اختبار ترتيب الكلمات، هل هو لمهارة الكتابة أم مهارة القراءة؟

الدكتور نصر الدين إدريس جوهر

أستاذ العربية بجامعة سونن أنبيل-إندونيسيا

اختبار ترتيب الكلمات

هل هو لمهارة الكتابة أم مهارة القراءة؟

 

اختبار ترتيب الكلمات ببساطة عبارة عن وضع الكلمات عشوائيا وطلب إعادة ترتيبها بشكل صحيح؛ لتكون جملة صحيحة معنى ومبنى. ويعد هذا النوع من الاختبار من أكثر أنواع الاختبارات استخداما في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى حيث ورد في معظم كتب التعليم وغيرها من المواد التعليمية والاختبارات اللغوية مطبوعة كانت أم إلكترونية. ولعل شيوع استخدامه يرجع إلى سهولة إعداده إذ لا يكلف إعداده المعلمين أو مؤلفي الكتب التعليمية إلا تكوين الجملة ثم وضع كلماتها عشوائيا تقديما وتأخيرا ثم طلب من المتعلمين إعادة ترتيبها بشكل صحيح معنى ومبنى.

إلى جانب ذلك فيرجع شيوع استخدامه إلى أنه يعد الاختبار الأكثر فعالية في قياس قدرة المتعلمين على تكوين الجمل على التراكيب المدروسة. فإذا كان التركيب المدروس هو التركيب الفعلي والاسمي فتكون الجمل التي تختبر على التركيب الفعلي والاسمي.  وإذا كان المراد تدريب المتعلمين عليه هو تركيب الجملة المركبة فتكون الجمل التي تختبر تتكون من جملتين تربطهما أداة من أدوات الربط، وهكذا.

وهذا النوع من الاختبار يعد فعّالا أيضا في قياس استيعاب المتعلمين للموضوعات التي تم تدريسها. ففي هذا السياق لا ينبني اختبار ترتيب الكلمات على أساس أنماط التراكيب المعينة وإنما على معنى المضمون أو المشار إليه في نص القراءة أو الحوار مثلا.

ويتضح الفرق بين الهدفين من استخدام اختبار ترتيب الكلمات في المثالين التاليين:

  1. يتعلمان- اللغة العربية- ومحمد- أحمد- واللغة الإنجليزية.

(أحمد ومحمد يتعلمان اللغة العربية واللغة الإنجليزية).

  1. أحمد-يتعلم-ومحمد-يتعلم-اللغة العربية-اللغة الإنجليزية.

(أحمد يتعلم اللغة العربية ومحمد يتعلم اللغة الإنجليزية).

 

يلاحظ أن الجملة في السؤال الأول وضعت على التركيب الاسمي فما على المتعلم في الإجابة عن هذا السؤال إلا إعادة ترتيب كلماتها على النمط أو التركيب الاسمي وهو أن يبدأ بالاسمين (أحمد ومحمد) ويليهما الفعل المضارع (يتعلمان) ويليه المفعولان (اللغة العربية واللغة الإنجليزية).

أما المثال الثاني فلم يوضع لاختبار التركيب إذ أن المتعلم بإمكانه أن يرتب الكلمتين (أحمد ويتعلم) على التركيب الاسمي أو بتقديم الاسم (أحمد يتعلم) وعلى التركيب الفعلي أو بتقديم الفعل (يتعلم أحمد). كما أن بإمكانه وضع المفعولين (اللغة العربية واللغة الإنجليزية) على ما شاء فرتب (أحمد يتعلم اللغة الإنجليزية ومحمد يتعلم اللغة العربية) أو بالعكس (أحمد يتعلم اللغة العربية ومحمد يتعلم اللغة الإنجليزية). كلا الترتيبين صحيحان نحويا وهذا ما يخفض درجة صدق السؤال، لعدم تحديد الإجابة عنه ولم يتعين ما وضع لأجله وما قيس به فيتحمل إجابتين صحيحتين.

وإنما وضع هذا المثال الثاني -كما اتضح- لقياس استيعاب المتعلم لمعلومات معينة تمت الإشارة إليها في نص القراءة أو الحوار قبل لا الاختبار. فلا يمكن للمتعلم أن يرتب هذه الكلمات لتكون جملة صحيحة من حيث المعنى بدون اللجوء إلى المعلومات التي تمت الإشارة إليها والتي يراد قياس قدرته على استيعابيها. فإذا ورد في النص أن أحمد يتعلم اللغة العربية ومحمد يتعلم اللغة الإنجليزية فيجب ترتيب الكلمات لدى المتعلمين على هذا الأساس كما يجب الاعتماد عليه تقويمها وتقييمها لدى المعلم. 

