العربية في كمبوديا.. ماضٍ دامٍ وتحديات عديدة

الدكتور إسلام يسري علي

جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية

في بيت متواضع لا يختلف كثيرا عن بيوت مسلمي كمبوديا يحكي مفتي البلاد الشيخ قمر الدين بن يوسف: "عندما استولى الخمير الحمر على الحكم (1975-1979م) أحرقوا كل الكتب وقتلوا نصف مليون مسلم.. لم يعد لديّ أي مرجع فقلت أكتب ما أحفظه فقد أنسى ولا أجد ما أعلّم به الناس.. فدونت كل ما أعرفه من علوم في أوراق.. وظللت أعَلِّم الناس بها عشر سنوات بعد سقوط حكم الخمير الحمر لعدم وجود أي كتب تتعلق بالعربية أو الدين".

تعطيك الفقرة السابقة صورة عن اللغة العربية في كمبوديا وموقعها من التعليم الديني الذي تتوارثه الأقلية المسلمة في كمبوديا منذ زمان، والمعاناة التي عانوها سواء للبقاء على قيد الحياة أو لتعليم وتعلّم العلوم الإسلامية واللغة العربية.

وقد أدى حكم الخمير الحمر الدموي الذي أودى بحياة ربع سكان البلاد (نحو مليوني إنسان) وما تبع سقوطه من حرب طويلة إلى تأخر البلاد بشكل كبير وتأخُّر التعليم الإسلامي تبعًا لذلك، واعتماد معلمي المواد الإسلامية على ما يحفظونه من علوم وما لديهم من أفكار شخصية في ظل عدم وجود أي مراجع أو كتب دينية قبل ظهور ثورة الاتصالات والإنترنت.
 
ومع انتهاء الحروب وانفتاح مسلمي كمبوديا على العالم الخارجي أدت عدة عوامل إلى الارتقاء باللغة العربية في كمبوديا وهذه العوامل يمكن اختصارها في:

أولا - مساحة الحرية التي منحتها الدولة الكمبودية للمسلمين، فضلا عن حالة التسامح التي تسود البلاد بعد حقبة طويلة من القمع والحروب، وقد تجسد اهتمام الحكومة الكمبودية بالمسلمين في تعيينها لألف وخمسمائة معلم مسلم كمبودي في المدارس الدينية الإسلامية العام الماضي 2017م.

ثانيا - فتح منظمات إسلامية من خارج كمبوديا لمؤسسات تُعنى بتعليم العلوم الإسلامية واللغة العربية بشكل يعطي الاتصال اللغوي بعض الاهتمام.

ثالثا - حصول عدد من الطلاب المسلمين على منح للدراسة في ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما.

رابعا – نضج بعض مؤسسات العمل الخيري التي انتقل حيز اهتماماتها من إطعام الناس إلى تنمية المجتمعات، فتحول بعضها من توزيع وجبات الطعام إلى تقديم المنح لدراسة العلوم الطبيعية وتنظيم البرامج التدريبية التي ترقى تعليميا وإداريا ومهنيا بمسلمي تلك البلاد.

وقد أثمرت العوامل السابقة ما يلي:

·       ظهور فئة مثقفة تتقن الحديث بالعربية، وهو ما فتح للمسلمين الكمبوديين سبل التواصل مع مسلمي العالم.

·       وجود نضج لدى العديدين من قيادات التعليم ممن يرون أن مهمة اللغة العربية تتجاوز فهم النصوص الدينية إلى كونها لغة اتصال مع أكثر من أربعمائة مليون عربي كما أنها لغة مشتركة مع العديد من المسلمين في العالم.

·       انتشار المدارس الإسلامية التي تدرِّس العلوم الإسلامية واللغة العربية ومقررات المدارس الكمبودية الرسمية.

·       رغبة العديد من القيادات المحلية في تطوير تعليم العربية بشكل اتصالي على أمل أن يثمر ذلك زيادة في الاستثمارات العربية في كمبوديا وهو ما يعني زيادة فرص عمل المسلمين الذين يعانون من الفقر والجهل.

