(1)
إن تزامن الانتخابات الرئاسية مع البرلمانية يزيد من أهمية النتيجة ويضيّق هامش المراجعة والاستدراك، كما بدأ سريان النظام الرئاسي معها يحمل متغيرات وتأثيرات على تركيا ونظامها السياسي وسياساتها الداخلية والخارجية.
كما أن العدد الكبير من المرشحين الرئاسيين والأحزاب السياسية المشاركة في المعركة الانتخابية يضع الكثيرين على المحك في حال تغير اسم الرئيس أو -بدرجة أقل أهمية- صاحب الأغلبية البرلمانية، في ظل حالة الاستقطاب القائمة والاختلافات الكبيرة بين المشاركين في الأفكار والبرامج.
ذلك أن المعارضة التركية تقدم رؤية مختلفة عن الرئيس رجب طيب أردوغان والحكومة الحالية بخصوص مختلف القضايا، بدءًا من نظام الحكم الذي تريد إعادته برلمانيًّا، ومرورًا بالصحة والتعليم، وانتهاءً بالسياسة الخارجية التي تريدها أكثر تقليدية ومحافظة وأقل انخراطًا في الأزمات.
كما أن هذه هي الانتخابات الأولى التي تتشكل فيها تحالفات انتخابية بشكل قانوني، ومن خلال قانون الانتخاب، وهو متغير مهم يترك بصمته على الحياة السياسية التركية في المدى المنظور، خصوصًا من جهة خريطة البرلمان المقبل والعلاقة بين مختلف الأحزاب داخل التحالفات وفيما بينها.
يزيد كل ذلك من عدد السيناريوهات المتوقعة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وشكل البرلمان المقبل، وبالتالي العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، في ظل النظام الرئاسي الذي يقوّي الثانية ولكنه لا يلغي محورية الأولى.
(2)
تشارك في الانتخابات البرلمانية ثمانية أحزاب تندرج تحت تحالفين كبيرين؛ حيث يضم "تحالف الشعب" (أو الجمهور) حزبَي العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية، ويدعمهما -بشكل غير رسمي- حزب الاتحاد الكبير الذي سيقدم مرشحيه على قوائم الأول.
ويضم "تحالف الأمة" حزب الشعب الجمهوري -وهو أكبر أحزاب المعارضة- والحزب الجيّد/الصالح وحزب السعادة، ويدعم هذا التحالف بشكل غير رسمي الحزبُ الديمقراطي الذي سيقدم مرشحيه على قوائم الأول والثاني.
وتبقى خارج التحالفين الكبيرين ثلاثةُ أحزاب، هي حزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) وحزب الوطن وحزب الدعوة الحرة.
ويتنافس في الانتخابات الرئاسية ستة مرشحين يتقدمهم الرئيس أردوغان عن حزبه (العدالة والتنمية) و"تحالف الشعب"، ومحرّم إينجه مرشح الشعب الجمهوري، وميرال أكشنار مرشحة الحزب الجيد، وصلاح الدين دميرطاش مرشح الشعوب الديمقراطي.
(3)
عدد المرشحين الرئاسيين الكبير يعكس إستراتيجية أحزاب المعارضة المنضوية تحت "تحالف الأمة"، الذي أتى تشكيله بعد فشلها في تقديم مرشح توافقي قوي يستطيع مواجهة أردوغان.
وتقوم هذه الإستراتيجية على ترشيح أكبر عدد ممكن من المنافسين الذي يمثلون أحزابهم الآتية من مشارب وخلفيات مختلفة وأحيانًا متناقضة، بحيث يستطيع كل منهم أن يضمن أصوات أنصاره والقريبين من خلفيتهم الحزبية والفكرية، وبالتالي يسحب من رصيد أردوغان ويقلل فرص فوزه من الجولة الأولى، لإجباره على جولة إعادة قد تحمل إمكانية توافق المعارضة على دعم المرشح الذي يواجهه، أيًّا كان.
تعتمد الحملة الانتخابية لأردوغان وحزبه على منطق تراكم الإنجازات وضرورة استمرارها، وعلى دور القائد الذي يستطيع قيادة تركيا في هذه المرحلة الصعبة، بينما تعتمد حملة المعارضة -خاصة حزب الشعب الجمهوري ومرشحه- على فكرة الأزمات الكثيرة التي تواجه البلاد، والتي تحمّل مسؤوليتها للقيادة الحالية وبالتالي تركز على ضرورة التغيير.
(4)
لكل ما سبق ستكون للمعركة الانتخابية انعكاسات وارتدادات عدة على تركيا داخليًّا وخارجيًّا، وفي عدة سياقات. ويرتبط بعض هذه الانعكاسات بنتيجة كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على حدة و بنتيجتهما معًا.
فمن الانعكاسات المباشرة بدء تطبيق النظام الرئاسي وفق المواد المستفتَى عليها في أبريل/ نيسان 2017، الأمر الذي سيفتح الباب على مرحلة جديدة كليًّا في تركيا عنوانها النظام الرئاسي.
ويتميز هذا النظام بسرعة اتخاذ القرارات وتنفيذها، وبالحكومات القوية المستقرة، والفصل بين الحكومة والبرلمان، وبسير مختلف مؤسسات الدولة وفقًا لرؤية الرئيس، وهو ما سيترك آثاره على الحياة السياسية والحزبية داخليًّا وعلى سياسة أنقرة الخارجية.
كما أن خريطة البرلمان المقبلة ستكون مختلفة كليًّا عن تلك الحالية، حيث سيتكوّن من سبعة أحزاب بالحد الأدنى في مقابل أربعة حاليا، وستكون المعارضة تحت قبته أقوى مما هي عليه حاليًّا في كل الأحوال.
(5)
بلغة الأرقام والنتائج يبدو الرئيس أردوغان –وهو أقوى المرشحين الرئاسيين- قادرًا على الحسم من الجولة الأولى، في ظل ضعف المنافسين النسبي وغياب مؤشرات قوية على تراجع مهم في شعبيته، لكن تأخر الحسم إلى جولة الإعادة لن يكون مفاجأة كبيرة أيضا، بسبب عدد المرشحين الكبير وبعض المتغيرات في مزاج الناخب التركي.
حسابات الانتخابات البرلمانية أعقد من الرئاسية بكثير، حيث يواجه العدالة والتنمية عدة تحديات. فطول مدة حكمه منفردًا، وكثرة عدد الأحزاب المشاركة والتحالفات القائمة، وبعض التململ داخل صفوفه وضعف حليفه، كلها عوامل تصب في خانة تراجع التصويت له عن آخر انتخابات برلمانية (%49.5) بشكل ملحوظ.
وفي ظل كل هذه التعقيدات والسيناريوهات المتوقعة وما سيترتب عليها يمكن القول إن تركيا بعد الانتخابات ستختلف كليًّا عن ما كانت عليه قبل الانتخابات بغض النظر عن النتيجة. لكن بعض النتائج ستكون أكثر تأثيرًا في المشهد من غيرها، خصوصًا في حال فوز المعارضة بالرئاسة (وهو احتمال ضئيل جدًّا)، أو بالأغلبية البرلمانية (وهو وارد وإن كان أقل ترجيحًا).