واختبار ترتيب الكلمات رغم أنه يهدف إلى فياس القدرة على الاستيعاب والتركيب ومن ثم يخص المتعلمين المتوسطين والمتقدمين إلا أن استخدامه يمكن أن يتدرج تبعا لمستوى المتعلمين. فإذا وضع للمتوسطين فيوضع بشكل بسيط وسهل بعض الشيء من خلال تبسيط المحتوى والتعليميات. أما تبسيطه من حيث المحتوى فيتم من خلال وضع الكلمات القليلة على التركيب البسيط غير المركب والمعقد. وأما تبسيطه من حيث التعليمية أو طريقة أدائه فيتمثل في إعطاء التوجيه عن بداية الترتيب مثل "رتب الكلمات الآتية لتكون جملة صحيحة بدءا من الكلمة التي تحتها خط".    

لأي مهارة وضع اختبار ترتيب الكلمات؟

لأي مهارة وضع اختبار ترتيب الكلمات؟ أهو لمهارة الكتابة على أساس أن الإجابة عنه مكتوبة؟ أم هو لمهارة القراءة لاعتماد الإجابة عنه على الفهم والاستيعاب؟

إن من رآه اختبارا لقياس مهارة الكتاب فذلك على أساس أن الإجابة على هذا الاختبار بالكتابة أي أن المتعلم يعيد كتابة الكلمات العشوائية بترتيب صحيح لتكون جملة صحيحة معنى ومبنى. هذا الرأي ليس له مبرر في كل الحالات، لأن الاختبارات ليست بطريقة الإجابة عنها فليس كل الاختبارات التي تجاب عنها كتابيا هي لقياس مهارة الكتابة. فمثلا إذا أسمع المعلم نصا قصيرا على المتعلمين وسألهم أن يستخرجوا منه الأرقام ويكتبوها في كراساتهم فهذا ليس اختبارا لمهارة الكتابة وإنما لمهارة الاستماع لأنهم يبذلون الجهود للاستماع إلى الأرقام وإدراكها وفهمها أكثر مما يبذلونه لكتابتها على كراساتهم. 

فالاختبارات إذن تقيس المهارة التي تحكم الإجابة عنها. فإذا كانت مهارة القراءة هي التي تقدم دورا أكبر في الإجابة عنها فهي اختبار مهارة القراءة رغم أن الإجابة عنه مكتوبة. فعلى هذا المبدأ يمكن مقارنة نسبة مهارة القراءة ومهارة الكتابة في اختبار ترتيب الكلمات تعيينا لأي من المهارتين ينبغي أن يوضع.

تتمثل مهارة القراءة في اختبار ترتيب الكلمات في فهم الكلمات وإدراك العلاقات بينها وتعيين المقدمة منها والمؤخَّرة، بينما تتمثل مهارة الكتابة فيه في إعادة كتابة الكلمات. يتضح هنا أن القراءة في هذا الاختبار تتمثل على المستوى الفهمي والإدراكي وأن الكتابة تتمثل على المستوى الآلي أو الميكانيكي. هذا يؤكد أن اختبار ترتيب الكلمات يعد لمهارة القراءة لأن الفهم والإدراك (وهما عنصران أساسيان في القراءة) وهما اللذان يحكمان الإجابة.

إن الكتابة في اختبار الترتيب ليس إلا طريقة الإجابة وأما القراءة فهي إيجاد الإجابة وتحديدها. وفي أشكال أخرى من هذا الاختبار تغيرت طريقة الإجابة فتزول منه عناصر الكتابة وتبقى فيه عناصر القراءة. فلعل خير مثال لذلك الشكل الافتراضي لهذا الاختبار كما ورد في الاختبارات الإلكترونية مثل الآتي:

رتب الكلمات الآتية لتكون جملة مفيدة:

المدرسة - الطالب - إلى - يذهب

 

هذا شكل من أشكال اختبار ترتيب الكلمات. للإجابة عن هذا السؤال لم تعد الكتابة ما يحتاج إليه المتعلم لأنه لم يعد يكتب الكلمات وإنما يحرك الصناديق. بينما تبقى القراءة أمسّ ما يحتاج إليه المتعلم لأنه لن يتمكن من ترتيب الصناديق ترتيبا صحيحا إن لم يفهم الكلمات فيها ولم يدرك العلاقات بينها. هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن اختبار الترتيب من اختبارات مهارة القراءة، لأن القراءة فيه هي العنصر الأساسي وأن الكتابة هي العنصر التابع. القراءة هي التي تحكم الإجابة وأما الكتابة فليست إلا طريقة الإدلاء بها.  والله أعلم.