 21st Century. (2006). Lawrence, KS: Allen Press, Inc.
وتؤكد هذه المعايير أهمية الأمور التالية في تعلم اللغات الأجنبية:
ا - الاتصال:
وهو الهدف الأسمى لدراسة اللغة الثانية، سواء كان الاتصال وجها لوجه أو بالكتابة أو عبر المكان والزمان من خلال القراءة أو الأدب.
ولقد قابلت طلابا تنحصر علاقتهم باللغة في الكتاب والمعلم، وينقطعون عن التعامل مع أبناء اللغة. وتوجد جاليات من الطلاب الذين يتعلمون الدين في بعض الدول العربية يعيشون في دوائر مغلقة قدر استطاعتهم ولا يتعاملون مع العرب، ولذا نجد مستوى لغة هؤلاء الطلاب في منتهى الضعف.
وللتغلب على هذا الضعف ينصح الخبراء بأن يجتهد المتعلمون في الاتصال باللغة التي يريدون تعلمها، وذلك بأن يتحدثوا بها وينقلوا عواطفهم وآراءهم أفكارهم بها، ويتبادلوا بهاالمعلومات والأفكار مع الآخرين قراءة وكتابة واستماعًا.
ب - الثقافة:
لا يمكن أن نعتبر شخصا ما قد تعلم لغة ما إلا حين يستطيع التعامل مع ثقافتها.
ومن الغريب أن بعض الطلاب يرفض تعلم الثقافة العربية، ويعتبر حديث المعلم عن العرب وثقافتهم نوعا من العنصرية، ويرى أن الذي يدرس اللغة بهدف فهم الإسلام لا يحتاج إلى فهم الثقافة العربية.
وهذا فهم يجانبه الصواب؛ إذ إننا لا نستطيع أن نقدر مدى تأثير القرآن على الشعوب العربية التي نزل فيها دون أن نعرف قيمة الكلمة في حياة العربي، ولا نستطيع أن نفهم سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) دون أن نفهم كيف تنشأ العلاقات وتنمو في المجتمع العربي.
فالعربي كان يناصر أخاه ظالما ومظلوما، والعربي كان يرفض ترك عبادة الأصنام خوفا من أن يخالف ما كان عليه أبوه، هذا بالإضافة إلى أن الأخلاق العربية امتزجت بالإسلام فأنجبت أجيال المسلمين الذين حكموا من حدود الصين شرقا حتى المحيط الأطلسي غربا.
وفي العصر الحديث لا يستطيع الدارس الأجنبي أن يستوعب اللغة تمام الاستيعاب دون أن يعرف قيمة المقدسات في حياة العربي خاصة العربي المسلم، وكراهية العربي للاحتلال، وعداء العرب للصهيونية، وحالة الوهن التي يعيشها العالم العربي حزنا على مجده المفقود.
ومن ثم نستطيع القول إن الدارس لا يمكن أن يفهم العربية دون أن يستوعب مثل هذه الأبعاد الثقافية في شخصية العربي القديم والمعاصر.
والثقافة تشمل الأدب والعادات والتقاليد وأشكال العلاقات داخل الأسرة والعائلة والقبيلة والعلاقة بين العالم والتلميذ وبين الكبير والصغير والغني والفقير وبين الحاكم والمحكوم... إلخ.
ج - المقارنات:
يُنصح المتعلم عادة بأن يتعامل مع اللغة الأجنبية بمعزل عن لغته، وذلك لكي لا يلجأ إلى الترجمة الحرفية لما يتعلمه. ولكن ينبغي أن يقارن بين لغته واللغة الجديدة بدءًا بالأصوات "الأبجدية" وانتهاءً بكيفية تعبير الناس عن مشاعرهم مرورًا بالرموز والأمثال والأبطال والعادات والتقاليد.
فـ"من خلال المقارنات والفروق في اللغة المدروسة يوسع الطلاب مداركهم في طبيعة اللغة ومفاهيم الثقافة ويدركون تعدد طرق رؤية العالم" كما جاء في المعايير المذكورة سابقا.
د- الصلات:
إن كثيرا من كتب تعليم العربية تعتمد على نصوص مصنوعة لتعليم غير العرب أو نصوص أصلية مختارة بعناية شديدة، ومن ثم فإن اللغة التي يتعلمها أغلب الدارسين لا تمثل اللغة العربية الحقيقية التي يتعامل بها الإنسان العربي مائة بالمائة، ولذلك فعلى دارسي العربية أن يحاولوا اكتساب معارف ليست ضمن الكتب المقررة عليهم، معارف لا يعرفونها في لغتهم الأم، كأن يقرؤوا الأخبار المحلية والقصص الاجتماعية في وسائل الإعلام المحلية العربية، وعليهم كذلك أن يطلعوا على الآراء المختلفة حول القضايا الثقافية العربية بعيدًا عما يسمعونه من معلميهم داخل المؤسسة التعليمية.
هـ – التعايش/ المجتمعات:
ومن المهم جدًّا أن يكثر المتعلم من العلاقات بمتحدثي اللغة التي يتعلمها ويتعامل مع أبناء اللغة الأجنبية كأنه واحد منهم، يتفاعل مع مشاعرهم وأحزانهم وأفراحهم وأوقات جدهم وأوقات سمرهم دون أن يحتاج إلى مترجم أو ينعزل عنهم لأنه لا يستطيع التواصل معهم خارج الأمور الرسمية.
وحينما يستطيع أن يعبر عن فرحه وحزنه وأن يجامل ويُعَنِّف مستخدمًا تلك اللغة فإننا نستطيع أن نقول إنه تعلم اللغة الأجنبية.