·       اعتماد المؤسسات الإسلامية الدولية على كوادر محلية في تدريس العربية وعلوم الشريعة بالإضافة إلى لأعمال الإدارية والمحاسبية والفنية الأخرى.

تحديات تعليم العربية في كمبوديا

بينما نحن نتناقش حول تعليم العربية قال أحد المعلمين المحليين: "عندما تمر على فصل من فصول الإنجليزية تسمع التلاميذ يضحكون ويتفاعلون بهمة ونشاط، لكن عندما تمر على فصول اللغة العربية تجد الطلاب صامتين".

هذه الكلمة القصيرة تشي بالعديد من التحديات التي يواجهها تعليم العربية في كمبوديا ومن أبرزها:

·       أغلب المعلمين غير مؤهلين لغويا وتربويا وتقنيا لتعليم العربية بطرق حديثة، والأصل استخدام طريقة النحو والترجمة في تدريس العربية، مع العلم بأن عددا من القائمين على التعليم لديهم رؤى تربوية ناضجة، إلا أن الإمكانات المادية ما زالت ضعيفة.

·       قلة فرص العمل لمتعلمي العربية حتى الآن في ظل ضعف العلاقات العربية الكمبودية، وضعف الاستثمارات العربية هناك، وهي وإن لم تكن مشكلة ظاهرة الآن فإنه في المستقبل القريب – بناء على تجارب دول أخرى- سيجد الطلاب أن تعلّم العربية غير مفيد وسيزهدون فيه.

·       ضعف البنية التقنية للمدارس الإسلامية وهو ما يجعل المعلم –غير المؤهل– المصدر الأول للمعرفة، كما أنه يجعل تعليم العربية بعيدا عن الوسائل الحديثة المحببة لأطفال وشباب هذا العصر وهو ما يؤدي إلى مللهم.

·       الصراعات الفكرية بين التيارات الإسلامية المسؤولة عن التعليم والاهتمام بقضايا لا تعتبر أولوية لأقلية فقيرة ومهمشة.

·       ندرة الدراسات اللسانية التي تدرس التقابل اللغوي بين لغتي المسلمين في كمبوديا "التشام والخميرية"، والدراسات التي تدْرس حاجات الطلاب ورغباتهم، ودراسات صعوبات تعلم العربية والمحتوى الثقافي المناسب لأقلية في مجتمع بوذي... إلخ. 
وقد تكون هذه الدراسات موجودة بالفعل إلا أنني لم أعثر على أي منها في الإنترنت.

مستقبل تعليم العربية في كمبوديا

إن جزءا كبيرا من عوامل النجاح متوفر لدى المجتمع المسلم الكمبودي، فهناك إرادة لدى بعض المعلمين للتغيير إلى الأحسن، وهناك رغبة لدى أولياء الأمور لتعليم أبنائهم لغة القرآن، وهناك حماس لدى الطلاب بأن يتقنوا العربية، وهناك مؤسسات تعليمية قائمة بالفعل، وأرى أن نجاح عملية تعليم العربية رهن بعدة أمور:

·       أن يصبح تعليم العربية مهنة، فليس كل معلمي المواد الإسلامية يصلحون لمهنة تعليم العربية لغة أجنبية.

·       أن يُنتقى مجموعة من المعلمين الأكفاء لغويا ومهنيا ويتم منحهم فرصا للدراسات العليا في تخصص تعليم العربية للناطقين بغيرها.

·       إجراء دراسات وبحوث على المجتمع للوصول لخصائصه وحاجاته ورغباته.

·       بناء المواد التعليمية الحديثة التي تفي بحاجات المجتمع وتراعي خصائصه.

·       دعم المؤسسات التعليمية بالأجهزة التقنية الحديثة.

·       إعداد وتنفيذ خطة إستراتيجية لتعليم العربية في البلاد بما يضمن أن تحقق أهداف تعليمها في النهاية.

·       توفر التمويل لكل ما سبق.

مقالات أخرى للكاتب